القصص القرآني والاستشفاء النفسي

من خلال أبحاثي العلمية التي تتمحور في مجال الاستشفاء بالكتابة وبالقصص وغيرها من المسارات الأخرى، وجدت مساراً مهما في التأثير العلاجي للقصص القرآني، وقد تولدت الفكرة من دراساتي الميدانية والنظرية لدور الكتابة الابداعية والتعبيرية في العلاج النفسي، وبلاشك نحن ندرك تماما أهمية تأثير القصة بشكل عام على نفسية وعقلية المتلقي.
 وبالرجوع لدراستي العلمية، أقول بأنني قد رأيت أن أُتوِّجه بنموذج قصصي مثالي يتجسد في القصص القرآني بكل فوائده العظيمة والتي لا يمكن حصرها، حيث إنه أحسن القصص، وقد قال الله عز وجل في كتابه في سورة يوسف (نحن نقص عليك أحسن القصص)، وقد أثبتت الدراسة في نتائجها قوة التأثير النفسي للقصص في مسار التشافي والتأهيل النفسي.
 وقمت بتطبيق البرنامج على شرائح عشوائية من طالبات وطلاب جامعة الكويت في مراحل دراسية مختلفة، من مشارب علمية مختلفة، وكانت النتائج مذهلة جدا، ولا عجب في ذلك أليس هو كلام الله عز وجل؟ وقد أكدت السنة النبوية على ذلك في أحاديث أشرف خلق الله نبي الأمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.


 وقد تحدثتُ في هذا الموضوع في مؤتمرات عُقدت في بريطانيا مع بعض الباحثين والأكاديميين الأوروبيين والأميركيين في إطارالتداوي النفسي بالقصص، فهم يؤمنون بأهمية القصة في الاستشفاء، والتي أثبتتها الدراسات العلمية والمخبرية، ولكنهم يَعْجَبون من تأثير القصص القرآني على النفوس، ولا أدّعي هنا أنني اكتشفتُ أمراً جديداً، ولكنني نبهتُ إلى ضرورة الالتفات للقرآن بكل قصصه الإعجازية التي تُطبّب النفس وتشفيها من أمراضها، وتمنحنا مناعة نفسية واستقرارًا اجتماعيا.
ويكون التداوي بالقصص القرآني بقراءة القرآن بتركيز عميق، وبالاستماع إليه بخشوع، والتنبه إلى مضمونه، وهناك دروس دينية يمكننا الاستماع إليها عبر «اليوتيوب» لدعاة يملكون علما موثوقا به وبراعة لا تُنافَس في السرد القصصي، ما علينا إلا أن نستمع بتركيز في ظل جو هادئ ومريح، وحينئذ ستتراءى لنا في هذه القصص شخصيات مهمة عاشت تجارب قوية تحوي دروسا وعبرا، وسوف تمنحنا تلك القصص الشعور بالسكينة والاطمئنان النفسي، وتعطينا العمق التحليلي والتجلّي لقضايا قد نعاني منها في حياتنا ولانجد لها حلولا.
وهكذا تخطو هذه القصص القرآنية بالانسان فوق المحن والأزمات النفسية والاجتماعية التي قد يمر بها، فأبطالها شخصيات عظيمة في تاريخ الإنسانية، وبعضهم خاض تجارب ومحنا قاسية، ولكنهم مضوا في الطريق، وأكملوا مسيرتهم ولم ينهزموا نفسيا، فالإيمان زادهم قوة وثباتا ومنعة.
ألا يمكن أن نستفيد على سبيل المثال من قصص الأنبياء ومريم وأهل الكهف والقصص الأخرى التي وردت في القرآن الكريم؟ إن الحديث عن مسألة التداوي بالقرآن مسألة مفروغ منها حيث إنه الإعجاز الشفائي، وما يثير استغرابي هو عدم إدراجه ضمن العلاجات الفعالة في العيادات النفسية والمراكز التأهيلية الاجتماعية في عالمنا العربي والإسلامي، والاقتصار على بعض البرامج النفسية العلاجية الأخرى، ونحن نعرف أن معظم الأطباء النفسانيين يصفون لمرضاهم الحبوب المهدئة التي تزيل العوارض بصفة موقتة، وتصل في بعض الحالات إلى الإدمان، وبمجرد انقطاع المريض عن تناول الدواء يعاوده القلق والاكتئاب، فلماذا لا يحيلونهم الى كتاب الله عز وجل وإلى القصص القرآني كوسيلة علاجية؟
 سأطرح عليهم سؤالا مهما أقول فيه: أيهما أجدى نفعا كلام الله عز وجل خالقنا وخالق الكون الذي يدرك تفاصيل تركيبتنا النفسية والجسدية، وقادرعلى إصلاح الخلل فيها؟ أم كلام البشر الذين هم من بين مخلوقاته؟ أظن أن الإجابة محسومة ولا جدل فيها، ولايخفى علينا أن بعض الباحثين في ميدان العلاج النفسي في أميركا وأوروبا اكتشفوا أن المرضى الذين يتمتعون بحس إيماني وبقناعة بكتبهم المقدسة بمن فيهم المسلمون يكونون أكثر قدرة على مقاومة المرض الجسدي وليس النفسي فقط، لذا فإنه من سَلّم بالنظريات الحديثة وبالطرق العصرية في العلاج النفسي فعليه أن يلتفت لهذه الأبحاث التي تؤكد فاعلية القرآن كعلاج للنفس والبدن.

 Haifa@razan.com
Twitter: haifaalsanousi

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي