No Script

شعاب مرجانية في العراق

No Image
تصغير
تكبير
بعد أن اكتشف سامح المقدادي الشعاب المرجانية في العراق، يكرس نفسه حالياً للحفاظ على الكنوز البيئية للنظم الإيكولوجية البحرية. التقت تريسكا حميد بالرجل الذي لا يتوقف عن العمل من أجل مستقبل العراق.

خلال مرحلة طويلة من تاريخ العراق الحديث، لم يعرف البلد معنى السلام والأمن. حتى مياهه متمردة على ما حولها، لدرجة أنه من بين كل البلدان المحيطة بالخليج العربي، كان يعتقد أن العراق هو البلد الوحيد الذي لا يتمتع بشعاب مرجانية. ولكن رجلا واحدا تمكن من تحدي الافتراضات باكتشافه امتداداً مرجانياً يبلغ طوله 28 كلم2 في نهر شط العرب، الذي يُعتبر المصب الرئيسي لمياه العراق إلى الخليج.

اكتشف المقدادي، عالم الهيدروجيولوجيا، بالتعاون مع مجموعة من الغواصين الألمان، الشعاب المرجانية في عام 2014، وهو الآن يضطلع بمهمة العثور على المزيد من كنوز البلد البحرية الطبيعية.

كان الاعتقاد السائد بأن ساحل العراق الممتد لمسافة 58 كيلومتراً على طول الخليج العربي غير مواتٍ لاستدامة الحياة البحرية المتميزة. فالشعاب المرجانية تحتاج إلى أشعة الشمس الساطعة ودرجة حرارة معتدلة وانعدام الرواسب حتى تزدهر، ولا توفر حصة العراق من الخليج أياً من ذلك.

استغرق فريقه المكون من علماء عراقيين وألمان ثمانية أيام للعثور على الشعاب المرجانية، وكما هو الحال مع العراق في كل شؤونه، كانت البيئة أكثر تعقيداً مما تبدو للوهلة الأولى؛ فالمياه ملوثة بالنفط، ومثقلة بالرواسب، وتراوح درجة حرارتها بين 14 و34 درجة مئوية. ولعل أكثر ما يبعث على القلق، حسب سامح، أن «المنطقة تعتبر منطقة حرب يصعب جدًا الوصول إليها».

علاوة على ذلك، فإن قُرب الشعاب المرجانية من ناقلات النفط المتمركزة في المنطقة يجعل الوصول إليها شاقاً، وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية وراء عدم اكتشافها سوى أخيراً. ولكن رغم البيئة غير المواتية، تكيفت الشعاب المرجانية في العراق مع ظروفها من أجل البقاء والنمو.

ووفقاً للصندوق العالمي للطبيعة، فإن الشعاب المرجانية في الخليج هي من بين أكثر الشعاب المرجانية تدهوراً في العالم. وقد بذلت البلدان الأغنى محاولات لخفض الأضرار الناجمة عن ناقلات النفط وتطوير الأراضي والصيد المفرط، ولكنها لم تكن كافية. ويقدَّر معهد جامعة الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة، أن 70 في المئة من بين 1500 ميل مربع من الشعاب المرجانية في الخليج العربي قد ماتت في السنوات الأخيرة وأن 15 في المئة أخرى في حالة حرجة.

توضح هذه الإحصاءات الأثر المدمر الحاصل، لا سيما وأن الشعاب المرجانية تؤدي دورا مهما في البيئة الإيكولوجية والاقتصادية والاستجمامية والثقافية، علماً أن الأضرار التي تصيبها لا يمكن علاجها عادةً. ويعتقد سامح أن الشعاب المرجانية في العراق تعود إلى أكثر من 10 الاف سنة، ويعتبرها جزءاً حيوياً من تراث البلد. ويؤيده مسؤولو مدينة البصرة في هذا الرأي، وفي محاولة لحماية الشعاب المرجانية، قررت محافظة البصرة اعتبار المنطقة «منطقة محمية»، ومن المتوقع أن تتخذ ناقلات النفط مساراً بعيداً عن هذه المنطقة.

بينما يظل النفط هو المورد الطبيعي الذي يعود بأكبر عائد على البلد، يرى سامح أن موارد العراق الأخرى تستحق الكثير من الاهتمام والاستثمار كالنفط. ويقول «إن وجود الشعاب المرجانية يعني أنك تتمتع بالتنوع البيولوجي الصحي وبوفرة من الأسماك والأنواع التي تعيش في المنطقة. وهي تساعد النظام البيئي في النمو باستمرار».

إضافة إلى ذلك، هناك استخدامات دوائية وطبية غير مستغلة للشعاب المرجانية. ويوضح سامح: «الشعاب المرجانية عظيمة للأغراض الدوائية والنوبات القلبية وآلام الظهر، وهناك بحوث متقدمة جداً توضّح الكثير من العلاجات الطبية التي يمكنك استخراجها من هذه الشعاب المرجانية».

يحرص العلماء أيضا على استكشاف كيف تمكنت الشعاب المرجانية في العراق من البقاء والصمود في درجات الحرارة المرتفعة؛ فقد لقيت معظم الشعاب المرجانية في العالم حتفها بسبب تغير المناخ الذي نتج عنه ارتفاع درجات الحرارة في البحار، كما كانت آثار الاحترار الناجم عن تغير المناخ سببا في ابيضاض الشعاب المرجانية على نطاق واسع كتلك التي شوهدت في الحيد المرجاني العظيم في أستراليا.

علاوة على ذلك، كانت هناك مشاهدات لمخلوقات مائية مجهولة الهوية في السنوات الأخيرة، في حين يعتقد البعض أن المياه تمنح بركاتها الدينية لمن يغسلون وجوههم بها أو يستحمون فيها، كان سامح من أوائل العلماء الذين غاصوا في بحيرة ساوة، ورغم ارتفاع مستوى الملوحة بالبحيرة، فقد اكتشف وجود تيار قوي من المياه العذبة الذي يغذي البحيرة أيضاً. وبالنظر إلى تناقص احتياطيات المياه العذبة في مختلف أنحاء المنطقة، فإن هذا الاكتشاف يشكل فرصة مهمة لإجراء مزيد من البحث.

* متخصصة في قضايا وشؤون الشرق الأوسط
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي