No Script

المسرحيتان تستكملان عروض «الكويت الدولي للمونودراما»

«درب الخضر» و«عروس الويكليكس»... عن حقائق السيرة والإبداع

تصغير
تكبير
عمق نص «درب الخضر» لم يوظف بالشكل الصحيح على المسرح
بين «درب الخضر» و«عروس الويكليكس»... حقيقة!

وحين تظهر الحقائق، تتكشف الصور على واقع تختلف حكاياته وأحداثه. فـ «درب الخضر» حكت حكايتها، و«عروس الويكليكس» كشفت قوة الإرادة مهما كانت المعوقات، واجتمعتا مسرحياً في فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان الكويت الدولي للمونودراما مساء أول من أمس على خشبة «الدسمة».


المسرحية الأولى قدمها مركز ديرة الثقافي بالتعاون مع مسرح أبو ظبي بدولة الإمارات العربية الشقيقة وسط حضور كبير من الفنانين وضيوف المهرجان والمحبين للمسرح، وتتحدث عن السيرة الذاتية للشاعر الإماراتي الخضر، وهي من تأليف وإخراج وتمثيل الفنان عمر غباش.

أما مسرحية «عروس ويكليكس»، فهي مغامرة جديدة يقدمها المسرح الشعبي وفق تفاصيل وأحداث ثرية بطلها شاب في مقتبل العمر من ذوي الاحتياجات الخاصة والذي فاق الأسوياء في تحمله تركيبة نص ثري بالأفكار والمعادلات الصعبة والإسقاطات التي تحتاج ممثلا محترفا.

بالنسبة إلى «درب الخضر»... فالشاعر الذي اشتهر بهذا اللقب، ولد في إمارة عجمان العام 1905 وتلقى علومه الأولية في كتاتيب الإمارة ومارس صناعة البشوت في كل دول الخليج واليمن إلى أن وافته المنية العام 1980. بل ويعد الخضر واحداً من أهم شعراء القصيدة النبطية في الإمارات، وامتدت تجربته الشعرية طوال أكثر من نصف قرن متأثراً بالجو المحيط به، سواء في الأسرة أو خارجها، لاسيما أن عجمان كانت في ذلك الوقت منتدى ثقافياً وشعرياً يتوافد عليه كل شعراء الإمارات الآخرين.

غباش مسرح السيرة الذاتية لهذا الشاعر المعروف على طريقة الحكواتي، والتي هي أساس العمل المونودرامي... واستطاع أن ينقلنا من منطقة إلى أخرى بشكل جيد، بل إن خفة الظل التي كانت تظهر بين الحين والآخر، كانت تنقل لغة الدور في فهم طبيعة الشخصية وأبعادها.

كذلك، نجح الممثل في التكيف بشكل مرن في كل بلد كان يزوره، وكان ذكياً في إلقائه أبيات الشعر بشكل جيد. كما أن البناء الدرامي للمسرحية كان له دور كبير في سرد أبعاد الشخصية كلما ذهبت إلى بلد.

يبقى أن عمق النص لم يوظف بالشكل الصحيح على المسرح، وكان من الأفضل أن يقوم غباش بالتأليف والإخراج فقط وأن يأتي بممثل آخر حتى يستطيع إدارة العرض بشكل أفضل مما ظهر به.

فهذا الشاعر الذي عمل في البشوت وزار أكثر من أمير وملك، لديه ثراء درامي كبير يحتاج إلى الانصهار من جديد. كما أن هذا الغزل الذي انتهجه مع المرأة، رغم المبالغة الذي ظهر فيه، إلا أنه كان مقبولاً لأن الزمان لم يكن مناسباً.

فالفنان عمر غباش أراد أن يحكي قصة هذا الشاعر الذي ملأ الدنيا شعراً من دون أن يدخل في خصوصياته بشكل أعمق، لكنها في النهاية تجربة مهمة ومغامرة رائعة من هذا الفنان.

وفي ما يخص الإضاءة والسينوغرافيا، فقد شكلتا العمود الفقري للعرض. ففي المشاهد الأولى، أراد غباش أن يحرك مشاعرنا من خلال الموسيقى، وتفاعل بشكل جيد مع الإضاءة وانتقل إلى عمق المسرح بترتيب، وبين كل فنجان قهوة وأخرى كانت تأتي الحكاية متدفقة من إحدى دول الخليج.

أما في «عروس الويكليكس»، فيظهر من خلالها جلياً أن مفاجآت «الويكليكس» وازدحام التواصل، جعلتنا لا نتواصل مع بعضنا البعض.

المسرحية من تأليف أنعام سعود وإخراج فهد الفلاح وبطولة سالم القطان... والأخير الذي يرمز إلى السلام من خلال هذه المسرحية، كان نجماً بكل ما تعنيه الكلمة. فهو شخص قرر ألا يتواصل مع أحد وعاش مع مجموعة من الدمى يتذكر ما يحدث حوله من أخطاء للمحافظة على القيم الموجودة.

«عروس الويكليكس» جعلتنا نعيش لحظات نفكر ونتأمل، ليس فقط في البناء الدرامي للعرض، ولكن في كيفية استخدام هذا الممثل الذي لا ينطق بسهولة للأدوات المسرحية. إلا أنه يبدو أن هناك إرادة وإدارة كانت مصممة على أن يخرج هذا العرض إلى النور بشكل احترافي في كل شيء، إذ كان هناك من يدرب الممثل ويعلمه أسلوب التخاطب، فضلاً عن المخرج فهد الفلاح الذي ظهرت لمساته على العرض منذ المشهد الأول على الشاشة التي تظهر النص الذي يتحدث به القطان.

فالمسرحية كشفت هشاشة فقدان التواصل بيننا، وكأننا لم نعد نتواصل مع بعضنا البعض إلا من خلال الشاشة، وكذلك خفايا «الويكليكس» والتآمر على العالم الثالث الذي بطبيعته فقد التواصل مع نفسه من خلال قضايا اجتماعية هامشية وغيرها من المشاكل، التي جعلتنا ندور في حلقة مفرغة.

الجميل في الأمر، أن في هذه المسرحية كان هناك خيط رفيع بين الشفقة على هذا الممثل وبين الإبداع، ولكن القطان تغلب على ذلك بإبداعه.

وبرغم المشاكل الموجودة في العرض وحبكته الدرامية، إلا أن الترابط الدرامي كان جيداً، فضلاً عن براعة الممثل واستخدامه لكل الأدوات الموجودة على المسرح بما فيها آلة الموسيقى «الكمان»، بل حاول أن ينقلنا من مرحلة إلى أخرى بشكل متوازن وتحرك في كامل الخشبة بشكل رائع.

كما لعب الديكور دوراً مهماً في إلهام الممثل، وكانت كل الأدوات التي يحتاج إليها الممثل موجودة، فضلاً عن أنها وضعت بعناية شديدة، وكانت مصممة الديكور معصومة الحداد موفقة إلى حد كبير، إلى جانب الإضاءة والموسيقى اللتين أثرتا العرض المسرحي.

أما الشاشة التي فككت صعوبة نطق الكلمات من الممثل إلى الجمهور، فكان اختيارها ذكياً، ليس من أجل إظهار النص وفهمه من قبل المتلقي، ولكنها استخدمت كأداة مسرحية، وشكلت أيقونة العرض في فهم ما يدور على الخشبة، وكانت جزءاً من الحكاية ورمزاً مهماً، فضلاً عن أنها قدمت النص كما يريد المؤلف والمخرج وجعلت الجمهور يتفهم ما يتحدث به الممثل باللغة العربية الفصحى. فبرغم المشقة الكبيرة لفريق عمل هذه المسرحية، إلا أن النتائج كانت متميزة. وعندما يتم إعادة تقديمها من جديد، من المؤكد ستكون أفضل بكثير.

يبقى أن نشيد بفرقة الشعبي على هذا العمل الذي قدم للمسرح في الكويت بطلاً مسرحياً جديداً يحمل مواصفات غير عادية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي