No Script

من زاوية أخرى

الفاشينيستات... والسقوط الاجتماعي

تصغير
تكبير

أذهلني ما تابعته من أخبار عن عائدات وأرباح مشاهير السوشيال ميديا في الكويت، التي تصل إلى أرقام فلكية لا يمكن أن يحصل عليها عمالقة التجارة ورواد الأعمال، ولا حتى كبار المتخصصين في عالم الطب أو العلوم المختلفة، خصوصاً أن عوائد تلك الفئة لا تحسب بالصفقة أو باليوم أو الشهر، بل بالساعة، نعم بالساعة، وربما تصل إلى الدقائق أيضاً!
أمر يسبب الدوار والصداع لمن يتابع تفاصيله، ليس من ناحية العوائد المالية لتلك الفئة من الناس، بل لما تمثله في المجتمع من قدوة ونموذج يتهاتف عليها الشباب، من الجنسين، وتصبح مثلاً أعلى يقتدون بها، ويجهدون للوصول إلى ما وصلت إليه، بعد أن انتقلت «قدوة» الشباب مع المشاهير، من عالم الرياضة إلى الفن بأنواعه، وصولاً إلى السوشيال ميديا، وما تمثله من انحدار في قيم المجتمع وأعرافه، هذا إذا عرفنا أن غالبية ما تتمتع به تلك القدوة يتمثل في «الطلّة الجميلة» على مواقع التواصل.
فما نشرته الصحف عن تضخم حسابات بعض مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً من يطلق عليهن من النساء اسم «فاشينيستات» أثار الفضول لدي للبحث عن قصة هؤلاء لتكون المفاجأة الكبيرة، في ما تمثله الظاهرة من انحدار قيمي وسقوط اجتماعي، ولا سيما أن هؤلاء الفاشينيستات يستقطبن مئات الآلاف من المتابعين والمتابعات على حساباتهن في وسائل التواصل، وقد يصل الرقم إلى الملايين، ليقمن باستغلال هذا الاندفاع الجنوني من المراهقين والمراهقات وصغار العقول، نحو متابعتهن، بالتسويق الإعلاني لمنتجات أو لمحلات تجارية، حتى تصل تكلفة ساعة الفاشينيستا في وقوفها بأحد المحلات إلى مبلغ كبير يتجاوز الأرقام الأربعة من الدنانير، فقط لتنقل من المحل صورة لمتابعيها على حسابها، فتكون قد قدمت له دعاية وإعلانا، في مدة وجيزة نالت عليها آلاف الدنانير، بينما يشرب متابعوها المقلب ويتقبلون إعلانها لهذا المحل ووجودها فيه، ليصبح قبلة الشباب والشابات، في صورة مؤسفة لما وصلنا إليه من تدنّ في السلوك والقيم.


واحدة من هؤلاء الشهيرات، اعترضت على تحرك وزارة الداخلية للتحقيق في تضخم حسابات زملائها، وأخذت تشرح كيف حصلت على ثروتها، وقدمت «حسبة» بسيطة لنشاطها وعوائدها، فتقول إنها تتقاضى على ساعة واحدة للإعلان في محل تجاري أو صالون نسائي 4500 دينار، وبحسبة بسيطة يكون عائدها الشهري 135 ألف دينار، وبإجمالي 1.6 مليون دينار سنويا، متسائلة «ما الغريب في الامر؟» ومعها حق في تساؤلها، عن الغريب في الأمر، فهي لم تجبر هذا المحل أو ذاك على الإعلان له أو طلب زيارته، بل هو جاء بمحض إرادته وربما توسل لها ووضع اسمه على «قائمة الانتظار» حتى تعلن له، ولا أظن أن القانون سيطولها في شيء، فهي لم تسرق ولم تقم بأي احتيال ظاهرياً، فما التهمة التي ستوجه إليها؟ فالفلوس معروفة المصدر وهي موجودة في البنك، بشكل واضح وجلي، وهناك حديث عن أن بعض هؤلاء الشهيرات استثمرت عوائدها المالية الضخمة في العقار، فاشترت بيوتا في مناطق سكنية راقية جداً وبأسعار خيالية، ولا تزال «تسحب» من فلوس الإعلانات وتضخها في عالم العقار، ويحق لها طالما أنها تجري تعاملات نظامية، ويبقى السؤال من المسؤول عن انسياق الجيل نحو هؤلاء الفاشينيستات حتى تجاوز تأثيرهن حدود الكويت إلى دول الخليج؟
لا شك أن المجتمع له دور كبير في هذه الظاهرة غير الصحية، ووسائل الإعلام لها دور كبير أيضاً، ويبقى الدور المحوري على العائلة والبيت، فالمجتمع سوق لهؤلاء النساء بشكل كبير واستفزازي، ولا سيما شركات الإعلان، حيث رأينا صورهن «الفنية» تنتشر في شوارع الكويت كلها من خلال لوحات الإعلانات الضخمة على جوانب الطرق، ليكون هذا إعلاناً صريحاً لهن، وتسويقاً للجيل كي يقتدي بهن، كما سوقت لهن وسائل الإعلام بلقاءات وصور تقدمها للبيوت على طبق من إغراء، لتصبح تلك الشخصيات قدوات ومثلاً عليا يقتدي بها الشباب والشابات، في غياب التربية المنزلية ودور الأهل في توجيه أبنائهم نحو الطريق السليم في اتخاذ القدوة.
وفي ظل ذلك كله، ومع تعاظم دور الإعلام الرقمي وغياب الوعي، ستبقى حسابات الفاشينيستات تتضخم بمئات الآلاف وربما الملايين من الدنانير، وقيمنا تسقط.

h.alasidan@hotmail.com
@Dralasidan

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي