No Script

2 > 1

خطوط التماس بين السلطات

تصغير
تكبير
لا يعقل أن تمتلك الكويت جميع الخطوط العريضة لممارسة الديموقراطية ومقارعة الفساد، وتظل مع ذلك، المركزية والفساد، هما المتفشيان بشكل فاحش منذ عشرات السنين وإلى اليوم.

وكي لا يكون الحديث فيه شيء من المبالغة، بالبداية أحتفظ بحقي بالتحفظ قليلاً على الجملة الافتتاحية، كون الكويت تُعد من الدول القليلة في المنطقة التي تمارس الديموقراطية (جزئياً) مقارنة ببقية دول المنطقة، لكنني لست في هذا الوادي بتاتاً ولا أقصد مقارنتنا بالحد الأدنى بدول المنطقة بقدر الحد الأعلى وبالمقارنة بالدول البعيدة عنا في الشرق والغرب، دول قطعت شوطا كبيرا بمستوى سنغافورة وكوريا الجنوبية وأوروبا وأميركا. أعلم أن الجواب البديهي الذي سيأتيني بأنها دول بعيدة المنال ولا تجوز المقارنة فهي قطعت شوطاً امتد لمئات السنين ولها تجارب ضخمة مع هذه النظريات.


الجواب ولم لا، ما السبب الذي يجعلنا لا نقلدهم ولا نكون مثلهم، إن كانت الحياة السياسية والاجتماعية ستتحسن. ثم هل المنطق يقول، علينا أن نبدأ من الصفر ونحن نمتلك رصيداً وافياً من تجارب الغير، ونستطيع أن نُكمل من حيث تعطلت مسيرة الغير والاستفادة من تجاربهم؟! أقصد من الجواب أن السلبية في التقليد والاستفادة من الغير هو استسلام وقبول خائب بالأمر الواقع وقناعة (في غير محلها) باستحالة تغيير ما نحن عليه من مخاطر ومفاسد.

عموماً هذا الجواب سخيف للغاية وقناعة لا يمتلكها إلا البليد والفاشل. فالسؤال المستحق، لماذا لا نستطيع أن نهرب من واقعنا الفاسد؟ لماذا ما زلنا نعاني من التطاول على المال العام، رغم وجود مؤسسات رقابية وتشريعية ومدنية كمجلس الأمة وديوان المحاسبة وهيئة مكافحة الفساد وقوانين الشفافية ومن أين لك هذا وصحف وجمعيات مدنية وخلافه؟

أعتقد أن الجواب يكمن في تقاطع للمصالح بين هذه المؤسسات، بحيث أصبحت عاجزة عن العمل بكفاءة وبالشكل المطلوب والمتوقع منها. نظريات العقد الاجتماعي التي جاء بها لوك وخصوصا روسو (أو نيوتن السياسة كما يسميه ايمانويل كانت) لا يمكن لها أن تصبح ذات مغزى وجدوى وفائدة بمجرد أنها موجودة وبشكل صوري وقانوني. نظرية مونتسكيو بتشكيل السلطات الثلاث (قضائية وتشريعية وتنفيذية) والفصل في ما بينها لا يمكن لها أن تعمل لمجرد أن الدستور قال كذلك، لأن هذا الحد من الوجود لا يكفي. فالأمر لا يدور حول تشكيلها فحسب، بل المطلوب روح هذه القوانين وهذه النظريات وتلمس تأثيراتها ومدى تحقيق أهدافها. فنظرية العقد الاجتماعي بتشكيل هذه السلطات والفصل في ما بينها هي بالأساس معنية بروح التطبيق والعمل حقيقة لأجل القضاء على الفساد والسلطوية، وإلا لما كان لها معنى أصلاً.

ما أعنيه أن سلطاتنا حقيقة لا تنفذ هذه الوصايا النظرية وبالشكل الذي تعب لأجله أولئك الفلاسفة. فلو تركنا القضائية جانباً، لوجدنا أن السلطتين التشريعية والتنفيذية متداخلتان واقعاً وتعتمدان على بعض لمحاربة مصالح الشعب. فالعديد من النواب يتحركون بمفاعيل تأثير الحكومة عليهم والعكس صحيح، ولكم في القبيضة والإيداعات والأراضي والعلاج بالخارج وشراء الأصوات (من المال العام أو الخاص) والتغافل عن الفرعيات وخلافه، ما هي إلا أمثلة على تقاطع المساحات وتداخلها بشكل عضوي.

وإذا أضفنا سلطة رابعة، وهي سلطة التجار والعوائل لاختلت موازين القوى في البلد وتشوهت أكثر فأكثر لتصبح التقاطعات أكثر تعقيدا. فكلما تزايد اشتباك وتقاطع الخطوط بين السلطات هذه (تشريعية وتنفيذية وتجارية)، صارت الأمور أكثر تداخلاً وبالتالي يُستبعد الشعب والمجتمع عن التأثير فيكون بحسب ذلك مهمشاً لا يهش ولا ينش بأكثر مما نجده عليه الآن.

لذا ليس مستغرباً أبداً أن يتواجد الفساد وينتشر بهذه الصورة المرعبة رغم وجود مؤسسات رقابية وتشريعات بهذه الكثرة. فالمشكلة ليست في وجود المؤسسات والتشريعات، بل العبرة بكيفية الفصل في ما بينها والتأكد من عدم التداخل والتقاطع للمصالح.

hasabba@
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي