No Script

من زاوية أخرى

المرأة ودورها في الجيش الكويتي

تصغير
تكبير

لا يصدق مجتمعنا أن تثار قضية ما، حتى يتلقفها وتبدأ فيها حرب إعلامية بين مؤيد ومعارض، وتندلع معها معركة الشد والجذب، كلٌ يدلي بدلوه مدافعا عن رأيه ومستندا إلى نصوص دستورية أو شرعية أو أعراف اجتماعية، حتى تصبح القضية قضية رأي عام، يصل معها الأمر إلى تصنيف المواقف الوطنية من خلالها. وهذا بلا شك ليس أمرا مقبولا، ولاسيما إذا كانت القضية سياسية مطروحة على مستويي مجلسي الأمة او الوزراء.
من هذه القضايا، ما طرحه النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الشيخ ناصر الصباح، عن عدم ممانعته من انخراط المرأة في سلك الجيش الكويتي، معللا ذلك بأنها انخرطت في جهازي وزار الداخلية وحرس مجلس الأمة، لتنطلق القضية إلى رحاب مجلس الأمة بين فريقين، مؤيد يرى أن الدستور لا يمانع من هذه الخطوة، ومحذرا من وضع العصي في عجلات هذه الخطوة، ومعارض يستند إلى محظورات شرعية تمنع مثل هذا التوجه، لتصبح القضية «كرة ثلج» تتدحرج وتكبر مع تصريحات وتصريحات مضادة، وكأننا في حلبة كل منافس يسعى لتسجيل نقاط تحسب له مع نهاية النزال، بعيدا عن نقاش هادئ يضع المسألة على الطاولة ويناقش أبعادها، من حيث المحاذير والمنافع والمضار، ليتم تقييمها قبل إصدار الحكم النهائي بالقبول أو الرفض.
أما القبول فوراً فقط لتسجيل موقف يقول إن النائب الفلاني مناصر للمرأة ومساواتها بالرجل، أو الرفض الفوري من دون تقديم المبررات المقنعة التي تبرز المخاطر والمضار التي تفوق المنافع من الخطوة، فكل ذلك يزيد من نار الخلاف ولا يعطي نتيجة. فالقضية تحتاج كما قلنا إلى نقاش منطقي واقعي يضع المنافع والمحاذير في كفتين متقابلتين والنظر إلى رجحان إحداهما على الأخرى للوصول إلى رأي مقنع.


ومن هذا المنطلق، وبعيدا عن التجاذب الحاصل، سنناقش واقع وجود المرأة الكويتية في سلك الجيش منطقيا لعلنا نضيء شمعة في ظلمة النقاش العقيم ونضع القضية على سكة تعاطيها الصحيحة. ولنا في ذلك ثلاث وقفات:
الأولى تتعلق بما طرحه النائب الاول عن مساواة وزارة الدفاع بوزارة الداخلية للاستفادة من العنصر النسائي، وهنا نناقش وجود المرأة في الداخلية. فكما هو معلوم أن هناك حاجة ملحة لوجود لمرأة في سلك الداخلية، أبرزتها مواقع وجودها التي تخدم فيها حاليا، فقد رأينا أن المرأة التي تخدم في سلك الشرطة، اقتصرت مهامها كما رأينا على مواقع معينة، فهناك الضابطات الطبيبات اللواتي يخدمن في إدارة الأمن الجنائي حيث يستفاد من اختصاصهن في الأمور الجنائية، وهو امتداد لعمل الطبيبة في وزارة الصحة، فوجود عنصر نسائي في الأدلة الجنائية كان مفيدا جدا في قضايا حساسة أثبتت وجودها فيها وكان لها دور مهم.
كما رأينا فتيات الداخلية يتوزعن في مطار الكويت، للقيمن بمهام التفتيش ومراقبة أجهزة التفتيش الآلي، أضف إلى ذلك استغلال وجودهن في عمليات التفتيش الخاصة بمنازل النساء، وغير ذلك من مهمات غير ميدانية، فلم نر فرقة نسائية قامت بعملية مداهمة او مطاردة مطلوبين. وبالطبع لم يتم هذا لوجود فرق رجالية جاهزة لهذه المهام، وبالتالي لم يكن هناك حاجة لانخراطهن في مثل هذا العمل، فاقتصرت مهام الشرطة النسائية على الامور الإدارية والأنشطة التوعوية بزيارة المدارس وغيرها من مرافق الدولة. وكذلك الأمر بالنسبة للعناصر النسائية في حرس مجلس الأمة، التي اقتصرت مهامها على متابعة الحضور النسائي لجلسات المجلس.
النقطة الثانية، تتعلق بمدى حاجة وزارة الدفاع للمرأة، فهل لدينا نقص في العنصر البشري؟ لا أعتقد ذلك، ولو وجد ذلك فيمكن استدراكه من خلال فتح باب التطويع للشباب الذي ينتظر وظيفته، ولا سيما أن هناك عددا ضخما من الشباب الذي لا يحمل شهادة دراسية وينتظر التوظيف، كما نشرت ذلك جريدة «الراي» الجمعة الماضي، بناء على معلومات موثقة زود بها ديوان الخدمة المدنية لجنة الإحلال البرلمانية، تكشف عن وجود نحو 8158 شابا على قوائم انتظار الوظيفة، ليس لديهم أي مؤهلات علمية، حتى أن غالبيتهم لم يكملوا تعليمهم في المرحلة المتوسطة، ومثل هؤلاء سيكونون عناصر مناسبة جداً ومؤهلة للخدمة العسكرية التي تكون مجال عمل لهم، ومكسباً حقيقاً لوزارة الدفاع من دون الحاجة لزج عناصر نسائية في هذا الميدان.
النقطة الثالثة، هل لدى المرأة القدرة الجسمانية والمعنوية لتحمل اعباء الخدمة العسكرية بما تتضمنه من تدريبات قوية ومشاريع عسكرية قاسية؟ لا أعتقد ذلك، ولاسيما أن كل التجارب التي سبقتنا في تجنيد - أو بالأحرى تطويع المرأة - لم تكن مشجعة على هذا الموضوع، فلم تخرج عملية انخراط المرأة في كل الجيوش العربية، ومن واقع رصد، عن نطاق أعمال إدارية، لم تغادر فيها المكاتب، فهل نريد تطويع المرأة في الجيش الكويت حتى نضعها في مكاتب الوزارة أو الشؤون الإدارية للهيئات والإدارات العسكرية؟ فإذا كان ذلك فما يمنع أن يتم تعيينها، وهي مدنية في الوزارة ويستفاد من مهاراتها وخبراتها الإدارية، بعيدا عن رمزية إلباسها البدلة العسكرية، لنقول للعالم إن المرأة الكويتية أصبحت جندية تحمل السلاح... ألا هل بلغت؟

h.alasidan@hotmail.com
Dr_alasidan@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي