No Script

الإرهاب واجتثاث التطرف في الغرب... تأثير مواقع إلانترنت

حكاية شاب فنلندي التحق بالفكر الداعشي ثم... تمرّد عليه

تصغير
تكبير
«ان الصورة الأوسع هي أن يظهر التطرف ويكون ناجماً عن توليفات مختلفة من المشاكل الشخصية، الإحباطات الاجتماعية والمظالم والحرمان والبحث عن الهوية والمغامرة وتمرّد الشباب والمظالم السياسية المتصلة بأوروبا والعالم الإسلامي وكذلك نتيجة السياسة العالمية» (بيتر نسِّر 2010:91).

عبد الله هو الاسم الحركي لشاب أوروبي فنلندي المولد نشأ في كنف أسرة ملحدة. كان يتعرّض للمضايقة من زملاء له في مقاعد الدراسة، ولذلك كان يقضي غالبية أوقاته على الإنترنت يبحث عن أصدقاء ولا سيما ان الإنترنت وسيلة آمنة نسبياً للاتصال بالعالم الحقيقي ومن دون الكشف عن هويته.

في فترة المراهقة درس اللاهوت ولكن عبد الله، وهو الاسم الذي يعني بالعربية «العبد لله»، لم يقتنع بأي ديانة حتى سنّ الـ 17 حيث أصبح يهتمّ ببقية الأديان السماوية.

وكان عبدالله طالباً في جنوب فنلندا حين قرر - لوحده وبعد قناعة ذاتية - اعتناق الدين الإسلامي. لم يسرّ والداه للأمر عندما أصبح مسلماً ولكنهما احترما خياره الذي أدى الى ابتعاده عن أصدقائه بعدما تغيّر سلوكه الذي اعتُبر غريباً عن ثقافة البلاد.

ويقول عبد الله لـ «الراي»: «كنتُ مستاءً لسلوكهم غير الإسلامي ولم أكترث لأمر فقدان هؤلاء الأصدقاء»، قال عبدالله. وفي العام 2011 اقتنع بضرورة «الجهاد في سبيل الله» وأراد المغادرة والالتحاق بجبهة النصرة - القاعدة في بلاد الشام عند بدء ما سمي بـ «الثورة السورية». الا ان جهاز المخابرات الفنلندي «SUPO» علم بنياته ووضع قيوداً على سفره. وبما انه لم يتمكن من المغادرة للجهاد في سورية، فقد قرر الجهاد من خلال الإنترنت. وهكذا ظهر للمرة الأولى في وسائل إلاعلام الالكتروني تحت اسم «مجاهد الى الأبد» مستخدماً صورة لملفه لشخص ملثم بوشاح أسود يحمل السلاح ومن خلفه الصحراء ويرتدي الزي العسكري، رافعاً سبابته نحو السماء لعلامة التوحيد عند المسلمين.

وهكذا أصبح عبدالله أحد أشهر مؤيدي المنظمة الجهادية متمتّعاً بشبكة اتصالات واسعة مع مجاهدين في أرض المعركة - خصوصاً من اصدقائه الفنلنديين الذين استطاعوا الالتحاق بسورية - وكذلك مع نشطاء آخرين، ينشر الأخبار العاجلة على «تويتر»، ويهتمّ بالدعاية لعمليات القتل الوحشية التي مورست على أرض المعركة في بلاد الشام وقد قضى وقته بالترجمة ونشر المواد الجهادية الإعلامية.

وفي العام 2014 أعلن بيعته وولائه لأبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأكمل مسيرته الجهادية على خط المواقع الالكترونية لمدة سنتين واستطاع جذب أكثر من 11 ألف متابع ومغرّد من كل الفئات وحتى الإعلام الغربي.

اليوم، يبلغ عبد الله الواحد والعشرين من العمر، ولديه منزل يقطن فيه مع زوجته المسلمة، يتحدّث الفنلندية والإنجليزية والعربية ويتعلّم حفظ القرآن الكريم.

وبعد سنوات من التطرف، قرّر عبدالله فك ارتباطه مع الإرهاب وأصبح يتحدى داعش ومناصريه - على وسائل التواصل - الذين اتهموه بالخيانة والجاسوسية وأنه مرتدّ وان مصيره في جهنم ثابت لا شك فيه. ولا يزال حتى يومنا هذا يقف بحزم ضد محاولات عديدة لإعادته الى خط «داعش»، وقد صمد وقرر التخلص من المغالاة والتشدد ورفض الفكر المتطرف ولكنه حافظ على الفكر السلفي المسلم - كواجبه الديني – كما قال.

كيف تورّط عبد الله وما الأسباب التي دفعتْه لذلك؟

في نوفمبر 2012، ومن غرفته، اعتنق عبدالله الإسلام ونطق بالشهادة وصمم على ركب رحال الجهاد. وعند افتراق «النصرة» و«داعش» عن بعضهما البعض، لم يستطع البقاء على الحياد واختار فريقه.

ولم يكن عبدالله معنياً ببحث علمي أو دراسة من خلال الإنترنت بل أراد كسب الأصدقاء باحتضانه الدعاية الجهادية اليومية، وأراد أن يكون جزءاً من منظمة أو جهة مهمة يؤمن بها. ولهذا قبِل متطوعاً أن يحمل رسائل داعش الى العالم، موافقاً على كل أفعال داعش وأعلن نفسه «سفير داعش الأوروبي على الإنترنت» وتحدى الولايات المتحدة «لقد قررت أميركا أن ترسل جنودها الى سورية والعراق، دعهم يأتون فإن الأسود (داعش) تنتظر جائعة».

لقد تمتّع عبدالله الفنلندي بدعم عاطفي شكّله التضامن الاجتماعي من قبل داعش ومناصريه الذين وفّروا له الاحتضان والقوة والعائلة المتماسكة، الا انه كان يراقب أفعال داعش على أرض المعركة وقتْلهم للأبرياء والمدنيين والمساعدين الاجتماعيين حتى القريبين منهم الذين اعتنقوا الإسلام. وأدى ذلك الى صراع داخلي هائل أدخله في عملية إعادة التقييم مجدداً.

ونأى عبدالله بنفسه عن الجميع وقرر إسقاط قضية نصرة «داعش» وتخلى عن أصدقائه المجاهدين في أرض المعركة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وقبِل بخسارتهم مقابل النجاة بنفسه وفكره وعاد الى «جذور الإسلام» – كما قال – هذه الجذور التي ساعدته لتجاوز هذا الصراع فلجأ الى الفكر والدراسة الإسلامية ليميّز ممارسات داعش عن تعاليم الإسلام. وكما أدخل نفسه بنفسه الى مناصرة التنظيمات الجهادية، استطاع إخراج نفسه من جديد.

لم يكن عبدالله في حالة خطر مباشر على حياته، فقد قدّم الدعم اللفظي لداعش ومارس الجهاد على المواقع الالكترونية داعماً القتل العشوائي، الا انه كان داخل حدود افتراضية عبر الإنترنت حيث لا توجد حدود وموانع لأحد ما دام لم يشارك بعملٍ يخرق فيه قانون البلاد التي يعيش بداخلها. بل تنعّم بالشهرة التي عاشها لسنوات واستمتع بشعور الأدرنالين في عروقه. ويقول عبدالله إنه لم يناقش أفعال داعش وكان يرى كل المجموعات الأخرى على خطأ «لقد وجدتُ إحساساً بالانتماء مع داعش، وحتى مع القاعدة قبلها حيث العقيدة تتمحور حول الشعور بالأخوة والانتماء. لقد كان إحساساً شبيهاً بالراحة الداخلية الكاملة حيث كل شيء متقن، وكأنني كنت في الجنة على الأرض».

كان عبدالله من القلائل المناصرين لداعش ممّن تعاطوا باحترام أثناء تواصلهم على الإنترنت اذ لم يستخدم كلمات نابية كما هي حال غالبية الشباب المناصر لهذا التنظيم المؤيدين له عبر الإنترنت.

ويُعتبر عبدالله ضمن فئة بيتر نسِّر - الباحث الاجتماعي في علم الإرهاب - «المحمي»، فإنه ذكي ومتعلّم ومهذّب. فغالبية الذين يحملون خطاباً عنيفاً ضد داعش أهانوه بانتظام ولكنه تجنّب الرد عليهم، الا انه تبنى قضية منظمة إرهابية وعيّن نفسه الناطق باسم داعش على الإنترنت قائلاً: «سيأتي الوقت الذي ستذهب فيه الى الغرب. ولكن، لسنوات مقبلة، لا حاجة للقلق. فنحن (داعش) نركّز أولاً على الشرق الأوسط وسنصل الى غزة (فلسطين)».

وقد نشر عبدالله مئات الصور لأشخاص قُطعت رؤوسهم وحمَل قضية داعش، الا انه، وبعد حين، سلخ نفسه عن التنظيم وبدّل اسمه من عبدالله الى أبو محمد الفنلندي، وكتب اخيراً على حسابه في تويتر «مقاتلي داعش ليسوا سوى بلطجية وحثالة. أطلب من الله ان يذلّهم ويقضي عليهم».

خرج عبدالله من النافذة ودخل أبو محمد ليبدأ مرحلة طويلة في تعلُّم الإسلام وأصوله حيث «فتح الله قلبي»، كما قال هو بنفسه «وأظهر لي الحقيقة، وأنا هنا لمساعدة الآخرين ليتعلموا من تجربتي الخاصة مع داعش».

ما الأحداث التي أدت بعبد الله الى التطرف؟

تحدد المفوضية الأوروبية مسؤولية «تبني الآراء العنيفة المتطرفة»، الا ان ثمة مَن يناقش هذا المصطلح ويعتبره مموّهاً لا ينطوي على العنف الفعلي ما دام التبني لم يتعدّ الفكر وليس الفعل الحقيقي.

إلا ان الإرهاب لا يقتصر على الفعل الجسدي. فالإرهاب النفسي يؤثّر على البشر في شكل لا يستهان به، ولذلك فإن التطرّف في الآراء وإبدائها على مواقع التواصل الاجتماعي ودعم المنظمات الإرهابية لا يبتعد عن العمل الفعلي للإرهاب. وإذا عزلنا التطرف الآرائي عن الجسدي فسنفتح هوة للشباب لدعم المنظمات الإرهابية وتوفير الطاقات لهم بوسائل شتى.

فقد ابتدأ عبدالله بتصفح مجلة «الإلهام» (Inspire) التابعة للقاعدة واعتبر مضمونها يمثّله ومنطقياً حينها ما شجعه على الانخراط بالإرهاب النفسي عبر الإنترنت.

لم يولد عبدالله سلفياً تكفيرياً بل شُجع على التحول من العبادة الى التطرف من خلال مخاطبته من مجموعات معينة والتواصل معهم ليمثلوا فريق «جهاد الإنترنت ولوحة الطباعة».

إلا أنه أثبت أن باستطاعة مَن يرد ويثابر أن يتخلى عن الخطاب الطائفي التكفيري. وهو لم يأبه بخسارة جميع أصدقائه الذين وقفوا الى جانبه فقط عندما كان يدعم داعش. وهكذا لم يعد يشعر وحيداً اليوم بعدما انسلخ عن دعم الإرهاب. الا انه يمثل جزءاً بسيطاً ممن استطاعوا التخلص من «الثوب القديم».

وتدلّ الإحصاءات على أن هناك فقط 20 في المئة من معتقلي غوانتانامو تركوا العمل الجهادي، أما الباقون فقد التحقوا مجدداً بالعمل العسكري. ولهذا فإن العمل لإبقاء مساحة معينة بين الجيل الجديد والعوامل الجذابة المتوافرة عن طريق الإنترنت هو مسألة شاقة وصعبة. فلم يعد الإرهاب يتواجد في مدن الشرق الأوسط، بل انتقل الى هلسنكي وباريس وروما وبروكسيل ولندن ومدريد وغيرها من العواصم الأوروبية وغير الاوروبية. فانضمام الشباب للجهاد أصبح يتم عبر الإنترنت فيما هم موجودون في غرفة النوم، فالإنترنت كسر الحدود والجغرافية وفتح مجالاً واسعاً للمساهمة أمام أولئك الذين لم يستطيعوا الذهاب جسدياً الى أرض المعركة في سورية والعراق واليمن وليبيا وغيرها.

وتستطيع المواد الدعائية الجهادية ان تخدع بسهولة الذين تحوّلوا حديثاً للإسلام، مثل عبدالله، وحتى الشباب الذين يتمتّعون بمعرفة سطحية بفقه العلم الإسلامي وأحكامه وتشريعه. علماً ان العلماء يحتاجون لسنوات طويلة لدراسة القرآن والحديث واستنباط الأحكام. وقد استطاع العلماء المرافقون للجماعات الجهادية إيجاد الفتاوى اللازمة لتبرير الأعمال الوحشية وقتْل المسلمين والأبرياء. ولم تُلحظ الظروف التي أُخرجت منها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، بل أن التنظيمات الجهادية عُرفت بحفظها للقرآن واستخدام تعابير جذابة مثل «الأمة» و«التوحيد» وسمات طائفية مثل «التكفير» و«الغلاة» و«الرافضة» و«المرتدين» مدّعين أنهم يقاتلون لإحياء كلمة الله وبناء دولة إسلامية حقيقية لم تشذّ عن الإسلام.

ودعا هؤلاء للجهاد واعتبروه «فرض عين» منذ حرب أفغانستان كما أفتاه الشيخ عبدالله عزام ضد الاتحاد السوفياتي حينها وبقي لغاية يومنا هذا، متناسين ان الجهاد الأكبر يمكن أن يكون أيضاً «جهاد النفس» وصراع الإنسان مع نزواته ضد المحرمات. وكل هذا لا يفقهه الشباب ولا يعلمون منه شيئاً، بل ان مسألة الأيديولوجية هي حجة يتلطى خلفها الجميع للبحث عن مغامرة وحمل السلاح والشعور بالقوة.

وعندما قال عبدالله ان «الأيديولوجية تركّزت حول الأخوة والانتماء كجوهر القضية»، فإنه أكد أن الانضمام الى الجماعات التكفيرية ما هي الا وسيلة للحصول على اصدقاء.

ويقول مبين الشيخ، وهو كندي ركب حصان التطرف وعدل عنه مثل عبدالله إن «الشباب يجدون الأعذار المناسبة ويبررون انضمامهم للمجموعات الإرهابية لأنهم يعرفون أنهم على خطأ».

وفي النهاية، من الضروري الالتفات الى العائلات التي ذهب ابناؤها الى سورية والعراق وقُتل العديد منهم على أرض المعركة لأن البعض منهم يشكل عنصراً مؤثراً من خلال خبرتهم لزيادة الوعي من خطر التطرف الذاتي وآثاره على المجتمعات الإسلامية والغربية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي