No Script

أصبوحة

الإبداع يحكم عليه التاريخ

تصغير
تكبير

في الأعمال الأدبية الكلاسيكية - سواء قصة أم رواية - نلاحظ أن الأدباء لا يكررون أنفسهم، ولا يعتمدون على نجاح عمل ما، فيعمدون إلى كتابة جزء ثان وثالث، فكل رواية وكل قصة لها شخصيتها المتفردة شكلاً ومضموناً، ومن بين هؤلاء الكُتّاب يحضرنا تولستوي ودستيفسكي وتشيخوف وهمنغواي، وغيرهم من كُتّاب الغرب أو الشرق.
ولكن التشابه في روايات الأديب، يكمن في فكره أو قضيته، أو الرسالة التي يود إيصالها للقارئ، أو البيئة المتكررة في الأعمال المختلفة، مثل القرية أو المدينة، التي شكلت الوعي الجمالي، أو وعي القضايا الاجتماعية والمعاشة في هذه البيئة.
فلا يوجد أدب قيم ويخلد عبر التاريخ دون فكر، ولا يوجد أديب يتناول قضايا المجتمع دون فكر أو أيديولوجية أياً كانت، وهذا ما يضمن الصدق في العمل الأدبي ،على ألا يتحول إلى منشور دعائي ترويجي.


وهناك فارق كبير بين النتاج الأدبي في الغرب ومثيله في الدول النامية، ففي الغرب عندما تنجح رواية بأي شكل، تتحول إلى سلعة تدر الربح على الشركات وعلى الكاتب، كأن تتحول إلى فيلم سينمائي، تكون أرباحه بالملايين للشركات و للكاتب، فمن رواية واحدة يصبح الكاتب مليونيراً، بينما في الدول النامية بما فيها العربية، يضطر الأديب للبحث عن لقمة عيشه، وربما لدفع تكلفة الطباعة من جيبه الخاص.
فالكاتب دان براون مثلاً كتب شيفرة دافنشي، فذاعت شهرتها الآفاق، وعمل منها فيلما سينمائيا، ووضعت صورة غلافها على أكواب القهوة، وطبعت على القمصان، وكل هذه السلع تدر الملايين والملايين، لكن دان براون لم يستطع أن يتجاوز أجواء الرواية الأولى، فكتب كل الروايات التي بعدها بالأجواء نفسها، وبالتنويع على الرواية الأولى، فبراون لم يعد يحمل هم الأدب والإبداع، وتحول إلى مسوق لأعماله، ومثل براون أيضاً جاءت الكاتبة ج. ك. رولينغ، التي كتبت هاري بوتر، ولم تحظ بالقبول لدى دور النشر في البداية، إلى أن نشرت لها إحدى دور النشر، ثم تحولت الرواية إلى فيلم سينمائي، ودفعها المنتجون إلى كتابة أجزاء عديدة للرواية، وأصبحت كاتبة سيناريو ومنتجة أفلام، والأعمال الأولى لهذين الكاتبين، جيدة ومشوقة وتحمل قصة مختلفة، لكن النجاح الأدبي في العالم الرأسمالي، يقتل ملكة الإبداع الأدبي.
الأديب الجاد الذي يكون الأدب والكتابة، جزءان عضويان لا ينفصلان عن حياته، لا بد أن يحمل هم تطوير أدواته الفنية، وتطوير رؤيته للواقع، وأن يظل حاملاً القلق الدائم للأديب والفنان، وألا يقلق من حكم النقاد، بل يقلق من حكم التاريخ.

Osbohatw@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي