No Script

الأسد أيضاً يتحوّل في الغرب من «عدو» إلى «صديق»

تصغير
تكبير
بعدما كانت الولايات المتحدة تعتبر ايران «العدو الأكبر»، ذهبت لتتّفق معها على الملف النووي وتطلب مساعدتها في سورية. ولم تعد بعدها ايران «العدو الأول» بل أصبحت روسيا كذلك في أعقاب تدخلها العسكري المباشر بالملف السوري، قبل ان تطلب اميركا من الكرملين - من خلال وزير الخارجية جون كيري اثناء زيارته الوحيدة لبيروت - ومن ايران و«حزب الله» التدخل لحلّ المسألة السورية المعقّدة بعد انتشار تنظيم «الـــدولــة الاســـلامية» (داعش)، على رقعة كــبيرة من الـــعـراق وســوريـــة.

ولبّت روسيا طلب ايران والولايات المتحدة بإرسال قوات برية محدودة وسلاح طيران فعال بدأ - كما صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - بضرب مواقع المسلحين المتصلين بـ «القاعدة» و«داعش» ومساعدة نظام الأسد، لان بوتين لم يُخْفِ يوماً رغبة موسكو بدعم النظام السوري وجيشه لانه - كما حال اي دولة تتدخل بالملف السوري - بحاجة لقوات برية تواكب الدعم الناري الجوي لاستثمار القصف المتواصل ضدّ الارهاب.

وهكذا في البدء، وضعت الولايات المتحدة روسيا في خانة «العدو» لتحاربه إعلامياً وتوجّه الماكينة الاعلامية كلها ضد «الدب» الروسي وتتناسى «داعش» وتوقف ضرباتها ضد «جبهة النصرة» وحلفائها من «احرار الشام» و«جند الاقصى» و«جند الشام» والمهاجرين والانصار الذين بايعوا «القاعدة».

واتهمت اميركا الأسد بانه هو الوحيد الذي يشتري النفط من «داعش» وأن اي تصريح بان تركيا هي المسؤولة عن نفط «داعش» هو «سخيف»، فبدأت روسيا بتدمير الاسطول النفطي الذي يمتدّ من دير الزور وحقول الرقة وتدمر ويصل الى داخل تركيا والمؤلف من نحو 8500 شاحنة تدرّ أموالاً طائلة يومياً على «داعش» وعلى تركيا التي تستلم هذا النفط بسعر زهيد (17 دولاراً البرميل الواحد) لتستخدم جزءاً منه في السوق المحلية والجزء الآخر يُصدّر الى اسرائيل عبر ميناء اسكندرون، فما كان من الطائرات الروسية الا ان بدأت بضرب الاسطول النفطي الذي يتبع جزء منه الى تركيا وجزء الى «داعش»، وكذلك ضربت «السوخوي» الروسية قوات التركمان من لواء السلطان مراد وقوات نور الدين زنكي التي تقاتل جنباً الى جنب مع «القاعدة» في سورية، مما سبب - بحسب المراقبين - ردة فعل تركيا بإسقاط الطائرة السوخوي S-24 التي - وفق النداء الذي نشرته القوى الجوية التركية - «اقتربت من الحدود التركية» من دون ان تخرق الحدود.

ودمّرت روسيا 1250 شاحنة نفط تحمل النفط السوري والعراقي المسروق لتحرج التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الذي لم يوقف، ولو بضربة واحدة، الشاحنات واعتمد سياسية «الاحتواء» وليس التدمير ضد «داعش». وأتت عملية باريس المنسّقة والمخطَّط لها في الرقة لتضرب عمق اوروبا وتدفع بفرنسا وبريطانيا وألمانيا لملء الفراغ الذي أحدثه انسحاب الاردن والامارات والسعودية من التحالف قبل عدة اشهر. ومع إعلان «داعش» مسؤوليته عن عملية اسقاط الطائرة المدنية الروسية فوق سيناء وكذلك عن عملية باريس، دفعت روسيا بقوات برية الى سورية أصبح عددها يتجاوز بضعة آلاف، كما زادت من اسطولها الجوي وسرّعت بتجهيز 4 مطارات في سورية لتوسع عملياتها العسكرية ضد «داعش» و«القاعدة» وحلفائهما، لتصبح روسيا هي «العدو» الإعلامي وتصبح «القاعدة» المسؤولة عن تدمير ابراج نيويورك، غير عدوة بالنسبة لاميركا وكذلك حلفائها، مع العلم ان واشنطن قررت اجتياح افغانستان فقط لان «طالبان» اعطت الامان لـ «القاعدة» ولم تسلم اسامة بن لادن الى العدالة. الا انها تطلق على حلفاء «القاعدة» في سورية لقب «المعارضة المعتدلة»، ليعلن رئيس وزراء بريطانيا انها ضمن «70000 عنصر من المعتدلين في سورية» بينما تسمح اميركا، تحت أنظارها، بتمدد «القاعدة في الجزيرة العربية» الى مدن لم تطأها قدمها من قبل مع نافذة بحرية مهمة في المكلا والريان على خليج عدن.

واخيرا أعلن وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس - مثل نظيره الاميركي جون كيري - انه «لم يعد متمسكاً برحيل الرئيس السوري بشار الاسد قبل عملية انتقال للسلطة السياسية»، لان الغرب فهم أخيراً انه لا يستطيع إرسال جنود من اوروبا او اميركا او بلاد عربية لمحاربة «داعش»، وان القصف الجوي لن يغيّر كثيراً بالمعادلة على الارض، إلا بجيش برّي يستثمر هذا القصف.

وهكذا ينتقل الأسد من خانة الاعداء الذين كانوا سيخسرون السلطة في بضعة أشهر الى «شرّ لا بد منه». ومن غير المستبعد ان تفتح سفارات اوروبية أبوابها في دمشق كما اشترط الاسد على جميع مَن يريد محاربة الارهاب ويحتاج لبنك معلومات عن اكثر من 20000 مقاتل اجنبي من جنسيات مختلفة يقاتلون مع «داعش»، وعدد منهم سيعود الى الغرب ومن الممكن ان يكون جزءاً من هؤلاء تابعا إما «للذئاب المنفردة» التي تشنّ هجوماً دون التنسيق مع «داعش» كما حصل في سان برناردينو في اميركا أخيراً، وإما جزءاً من خطة قاتلة ومحكمة كما حصل في شوارع باريس.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي