No Script

نفسياسي

الأخطاء الطبية... وحديث بعيد عن العاطفة!

تصغير
تكبير

الحديث حول الأخطاء الطبية، هو حديث شائك عندما يكون المتلقي أو القارئ غير متخصص في مجال الطب، والصعوبة في الحديث في هذا الموضوع تتضاعف بالنظر للمشاعر الساخنة التي تجتاح المجتمع عند حصول أي خطأ طبي قد يودي بحياة فرد من الأفراد، خصوصاً... عندما يكون الضحايا من الأطفال!
حديثي اليوم هو حديث قد يتهمه البعض بالتحيز والبعد عن معاناة ضحايا الأخطاء الطبية، فبالنظر لكوني طبيباً سيتم اتهامي فورا بالدفاع عن مهنتي وزملائي، وهو شرف لا أخجل منه إطلاقاً، لكنني أدعي أن حديثي اليوم هو بعيد عن الانحياز قدر الاستطاعة، ولا أهدف منه إلا توضيح بعض الأمور التي قد تكون خافية على الناس من غير المختصين فيما يتعلق بحقيقة الأخطاء الطبية ونوعيتها، وسبل معالجتها!
دعوني أصدمكم في البداية بأن الأخطاء الطبية هي جزء لا يتجزأ من الواقع الطبي في أي مجتمع، ولن، أكرر، لن يأتي على الزمان لحظة تختفي فيها ظاهرة الأخطاء الطبية من الوجود، وهي، أي الأخطاء الطبية، أمر يحصل في جميع دول العالم بما فيها تلك التي تحتل مواقع الصدارة في التقدم العلمي والطبي، ففي دراسة أجريت في الولايات المتحدة وغيرها في 2005 وصل عدد من اشتكى من معاناته مع خطأ طبي -أيا كان ِكل ذلك الخطأ -إلى «ثلث» متلقي الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، علما بأن النسبة لم تنخفض كثيرا في دول متقدمة أخرى كبريطانيا وألمانيا وكندا وأستراليا، والتي لم يقل معدل الشكوى من الأخطاء الطبية فيها عما يقارب 20 في المئة ممن شارك في تلك الدراسة العالمية، ومراجعة لموقع منظمة الصحة العالمية بنسخته الأوروبية سترينا أن 23 في المئة من سكان الاتحاد الأوروبي يؤكدون أنهم وقعوا ضحايا لأخطاء طبية بأشكال متعددة، وهذا كله يرينا أننا نتعامل مع مشكلة عالمية وليست ذات طابع محلي خاص بالكويت، رغم مزايدات بعض السياسيين، متفهمين في الوقت نفسه لمعاناة من يقع عليه الخطأ الطبي البليغ!


وفي ظل الصخب السياسي والمزايدات، يصعب الحديث المنطقي، لكن الواجب يحتم علينا أن نشرح للناس الفرق بين الخطأ الطبي، والذي قد يكون نتيجة ممارسة غير سليمة يقوم بها طبيب أو فريق علاجي، أو نتيجة مشكلة متعلقة بالمؤسسة العلاجية وتحضيراتها للتعامل مع أوضاع طبية طارئة، وبين المضاعفات الطبية المتوقعة أو المحتملة في بعض العلاجات أو الإجراءات الجراحية، وهذه، أي المضاعفات، هي من أكثر الأمور التي يستخدمها الناس في الحديث عن الأخطاء العلاجية، بينما هي في الحقيقة أمور خارجة عن إرادة الطبيب أو المؤسسة العلاجية، وتمس طبيعة بعض الأدوية أو العمليات الجراحية ولا تشكل خطأ طبيا طالما استطاع الطبيب إثبات أنه بذل العناية الطبية بشكل سليم وبحدود ما توفر له من معلومات صحية ومختبرية ووفقا للمعايير المتفق عليها طبيا!
ولعل أوضح أوجه الأخطاء الطبية هو ما يكون طابعها فرديا، كأن يصرف طبيب ما دواء خاطئا لمريض أو يقوم بإجراء عملية جراحية بشكل غير سليم، ولكن العديد -إن لم يكن أكثر الأخطاء وقوعا أو فداحة في النتائج -هو ما يكون طابعه مؤسسيا، كأن يصرف الطبيب حقنة لمريض ما وبشكل صحيح، إلا أن هذا المريض بعد أخذه تلك الحقنة يصاب بحساسية مفاجئة وخطيرة -لا يمكن للطبيب توقعها أو احتمالها لندرتها أو لعدم حصولها مع هذا المريض سابقا أو أي من أقاربه -وقد تودي بحياته بسبب عدم توافر أدوات الإسعاف والانعاش السريع في المرفق الصحي أو عدم تأهيل الأطباء ومساعديهم للتعامل مع هكذا أوضاع طارئة، فيكون الخطأ عندها ليس في الحقنة أو قرار الطبيب بإعطائها، بل في فشل المؤسسة العلاجية على توفير ما يلزم للتعامل مع احتمالات سيئة ونادرة قد تودي بحياة الأفراد!
لا أقول هذا كله دفاعاً عن أي خطأ طبي فردي أو مؤسسي، فمن أخطأ لا بد من جزائه خصوصاً في هذه المهنة الحساسة المتعلقة بالحياة والموت، ولكننا نعيش في زمن التهويل الإعلامي والصخب السياسي والذي يهتم بالحلول السريعة والترقيعية والتي قد تتركز أحيانا على معاقبة طبيب جزائيا أو إدارياً من دون التفاتة حقيقية لدور المؤسسات الصحية ومسؤوليتها كجهاز متكامل في التعامل مع الممارسات الطبية وتأثيرها على حياة الناس!
ما يحصل «أحيانا» هو مجرد البحث عن كبش فداء من أجل «إسكات» الناس، ويا ليت لو كان طبيباً «وافداً» ليسهل استهدافه من دون ضغط سياسي أو اجتماعي من أهله وجماعته، وليستمر المسؤولون في مواقعهم، في انتظار حادثة جديدة، لنعيد معها الفيلم نفسه... ولا عزاء للضحايا!

alkhadhari@gmail.com
Twitter: @dralkhadhari

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي