No Script

مؤسسة «أديان» والعمل نحو مواطنة حاضنة للتنوّع

تصغير
تكبير
«كانت قناعتنا أن لبنان لا يحتاج إلى منصة أخرى للحوار بين الأديان بسبب الأحاديث الكثيرة حوله وابتذال صور مثل صورة شيخ بجانب كاهن. لا بل اعتبرنا أن المطلوب أن نوجِد مساحة لأفراد من انتماءات مختلفة، سواء ثقافية أو إثنية أو دينية لكي يعملوا مع بعضهم البعض على قضايا يعتبرونها مشتركة ويتبنوها»... بهذه الكلمات قد يكون الأب فادي ضو، قد اختصر الدافع الأساسي لتأسيس «أديان» قبل أكثر من عشر سنوات.

الأب فادي، وهو المدير التنفيذي وأحد المؤسسين الخمسة للمؤسسة اللبنانية عاد لُيضيف أن «أديان هي مؤسسة لبنانية تعمل لتطوير إدارة التنوع الثقافي والديني الإيجابي في المجتمعات، سواء في لبنان أو خارجه».

وهكذا، في العام 2006، وفي خضم الحرب الإسرائيلية على لبنان، اتّفق المؤسّسون الخمسة على أهمية المسؤولية المشتركة بين كل المواطنين في الحفاظ وبناء الأوطان لا الاستسلام لليأس والدمار وبدأوا العمل.

وفي منطقتنا العربية حيث يكثر العنف ويزداد التطرف والخوف من الآخر وتنغلق الجماعات على بعضها وتتوقف حربٌ لتبدأ أخرى، يبدو أننا نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى مؤسسات وجمعيات مماثلة من أجل كسر حاجز الصمت والخوف وتقريب المسافات بين الناس.

مؤسسات تُدرك أن مهمّتها ليست سهلة. ويقول الأب فادي: «من خلال الدراسات التي نقوم بها، نلاحظ نزعةً للتعصب والانزواء والطائفية والمذهبية في لبنان. وما قد يكون تغيير عبر السنوات هو أنه، في السابق، لم يكن الوضع أفضل وكان الناس يظنّون أنهم متسامحون ومنفتحون في حين أنهم كانوا رافضين أن يروا التنوع والاختلاف. اليوم، نجد فئتَين من الناس: أولئك الذين يتحدثون علناً عن تعصبهم وآخرون ملتزمون فعلاً باحترام الاختلاف؛ شريحة تتضاعف في لبنان وهي التي نركّز عليها».

وهنا تتدخّل داليا المقداد، منسّقة الإعلام في «أديان» لتُضيف «اللقاء مع الآخر له تأثير إيجابي وهذا ما نحاول العمل عليه. في لبنان مثلاً، الأمر يتعلق بالخوف على الوجود ما يعزز الشعور بالتهديد ويظن البعض أن التعصب يحمي الوجود. وبالتالي، موضوع اللقاء بالآخر يلعب دوراً كبيراً في التوعية وفي كسر الصور النمطية».

تحويل الغضب والإحباط إلى عزيمة ودافع بغية مضافرة الجهود لإحداث التغيير، أمرٌ ينعكس بمختلف نشاطات ومبادرات وبرامج مؤسسة «أديان» التي تطوّرت مع السنوات.

وهنا تفصّل لنا المقداد الأقسام الثلاثة في الجمعية. وتبدأ مع «معهد المواطنة وإدارة التنوع» وهو، الذراع الأكاديمية للمؤسسة حيث يضم التعليم الإلكتروني والدورات الدراسية والتدريب ومختلف الدراسات والأبحاث والمنشورات إضافة إلى الندوات والمؤتمرات. وتقول: «ما يميّز نشاطاتنا هذه هي المقاربة العلمية والنقدية لإشكاليات لم نتعوّد أن نتحدث عنها بشكل موضوعي مثل الدين والسياسة، مواضيع نعتبرها تابو».

أما قسم «الجماعة»، فيتضمّن مختلف الشبكات مثل شبكة متطوعي «أديان» التي تشرح لنا المقداد أنها مؤلفة من «متطوعين تابعوا تدريبات معنا وتحوّلوا إلى سفراء لأديان يحملون رسالتنا ويعملون على طريقتهم الخاصة لتطبيقها»، إضافة إلى شبكة الأسرة وشبكة الشبيبة.

ويعمل القسم الأخير وهو «الإعلام» على تعزيز القيم والمفاهيم التي تدعو إليها «أديان» من خلال تغطية نشاطات المؤسسة والأفلام الوثائقية القصيرة. وتضيف المقداد: «أطلقنا أيضاً موقع تعددية في فبراير الماضي بهدف تعزيز ثقافة قبول الاختلاف والتنوع الثقافي والديني بالعالم العربي تحت عنوان «متفقين على مواجهة التطرف من خلال التفكير النقدي» نُعالج هذه الإشكاليات من خلال التعاون مع كتّاب من العالم العربي وإنتاج أفلام قصيرة مع شخصيات عامة وخبراء وشباب».

ومن بين الأمثلة الكثيرة حول ما يقوم به موقع «تعددية»، تذكر المقداد الفيديوهات التي تسلط الضوء على مبادرات مختلفة مثل الشاب التونسي الذي يقنع رفاقه بعدم الالتحاق بـ «داعش» أو شباب الموصل الذين يعملون على موضوع الآثار وحمايتها أو حتى حملة «شو قصتك؟» في لبنان لمواجهة خطاب التطرف والخطاب الطائفي.

ويتدخّل الأب فادي ليضيف: «نعمل أيضاً على قسم جديد، مركز رشاد للحوكمة الثقافية. وهو مركز لدراسة السياسات يهدف إلى أن نتعاون مع صناع القرار ومساعدتهم على إنتاج السياسات المناسبة». وهنا يضرب مثالاً بتعاون «أديان» مع وزارة التربية لتعديل المناهج في لبنان من أجل مواجهة التطرف وبناء مجتمعٍ مبني على التربية والعيش معاً.

تطوّر مختلف أقسام «أديان» وتعدّد نشاطاتها قد يكون أفضل تقييم لعشر سنوات من العمل على الأرض. ويطلعنا الأب فادي «ساهمنا بالإصلاح التربوي على المستوى الوطني في لبنان كما ساهمنا، وإن بشكل محدود، بالمصالحة في لبنان وفي الترابط الاجتماعي ولاسيما في المناطق التي تعرضت لأزمات. وما أعتبره مميزاً جداً هو أننا جمعنا كل المؤسسات الدينية الرسمية في لبنان بلجنة مشتركة للعمل خلال ثلاث سنوات لإنتاج التربية الدينية على القيم المشتركة». ويتابع «في الخارج، نظّمنا عدداً من التدريبات لبناء القدرات أو العمل مع السوريين، سواء كانوا نازحين أو في الداخل، بهدف التربية على السلام ومواجهة التطرف».

* متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي