No Script

المطاعم المتنقلة في فلسطين... فكرة جديدة لمواجهة البطالة

تصغير
تكبير
في بلد تصل فيه نسبة البطالة إلى معدلات قياسية، يجد الشباب أنفسهم يعملون في مجالات مختلفة عن مؤهلاتهم أو جالسين بانتظار أن يأتي «الفرج» كما يقولون. إلا أن شباباً آخرين رفضوا هذا الواقع المرير وأرادوا أن يتحوّلوا إلى رواد أعمال مطلقين مشاريعهم الخاصة علّها تكون أداة في وجه البطالة والحصار في فلسطين؛ على غرار شباب اعتمدوا فكرة المطاعم المتنقلة، سواء في غزة أم في رام الله.

الفكرة جديدة في فلسطين إلا أنها وجدت منذ الخمسينات في الولايات المتحدة كما أنها شهدت رواجاً كبيراً في السنوات الأخيرة في المنطقة العربية كمفهوم جديد للمطاعم بحيث إنها غالباً ما تقدم وجبات طعام لذيذة بأسعار مقبولة.


«قرموشتي» في قطاع غزة و«قطار الطعام» في رام الله، مشروعان قد يختلفان بأنواع الطعام المقدم وبالموقع الجغرافي إلا أنهما وجهان لعملة واحدة يهدفان إلى إعالة عائلات المؤسسين وموظفيهم، هم الذين لم يجدوا عملاً في مجال تخصصهم.

فلا بد من الإشارة إلى أن أرقام البطالة التي نشرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ضمن مسح حول سوق العمل لعام 2015 كانت صادمة. فأشار المسح أن 30 في المئة من المجتمع الفلسطيني هم من الشباب وقد بلغ معدل البطالة بينهم 32،3 في المئة (22،5 في المئة في الضفة الغربية و50،6 في المئى في قطاع غزة)؛ أرقام تجعل من معدل البطالة في فلسطين الأعلى في المنطقة. كما أظهرت الأرقام أن 63،3 في المئة من الشباب العاملين لا تتناسب مؤهلاتهم مع وظائفهم في حين أن الشاب يحتاج في المتوسط 13،4 شهر من الوقت بعد تخرجهم للحصول على الوظيفة الأولى التي تعتبر ثابتة أم مرضية.

وكانت البطالة بشكل عام قد ارتفعت في الربع الثالث من عام 2016 إلى 28،4 في المئة ليبلغ عدد العاطلين عن العمل 384900 شخص حيث لا يزال التفاوت كبيراً في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة. فبلغ المعدل 43.2 في المئة في القطاع مقابل 19.6 في المئة في الضفة.

الحاجة أم الاختراع

انطلق مشروع «قرموشتي» في أبريل من العام الماضي إثر مواجهة الشقيقين معاذ ومحمود الحسنات صعوبات جمّة في إيجاد عمل ثابت. فبعد سنوات من التنقل من وظيفة إلى أخرى. وبعد تشاور وتشجيع من الأهل، قرر محمود وهو خريج كلية الإعلام ومتزوج وأخوه معاذ الحاصل على شهادة برمجيات والأعزب أن يُطلقا فكرة جديدة من نوعها في القطاع حيث يقول محمود الحسنات «أردنا فكرة جديدة في البلد ليست موجودة». ويتابع: «قد تكون الفكرة بسيطة إلا أن مضمونها لم يكن سهلاً. فنظراً إلى أن المشروع جديد، لم يكن سهلاً الحصول على التجهيزات والأدوات وتجهيز المطبخ في عربة». وقد اختار الشقيقان أن يحوّلا عربة التكتك إلى مطعم متنقل وأن يقدّما نوعا واحدا من الطعام ألا وهو الدجاج المقرمش. فيخبرنا محمود «أحضرنا خلطة سرية خاصة فينا ومن هنا أتى اسم المطعم قرموشتي».

أما «قطار الطعام» في الضفة الغربية، فكان وليد الأسر في السجون الإسرائيلية. فيخبرنا خلدون البرغوثي الذي أمضى 8 سنوات في السجن على فترتين والحاصل على بكالوريا تاريخ أن «فكرة (قطار الطعام) وليدة الأسر بالذات. أنا وشريكي عبد الرحمن البيبي أمضينا الفترة الأخيرة من الأسر بالتفكير بما سنقوم به عند خروجنا لاسيما أنه من الصعب أن نجد عملاً». ويتابع «أردنا استثمار خبرتنا بموضوع الاكل والطعام التي اكتسبناها في السجن والاستفادة من الشباب الذين كانوا معنا بحيث إنهم يأتون من مناطق مختلفة حيث تتميز كل منها بأطباق خاصة إضافة إلى الاستفادة من خبراتهم في مختلف المجالات، أكان في التسويق أو الكهرباء أو الأعمال. وبالتالي، كونّا فكرة عمّا نريد القيام به».

ويواصل البرغوثي حديثه قائلاً: «فكرة القطار بحد ذاتها نابعة من كوننا أسرى نرفض أن نكون بين جدران ونعاني من مشكلة معها. لذلك، أردنا أن يكون المطعم متنقلاً في بلادنا. وإضافة إلى ذلك، اخترنا ألواناً زاهية للقطار لأن السجون كانت تفرض علينا اللون البني القاتم. ونحن أردنا ألواناً زاهية وهي ألوان الحياة».

مشروع «قطار الطعام» الذي بدأ قبل أشهر بالتنقل في القطاع احتاج إلى بعض الوقت لتجهيزه إلا أن الأمر كان ممكناً بفضل مساعدة كثيرين. ويقدم مزيجاً من الأطباق من الشمال والجنوب والوسط إضافة إلى الوجبات الخفيفة والدجاج المسحّب والهمبرغر.

ولعلّ ما يميّزه أيضاً هو أنه مشروع صديق للبيئة يعمل على نظام توليد التيار الكهربائي عبر الخلايا الشمسية التي ثُبّتت على سطح الباص. فأكّد البرغوثي «نحن نتنقّل في الأحياء والمنتزهات والحدائق واخترنا الطاقة الشمسية لأنها تجعلنا نستغني عن مولدات الكهرباء التي تُصدر أصواتاً ودخاناً وقد تزعج المحيط كما أنها تساعدنا على الاستغناء عن الوسائل المكلفة أيضاً».

ترحيب من الفلسطينيين

رغم أن الفكرة كانت جديدة في فلسطين إلا أنها لاقت ترحيباً من الفلسطينيين. ويخبرنا الحسنات «لم نكن نعرف كيف سيتجاوب الناس معنا لاسيما أنهم تعوّدوا أن يذهبوا إلى المطعم ونحن أردنا أن نقلُب المقاييس وأن ننقل المطعم عندهم».

إلا أن «قرموشتي» عوّلت على نجاح المطاعم المتنقلة في الخارج حيث يقول الحسنات «كنّا شاهدنا تقريرا حول نجاح هذه المبادرات في أوروبا والولايات المتحدة واعتبرنا أن الفكرة لا بد أن تنجح هنا». ويشرح أنهم أنشأوا صفحة على فيسبوك من أجل جذب الزبائن وإخبارهم بمكان وجودهم و«تهيئة الرأي العام حول فكرة المطعم المتنقل».

ويضيف: «أعجب الناس فعلاً بالفكرة وأقبلوا على مطعمنا لاسيما أننا نتنقّل في مختلف الأحياء وأن أطباقنا تتناسب مع الطلب وفي متناولهم. فنحن نقدم طبقاً واحداً، الدجاج المقرمش مع البطاطا بسعر أقل من النصف من المطاعم الأخرى».

من جهته، يخبرنا البرغوثي أن زبائنه من كل الشرائح، كبار وصغار، رجال ونساء. ويتابع «بداية، كان الناس يحضرون من باب الفضول وأيضاً كوننا أسرى. فكانوا يحضرون أولادهم ويخبرونهم أننا أسرى محررون ويجب مساعدتهم». ويواصل الحديث قائلاً:«ولكن الوضع تغيّر حالياً بعد تذوقهم الأكل واكتشاف أسعارنا الأقل من السوق نسبياً ما أدى إلى جذب الكثير من الزبائن».

النصيحة بجمل

رغم الوضع الاقتصادي الصعب، فاز «قرموشتي» و«قطار الطعام» بالرهان؛ فالمطعم الأول بات اليوم يُعيل خمس عائلات في حين يشدد البرغوثي أن مردود «قطار الطعام» يزداد يوماً بعد يوم وقد نجحوا بتوظيف ثلاثة موظفين والجميع يؤمن لقمة العيش بفضل المشروع. هذا النجاح قد يُلهم شباباً فلسطينيين آخرين على إطلاق مشاريعهم الخاصة. وهنا يقول الحسنات «كل الشباب يعانون من الوضع الذي عانيت منه. تخيلوا أنني حصلت على شهادة صحافة ولكن لم تستقبلني أي مؤسسة. ولذلك، كان من الضروري أن أجد حلاً آخر لأنني أريد أن أقول للعالم إنني لن أسكت ولن أبقَ مكتوف اليدين لا بل أن أقول لهم إنني قادر على إيجاد فكرة والاهتمام بنفسي». وأشار إلى أن الكثير من الشباب من الخريجين الطموحين العاطلين عن العمل تواصلوا معه لأن فكرته أعجبتهم وأرادوا إطلاق مشاريعهم الخاصة.

أما البرغوثي فيقول إن «قطار الطعام هو حل من الحلول وليس الوحيد أمام الضيقة الاقتصادية. نحن كفلسطينيين نمتلك الإرادة والإمكانيات. وعلى الرغم من كل التضييق إلا أن إرادة الحياة أقوى».

بالفعل على الرغم من كل التحديات، أظهر خلدون البرغوثي ومحمود الحسنات وشركاؤهما أن الإرادة أقوى حتى لو لم تكن الطريق سهلة ولاسيما مع صعوبة التنقل من منطقة إلى أخرى بسبب التضييق الإسرائيلي وصعوبة الحصول على كل المنتجات والمكونات لاستمرارية المشاريع. إلا أن طموحاتهم لا تقف عند هذا الحد لا بل يريدون شراء المزيد من عربات التكتك والحافلات وتجهيزها من أجل تحويلها إلى مطاعم متنقلة للتجوّل في جميع المدن الفلسطينية. طموحات علّها تكون قدوة للشباب الفلسطينيين من أجل أن يطلقوا العنان لإبداعهم ويطلقوا مشاريعهم الخاصة ويتحدّوا واقعهم المرير.

* متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي