No Script

هل بدأ تقسيم «بلاد الرافدين» أم أن الأمر مجرّد أوراق ضغط؟

أميركا تُخرِج إيران من العراق... وتترك سورية لروسيا

u0627u0644u0648u0632u064au0631 u0625u0628u0631u0627u0647u064au0645 u0627u0644u062cu0639u0641u0631u064a
الوزير إبراهيم الجعفري
تصغير
تكبير
انقسام داخل الأحزاب الشيعية... المجلس الأعلى يتناحر مع رئيسه و«الدعوة» يتخبط والصدر يتهم الحلقة الضيقة في تياره بالسرقة

مصدر إيراني: ليأخذ أوباما ما يشاء من مكتسبات حالية... لكن بعد نهاية «داعش» سيكون

لكل حادث حديث
... إنشقاق في الصف الشيعي و«البيت الداخلي» يَظهر الى العلن في العراق وسط عدم رضى السنّة العراقيين من أداء الحكومة، وامتعاض المرجعية في النجف من قلة الإصلاحات الإقتصادية - الإجتماعية، ورغبة الأكراد بالإنفصال في ظل مشاريع طاقة مع تركيا من دون العودة الى الحكومة المركزية في بغداد، ودخول قوات «احتلال» تركية الى الموصل على وقع تهديد بغداد «بالردّ إذا إستُنزفت الوسائل الديبلوماسية» كما قال وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري لـ «الراي».

وسط كل هذه الوقائع الحالية في العراق، يتراجع نفوذ تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) على الأرض، ومعه كذلك التأثير الإيراني داخل أروقة أصحاب القرار في بغداد لمصلحة النفوذ الأميركي، الذي أصبح واضحاً وجلياً. فقد قالت أميركا كلمتها وانكفأت مبدئياً عن سورية لمصلحة روسيا التي قالت انها باقية وستتمدّد في «بلاد الشام».

خبراء غربيون شرحوا لـ «الراي» ما يحدث في العراق وإمكان تقسيم بلاد الرافدين، لكن السؤال المحوري وسط كل هذا: هل قالت إيران كلمتها الأخيرة وانكفأت عن العراق أسوة بما فعلته روسيا؟

عادت الولايات المتحدة من الباب العريض الى «ميسوبوتاميا» (بلاد ما بين النهرين) بعدما أخرجها منها نائب الرئيس الحالي ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي ليفتح الباب لإيران بإعادة سيطرتها المعنوية والسياسية عليها، الا ان اختيار حيدر العبادي رئيسا للوزراء وإعلان «داعش» الخلافة سمح لإيران بزيادة نفوذها العسكري من خلال تجهيز وتسليح مجموعات عراقية تابعة لها مباشرة، ومدّ بغداد وأربيل بالسلاح والدعم العسكري.

ولكن هذا الدعم لم يكن كافياً لوقف تَمدُّد «داعش» في العراق، وتأخرت الولايات المتحدة بدعم حكومة العبادي لأسباب عدة استراتيجية أهمها: إرادة اميركا في تلقين العراق درساً لرفْضه فتْح قواعد عسكرية أميركية على أرضه، وسعيها إلى إبراز ضعف المجهود العسكري الإيراني وعجز طهران وبغداد عن إيجاد قوة نارية جوية واستخباراتية لإحتواء تقدم «داعش»، ورغبتها في رضوخ الإرادة العراقية لكل طلباتها التي ستأتي لاحقاً.

وما أحرج بغداد هو دخول تركيا على الخط في الموصل بعدما دفعت أنقرة بقوات لها إلى بعشيقة، شرق المدينة المحتلة من «داعش»، لتفرض واقعاً جديداً يهدد وحدة العراق. وكان واضحاً ان ما من أحد يستطيع حل المسألة إلا الولايات المتحدة التي تستطيع الايحاء لكردستان العراق بالإنفصال وإعلان الدولة الكردية، كما تستطيع أن تغض النظر عن الوجود التركي و«حصته» في الموصل.

والسؤال الذي لا بد من سبر أغواره هو: لماذا تهدد الولايات المتحدة العراق بطريقة غير مباشرة؟... الجواب يبدو انه في جيب «الدب الروسي». فعندما شعرت إيران بعجزها عن إيجاد موقف عراقي موحد، شيعي - شيعي، وشيعي - سني، وشيعي - كردي، وعجزت كذلك عن وقف تمدد الأخطبوط الأميركي داخل الإدارة العراقية، لجأت الى روسيا وطلبت من الكرملين الدخول الى العراق كما طلبت منه قبل ذلك الدخول الى سورية.

الا ان «العم سام» يستطيع إغماض عين واحدة عن سورية، ولكن العراق خط أحمر بالنسبة إليه، ولذا فإن الاعضاء البارزين في إدارته السياسية والعسكرية سارعوا الى تهديد العبادي بعواقب وخيمة اذا سمح لروسيا بالدخول الى بلاد الرافدين، واحتفظت الولايات المتحدة في الوقت عينه بورقة كردستان وكذلك بورقة التواجد التركي كواقع مؤجَّل البحث فيه الى حين اطمئنان واشنطن الى خروج ايران وأصابعها من داخل الادارة العراقية، فطلبت من اجل ذلك تغيير أشخاص وتعيين آخرين «تستطيع التفاهم معهم» كمفاتيح في الدولة وأجهزتها العسكرية، وطلبت من العبادي إزاحة الحشد الشعبي ومنعه من دخول الأنبار والموصل لاحقاً، وقريباً سيُعلن عن انشاء الحرس الوطني أو ما شابه بغية دمج كل أفراد الحشد الشعبي وضباطه ضمن المؤسسات الأمنية والعسكرية، على النحو الذي ينهي نفوذ إيران العسكري عن طريق المجموعات الموالية لها، وإلا اعتُبرت تلك المجموعات خارجة عن القانون إذا رفضت حل نفسها والاندماج في تشكيلات تحت لواء الشرعية العسكرية.

هذا ليس كل ما يحدث على أرض العراق، فهناك انقسام حاد بين الأحزاب الشيعية التي تمثّل الأكثرية في البلاد، فالمجلس الأعلى يتناحر مع رئيسه السيد عمار الحكيم وهو على وشك الإنشقاق، وحزب الدعوة الذي يتزعمه نوري المالكي يتخبط، فقسم منه يدعم العبادي وآخر ضده. والسيد مقتدى الصدر يعيّن وليد الزاملي لمدة عشر سنوات كمسؤول أعلى للمكاتب السياسية ثم يوقف صلاحياته بعد عشرة أيام ويتهم الحلقة الضيقة في تياره بالسرقة والإنشقاق.

اما العبادي، فعلاقته مع سنّة العراق غير جيدة إذ لم ينفذ شيئاً من الإصلاحات والشراكة كما وعد، وكذلك المرجعية العليا في النجف غير راضية على العبادي لأنه لم يسرع الخطى في الإصلاحات الإقتصادية والإجتماعية التي يحتاج اليها العراق بشدة.

وسط هذا المخاض، هناك تقدم عسكري بطيء على جبهة الرمادي حيث استطاعت فرقة مكافحة الإرهاب تحرير الصوفية شرق المدينة، وما زال امامها السجارية وكذلك الفلوجة والمنطقة الحدودية في الأنبار وايضاً شمال الأنبار، نحو هيت والبغدادية. ولا شك في ان الموصل لن تُحرَّر قريباً بسبب المشكلات السياسية - العسكرية، الداخلية والإقليمية والغربية.

فوق هذا الصفيح الساخن يُطرح السؤال الكبير: هل يقسم العراق؟

وزير الخارجية العراقي إبرهيم الجعفري قال لـ «الراي» ان «العراق يتمسك بعلاقته مع دول الجوار، إلا اننا لا نقبل بالتعدي على أرض العراق. فإذا لم تسحب تركيا قواتها، فإن سقف الخيارات مفتوح أمامنا. الشعب العراقي بكل إمكاناته سيتجه للدفاع عن البلاد إذا لم تنفع جميع الوسائل الديبلوماسية. عندما تتعرض السيادة العراقية للخطر، يصبح تحرير العراق واجباً وطنياً وشرعياً. فنحن في الحكومة العراقية لم نعط أي إذن أو استثناء لتركيا لتدخل أراضينا وتنتهك سيادتنا، ولن نقبل إلا بالإنسحاب التركي الكلي من العراق. ولغاية اليوم، فإن كل ما يشاع عن إنسحاب تركي من بعشيقة عار عن الصحة، وكذلك الأخبار الملفقة والمتفَق عليها حتى مع داعش، فإن اي قصف للمعسكر التركي لم يحصل وما قاله الرئيس التركي غير صحيح».

وقالت أوساط رئيس الوزراء العراقي لـ «الراي» ان «العراق يمرّ في مرحلة حرجة من تاريخه لم يرها منذ قرابة المئة عام، فخطر داعش وخطر الداخل والخطر الإقتصادي وخطر التقسيم في جو من التفرقة يصعب التعاطي معه، وان لكردستان حلم بالاستقلال، الا ان الوجود التركي والحماسة الكردية للانفصال يأتي جراء عوامل متعددة، والولايات المتحدة ليست بعيدة عنها لانها تملك القرار فوق الكرد والترك».

وبدأت كردستان بناء خط الأنابيب الكردي - التركي ليغذي تركيا من حقل باي حسن شمال - غرب كركوك المتنازَع عليها، ومن المتوقع ان يستمرّ بناؤه نحو 3 سنوات ويضخ ما يقارب 20 مليار متر مكعب من الغاز، وكل ذلك من دون مشاورة بغداد بالأمر.

الخبير الأميركي في الشؤون العراقية جوول وينغ، قال لـ «الراي» ان «الرئيس مسعود البرزاني يتكلم كثيراً عن الاستقلال وعن الدعوة للاستفتاء الشعبي، ومن هنا أتى مبدأ بناء استقلالية اقتصادية لأن كردستان لا تثق بوعود بغداد التي لم تف بمستحقاتها كاملة. الا انني ما زلت اعتقد أن الاستقلال ما زال بعيداً».

اما الخبير فلاديمير فان ولغنبرغ الموجود في أربيل، فتحدث لـ «الراي» عن ان «الكرد يريدون تصدير الغاز والنفط الى تركيا وحتى الى ايران، وهذا ما ترفضه بغداد»، لافتاً الى انه «تم بناء خندق بطول 440 كيلومتراً بعرض مترين ونصف المتر، وبعمق ثلاثة أمتار حول كردستان وضمن المناطق المتنازَع عليها وحتى غير المتنازَع عليها سابقاً مثل سنجار وغيرها القريبة من طوزخرماتو»، ومشيراً الى ان «هذا الخندق يساعد كردستان في المفاوضات المستقبلية مع بغداد من خلال فرض أمر واقع على أرض العراق وتأكيد ملكيةِ ما كان متنازَعاً عليه».

وبحسب وينغ فان «داعش لم يُهزم بعد وخصوصاً ان الحرب في سورية ما زالت دائرة من دون أفق واضح. فخسارة داعش لأراضٍ داخل العراق لا تعني هزيمته، لإمتلاكه خلايا تمكّنه من القيام بعمليات عسكرية وهجمات إرهابية يومية. وقد شيّدت كردستان، على سبيل المثال، خنادق متعددة أيضاً لإقامة سد بين المقاطعة الكردية وداعش بهدف حماية المناطق الكردية من هجمات إرهابية، من دون ان تخفي كردستان نياتها التوسعية لإستعادة المساحة الأكبر من الأراضي العراقية المتنازَع عليها».

اما ولغنبرغ فيعتقد ان «داعش لم ينته بعد في الرمادي الا ان هناك إحتمالاً بهزيمة هذا التنظيم خلال سنة او أكثر (في العراق)، وقد تم بناء الخنادق حول كردستان لرسم حدود المناطق الكردية»، لافتاُ الى ان «حكومة بغداد امتنعت عن تنفيذ البند 140 في الدستور العراقي، ولهذا أقدمت كردستان على خطوات مكّنتها من فرض أمر واقع، فعندما كانت الحكومة المركزية منشغلة في الدفاع عن العاصمة من هجمات داعش وهربت أكثر القوات الأمنية الحكومية من المناطق الشمالية والمناطق المتنازَع عليها، تقدّمت القوات الكردية لملء الفراغ». واضاف: «الجدير بالذكر ان الكرد عملوا سوياً مع بغداد لدحر داعش من أجزاء كبيرة من محافظة ديالى، ولكن كردستان اليوم لا تزال جزءاً من العراق».

وعلّق ولغنبرغ على سبب الوجود التركي حول الموصل، قائلاً: «أنقرة تريد ان يكون لها دور في تحرير الموصل بعدما فقدت نفوذها بخروج السياسيين العراقيين التابعين لها من المدينة، مثل محافظها السابق أثيل النجيفي، وخصوصاً ان خيارات تركيا حيال روسيا أصبحت محدودة مع دخول موسكو على خط الصراع في سورية ودعمها نظام الرئيس بشار الاسد، اضافة ايضاً الى ان لتركيا رغبة بإستعادة نفوذها في الموصل التي انتزعتها بريطانيا منها العام 1923، ولهذا فإن الوجود التركي شرق الموصل جاء لتأكيد حق تركيا ببقاء المدينة ضمن حلقة نفوذ أنقرة».

ولكن، هل قالت إيران الكلمة الأخيرة؟

يعترف مصدر إيراني رفيع في بغداد لـ «الراي» بالدور الأميركي «المهيمن حالياً على الإدارة السياسية والعسكرية في العراق، إن كان في بغداد او في المناطق الكردية، وبتراجع النفوذ الإيراني حالياً». ويقول: «كلما ضعف تنظيم داعش كلما قوي النفوذ الأميركي، فلتأخذ الإدارة الأميركية ما تشاء من مكتسبات حالية وليخرج الرئيس باراك أوباما منتصراً في العراق بأقلّ خسائر وبحرب نظيفة، الا ان لإيران باعاً طويلاً وصبراً أطول، فالأرض في العراق ليست لأميركا ولا البيئة مؤاتية لإحتضانها. لذا فلينتهِ تنظيم داعش اولاً ومن بعدها لكل حادث حديث، وكما قال الخليفة العباسي هارون الرشيد عندما رأى سحابة (وكان يقصد إتساع الخلافة): أمطري أينما شئت فسوف يأتيني خراجك».

الجعفري لـ «الراي»:


سقف خياراتنا مفتوح

اذا لم تسحب تركيا قواتها من أراضينا

- ما قاله الرئيس التركي

عن قصف معسكر بعشيقة غير صحيح وملفق ومتفق عليه مع «داعش»
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي