No Script

العمل العربي ... الممل

تصغير
تكبير
يوم الاثنين في 26 الجاري، أعلنت الجامعة العربية عن اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب في الخامس من نوفمبر المقبل، لبحث الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.

إذا قرأ اي مواطن عربي في الشارع مثل هذا الخبر، فسيحضر إلى ذهنه فورا العطب العربي المزمن، وهو أن مثل هذه الاجتماعات لا تنتج شيئا، إلى درجة أنك إذا سألت أيا من الوزراء المشاركين، فسيؤكد لك هذه الحقيقة. لكن الأهم في هذا المحضر، هو عطب شكلي، إذ ان المسافة الفاصلة بين الدعوة للاجتماع وانعقاده تبلغ 10 أيام، فضلا عن أن الدعوة بذاتها تأتي متأخرة جدا، لأن الحدث بدأ وتطور قبل أسابيع. ومع ذلك، تصف الجهة الداعية الاجتماع بأنه طارئ.


للمقارنة فقط، واجه الأوروبيون أزمة اللاجئين الذين بدأ تدفقهم إلى القارة في نهاية أغسطس الماضي، ولم يتجاوز عددهم المليون حتى الآن، بعقد قمتين في غضون أسابيع قليلة، بمشاركة 28 زعيم دولة لم يغب منهم أحد. وكان الفارق بين الدعوة وانعقاد القمة في الحالتين يومين أو ثلاثة. هذا فضلا عن اجتماعات يومية، وحتى على مدار الساعة للوزراء ومسؤولي الأمن والهجرة المعنيين، الذين قاموا بتحديد ممرّ قادوا عبره هذه الموجة البشرية الكبيرة من أول حدود اليونان، حتى ألمانيا والسويد وغيرهما، مع تعمّد عدم الإعلان جهرا عن هذا الممرّ الذي يقتضي حكما وجود اتفاق بين الدول الواقعة عليه، لكي لا يثيروا موجة لجوء أكبر. وتمكّنوا في النهاية من التعامل مع القضية بسلاسة كبيرة. والآن ربما يستعدون لتغيير هذه السياسة نحو إغلاق تدريجي لهذا الممرّ.

مقارنة أخرى تتعلّق بالحدث نفسه الذي يجتمع من أجله الوزراء. فقد حضر وزير الخارجية الأميركي جون كيري واجتمع مع نتنياهو في برلين، ثم انتقل إلى الأردن حيث اجتمع مع عباس و الملك، ثم إلى السعودية حيث التقى الملك وكبار المسؤولين، وتوصل إلى ترتيبات معينة في المسجد الأقصى، بغض النظر عما إذا كانت ستطبّق أم لا. وكان في الرحلة نفسها، قد عرّج على فيينا حيث عقد اجتماعا رباعيا مع نظرائه الروسي والسعودي والتركي، تم خلاله بحث مقترحات للتسوية في سورية وربما تحقيق بعض التقدم باتجاهها. وكل ذلك جرى في يومين أو ثلاثة.

ليس هذا تقليلا من شأن وزراء خارجيتنا الذين هم محترمون كأفراد، ولا شك أنهم اختيروا في بلدانهم على أساس الكفاءة، نظرا لما يتطلبه المنصب من دماثة شخصية ومهارات ديبلوماسية وإلمام بثقافات ولغات.

ولتأكيد عدم التقليل هذا، يمكن إقامة مقارنة ثالثة تشمل منظومة أخرى يعمل فيها بعض هؤلاء الوزراء العرب، وهي منظومة مجلس التعاون الخليجي الفاعلة جدا. فالمجلس يعقد اجتماعات دورية على كافة مستوياته، ويتخذ قرارات تنعكس مباشرة على دوله الأعضاء، ومواطنيها. وعند الضرورة، يجري بسرعة ترتيب لقاءات، مثل قمة الرياض التي انهت الخلاف الخليجي في العام الماضي، أو اللقاء الذي عقده وزراء داخلية المجلس قبل أشهر قليلة في مطار الكويت، لبحث التهديدات الإرهابية بعد عمليات تفجير المساجد في الكويت والسعودية.

قد يقول قائل ان القضية الفلسطينية عمرها أكثر من 70 عاما، وتعقيداتها معروفة للجميع، وبالتالي من الظلم تحميل مجلس وزراء الخارجية ما لا يحتمل. ولكن هذا هو أيضا حال العرب مع القضايا السورية والليبية واليمنية واللبنانية وغيرها، وأيضا هذا هو الوضع في قضايا أصغر بكثير، قد يكون من بينها فتح سوق بلد عربي معين، أمام موسم الطماطم أو الأسماك في بلد عربي آخر.

ماذا سيفعل وزراؤنا في اجتماعهم؟ جلسة افتتاحية علنية ينقلها التلفزيون وتتخللها خطب مطولة مملة، ثم وليمة غداء، فجلسة أخرى مغلقة لا ينقلها الإعلام، ولكن مضمونها يتسرّب قبل أن تنتهي، ثم يركب الوزراء طائرات خاصة في الاغلب ويعودون إلى الديار. وللأسف لا تكون الاجتماعات العربية مثيرة إلا اذا شهدت خلافات بين المشاركين فيها، فيكون لها أقله جانب ترفيهي للترويح عن الجمهور.

المشكلة في آليات عمل الدول العربية، سياسية وليست تقنية، والتدهور الذي أصاب الاجماع العربي حول القضية الفلسطينية بلغ حداً لم يسبق له مثيل، إلى درجة أن قناة فضائية عربية وضعت عنوانا على شاشتها أثناء تغطيتها للحدث الفلسطيني يقول: «موجة الإرهاب الفلسطيني تجتاح إسرائيل».

قد لا تكون هذه الاجتماعات منعدمة الفائدة كلياً، ولو اقتصرت وظيفتها على ابقاء التواصل بين المسؤولين العرب، أو إصدار بيان استنكاري لهذا الحدث أو ذاك، أو الإشادة بمبادرة ما، أو ربما تحقيق اختراق بالاتفاق على قضية ما، خلافا للتوقعات. لكنها أصبحت مؤذية لنظر وسمع المشاهد العربي، لا سيما مع انتشار القنوات الفضائية التي تنقلها لحظة بلحظة، بحيث بات لا من بد فعل شيء لوقف هذا الإيذاء، غير تبديل ديكور غرفة الاجتماعات.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي