No Script

أصبوحة

من له حيلة «فليحتال»

تصغير
تكبير

موضوع الدعاية التجارية يخضع لكثير من الجدل بين أوساط المثقفين، لأن بعض المثقفين اليساريين ينظرون لجوانبه المظهرية من دون تحليل جوهره، فلماذا على سبيل المثال يلجأ بعض الناس وبالأخص المرأة لعرض جسدها أو مظهرها للدعاية التجارية؟ ولماذا تكثر في عصر التكنولوجيا إعلانات لمنتجات أو خدمات في وسائل التواصل الاجتماعي تفوق متابعة الناس لكثرتها.
فعارضات الأزياء والمكياج ازددن وتضاعفن في الكويت وربما غيرها في البلدان العربية الأخرى، في ظاهرة جديدة اسمها «الفاشينستا» للمرأة و«الفاشينستو» للرجل. وهذا الظهور في وسائل التواصل، يدر مالاً وشهرة، لمجرد عرض منتج أو لمجرد وجود هذا الشخص المشهور في محل أو معرض، لدرجة أن هذه الظاهرة وصلت إلى معارض الكتب، للترويج والدعاية لها ولدار النشر بهذه الطريقة.
ويلجأ أحياناً نجوم الفن في التمثيل والغناء إلى ترويج سلعة ما، بل وصل الأمر أن أحد رجال الدين عمل دعاية لبخور احد المحلات التجارية التي تبيع هذا النوع. وينظر البعض لمثل هذه الدعايات على أنه عمل مشروع، بينما يرى البعض الآخر أنه استغلال للمرأة وجسدها وشكلها الأنثوي ومخاطبة الغرائز، من أجل أن تربح الشركة صاحبة المنتج، وهو عمل لا أخلاقي واستغلال للإنسان.


الآن، هل نضع اللوم على من يتجه لاستخدام نفسه للدعاية للآخر سواء كان امرأة أم رجلا؟ أم أن اللوم يقع على الشركة التي تستغل الإنسان للربح؟ في الواقع أنا أرى الأمر من هذه الزاوية، وهي أن النظام الرأسمالي والحياة الاستهلاكية هما السبب، لأن الرأسمالية هي التي خلقت نمط الحياة الاستهلاكي، وهي نظام غير عادل يغيب عنه العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وهي بالنهاية لا أخلاقية سواء بمبادئها أو نمط الحياة المعيشية والبيئة التي يضطر أن يعيش الإنسان فيها.
فجوهر الأمر هو الربح في النظام الاقتصادي الرأسمالي، وبذلك تصنع فوارق طبقية واجتماعية، تدفع «الطبقات المتوسطة» والفئات الشعبية، لإيجاد حلول من أجل تحسين معيشتها في ظل هذا النظام الظالم والقاسي، وكذلك لمجاراة نمط المعيشة واقتناء الكماليات، ففي فترات الفقر والعوز تضطر المرأة لبيع جسدها من أجل لقمة عيش أبنائها، مثلما يلجأ البعض للسرقة والغش والفساد للتخلص من وضعه المعيشي البائس.
وبالطبع ليس جميع هؤلاء البشر مجرمين أو لا أخلاقيين، فبعضهم مضطر والآخر يفعل ذلك طمعاً في المال من دون جهد. وأتذكر أنني سمعت من الفنان الراحل نور الشريف، أن بعض عمالقة الفن في التمثيل، بعدما يقدمون أعمالاً عظيمة ومتميزة مثل محمود المليجي، ترفض شركات الإنتاج التعاون معهم مرة أخرى، لأن أجورهم ستكون عالية ولن يرضوا بمبالغ متواضعة، فيضطر الفنان إلى قبول أدوار صغيرة لا تليق به، أو قبول استخدامه للدعاية التجارية، حتى يستمر في عيشه بشكل كريم، أو يرفض ويأنف فيموت فقيراً رغم نجوميته، مثل نجيب الريحاني وعلي الكسار وعبد الفتاح القصري وتحية كاريوكا وغيرهم.
ويقول المثل: «من له حيلة فليحتال». والمثل الشعبي يقول: «من صادها عشا عياله»، أي من اغتنم الفرصة فسيضمن معيشة أبنائه، وكلما سبب النظام الرأسمالي غلاء في الحياة وضنك المعيشة، لجأ الإنسان إلى وسائل مشروعة وغير مشروعة لتحسين معيشته، فيا له من نظام لا أخلاقي بل وأسوأ ما مر على البشر من أنظمة اجتماعية اقتصادية.

osbohatw@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي