No Script

إضاءات

الثقافة في إيران... بين الأصالة والمعاصرة (2)

No Image
تصغير
تكبير

استكمالاً لما بدأناه بخصوص الثقافة في إيران... وبعد أن ألقينا الضوء على بعض جوانب هذه الثقافة الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ سنعرج إلى الإضاءة على شخصيات أثرت الثقافة العالمية نثرا وشعرا وفنا، هؤلاء الذين لم تتوقف أدوارهم الإبداعية عند منطقة إقليمية ضيقة، ولكنها تخطتها كي تتسرب إلى خارج الحدود وتسطع في سماوات بعيدة.
ولأنني أدين للشاعر الكبير عمر الخيام بالفضل في صقل ذائقتي الشعرية، وكذلك الفلسفية، فقد آثرت أن أبدأ بالحديث عنه في هذه المساحة، وهو حديث لا يخلو من الإعجاب بكل ما قدمه خلال رحلته مع الحياة متأثرا ومؤثرا.
وفي حقيقة الأمر لم تكن معرفتي متعلقة برباعياته التي شدت المطربة الكبيرة أم كلثوم ببعض أبياتها، ولكن المعرفة كانت بعيدة عن هذا المجال الغنائي، فقد كنت في فترة من فترات حياتي الجامعية مغرما بالشعر الفلسفي الذي يناجي الحياة ويبحث في الأسرار والمدلولات، ومن ثم وقعت تحت يدي نسخة مترجمة من كتاب رباعيات الخيام، وكانت ترجمته للشاعر أحمد رامي- رفيق أم كلثوم في مشوارها الغنائي- وهي النسخة التي اعتمدتها لتكون دليلي لفهم وقراءة أشعار الخيام، وبعد ذلك انتبهت أن أم كلثوم غنت بعضا منها، في أغنية جميلة ومعبرة.
وعمر الخيام... أشاد برحلته الشعرية كل من قرأ له، لتصل شهرته إلى نقاد وكتاب ومتذوقي الشعر في مختلف بلدان العالم كي يكتبوا عنه ويضعونه في مصاف المبدعين، الذين لهم الفضل في تطوير الشعر الإنساني، ودخوله إلى مجالات وأغراض مختلفة مثل الفلسفة والحكمة والانغماس في وصف الحياة بخيرها وشرها.
إنه غياث الدين أبو الفتوح عمر بن إبراهيم الخيام، الذي عرف باسم عمر الخيام... والخيّام أخذه من لقب والده، الذي كان يمتهن صناعة الخيام، ومن اللافت أنه «الخيام» خاض التجربة في مختلف العلوم... الفلسفة والشعر والرياضيات، والفلك، واللغة، والفقه، والتاريخ. وكان له الفضل في اخترع طريقة حساب المثلثات ومعادلات جبرية من الدرجة الثالثة بواسطة قطع المخروط.
ولكنه اشتهر خلال هذه الرحلة الطويلة في التعاطي مع العلوم بالشعر، وخصوصا رباعياته التي جمعت، عام 865 هـ، بعد وفاته بثلاثة قرون ونصف، وظهرت أوّل ترجمة لها باللغة الإنكليزية، عام 1859، ثم تصدى لترجمتها إلى العربية الشاعر المصري أحمد رامي... لتتوالى ترجمتها- بعد ذلك- إلى العربية مثل التي قدمها الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي، في شكل منسق وقريب من وجدان النص الأصلي.
 وأشار بعض الباحثين إلى أن الخيام ينحدر من أصول عربية، والبعض الآخر يرى أنه من أصول فارسية.
ومن الأسباب التي جعلت الخيام يتفرغ بشكل تام لإبداعاته وتجاربه في مختلف العلوم الرياضية والفلكية واللغة وغيرها، تلك القصة التي تحكي عن صديقين مقربين منه... ثلاثتهم كانوا يدرسون معا، وتعاهدوا على أن الذي يكون حظه أوفر في الحياة، يساعد الصديقين الآخرين، وبالفعل تمكن أحدهم من أن يتولى منصبا رفيعا عند السلطان ثم بعد ذلك عند حفيده... هذا الصديق خصص للخيام مبلغا كبيرا من المال، استطاع بفضله أن يعيش في راحة ورفاهية... ومن ثم ساعده ذلك على التفرغ في إجراء أبحاثه ودراساته وكتاباته الشعرية.
وعاش الخيام معظم حياته متنقلا بين نيسابور وسمرقند. بالإضافة إلى تنقله بين مراكز العلم التي كانت منتشرة في بخارى وبلخ وأصفهان.
ومن رباعياته التي دائما ما أرددها بيني وبين نفسي:
صاحب من الناس كبار العقول
واترك الجهال أهل الفضول
واشرب نقيع السمِّ من عاقلِ
واسكب على الأرض دواء الجَهول
كما أنني مغرم بكتاباته التي يناجي فيها ربه مثل قوله:
يا عالم الأسرار علـم اليقين
يا كاشف الضرّ عن البائـسين
يا قابـل الأعذار فئنــا إلى
ظلّك فاقبـل توبـة التائبيـن.

* كاتب وأكاديمي كويتي

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي