No Script

ملتقى طالب الرفاعي الثقافي نكأ جراح «أبو الفنون»

سعد الفرج: جمعية الإصلاح اعتبرتني «حشاشاً» و«سكيّراً»

تصغير
تكبير
• الجمعية طلبت مني تأسيس «مسرح إسلامي»... الفن حلال للرجال وحرام على النساء ؟!

• عندما أقف على خشبة المسرح أصبح يافعاً... وأستعيد أيام الصبا

• «هذا سيفوه» قادتني إلى أمن الدولة... وعبد الحسين قضى 3 أشهر في السجن

• «أبو الفنون» أضحى «يتيماً»... من دون أب يرعاه أو أم تتبناه
«في حضرة الفرج، لا يملك الجميع إلا أن ينصت ويصمت»؛ وعندما يتعلق الأمر بالحديث عن المسرح السياسي الكويتي، فإن الإنصات يصبح فريضة، وتوظيف جميع الحواس لاستيعاب ما يقول الفنان القدير، عرّاب المسرح والسينما والتلفزيون.

وهذا ما حدث مع رواد ملتقى الأديب والروائي المبدع طالب الرفاعي الثقافي، مساء الأحد الماضي في منطقة السرة، والذي عالجت نقاشاته وحواراته «أزمة الحركة المسرحية في الكويت»، ونكأت جراح أبو الفنون.


أدار الملتقى الروائي طالب الرفاعي، وحضره حشد من القامات الفنية والإعلامية، تقدمهم ضيف الملتقى الفنان القدير سعد الفرج، إلى جانب وزير الإعلام الأسبق محمد السنعوسي والفنان جاسم النبهان، فضلا عن عدد من الأدباء والمسرحيين وصناع السينما، منهم الأديب سليمان الشطي، ورئيس نقابة الفنانين الدكتور نبيل الفيلكاوي، والكاتب الشاب خالد النصر الله، والفنان فهد العبدالمحسن، والدكتور علي العنزي، والمخرج السينمائي وليد العوضي، والفنان فيصل العميري، وآخرون.

بعد الترحيب بضيوفه، استهل الروائي طالب الرفاعي، مؤكدا أن «الأمسية سيكون لها رونق خاص لاسيما أنها تسلط الضوء على (أبو الفنون)، ولا يحلو اللقاء إلا بحضور رواد المسرح الكويتي، وعلى رأسهم الفنان القدير سعد الفرج، الذي يعتبر رافداً من روافد الفكر والتنوير في المسيرة الثقافية الكويتية، ورائد المسرح السياسي الذي قدم مجموعة من الأعمال، بدءاً من «صقر قريش» العام 1962، ثم «المنقذة» العام 1963، وتبعها بمسرحية «الكويت سنة 2000»، التي كانت بوابته إلى أروقة السياسة، وتلاها بمسرحية «دقت الساعة»، لتطول القائمة قبل أن تصل إلى «مضارب بني نفط»، آخر الأعمال المسرحية السياسية التي قدمها الفنان القدير. ولم يفوِّت الرفاعي الفرصة للإشارة إلى فيلم «بس يا بحر»، الذي حصد العديد من الجوائز العربية والعالمية، وكان الانطلاقة الفعلية لصناعة السينما الكويتية، فضلاً عن الأعمال الدرامية والكوميدية ومنها مسلسلا «درب الزلق» و«الأقدار»، وغيرهما من الأعمال التي كان لها بالغ الأثر في نهوض الحركة الفنية في البلاد.

من جانبه، استهل الفنان سعد الفرج حديثه قائلاً: «المسرح بالنسبة إلي يعني الحياة، فهو عشقي الأزلي، الذي لا أحيا بسواه».

وأضاف: «كانت بدايتي من خلال المسرح الشعبي العام 1958، برفقة الفنانين محمد النشمي وخالد النفيسي وغيرهما من رفقاء الدرب، حيث توليت مهمة بيع التذاكر إلى جانب الاستمتاع بمشاهدة العروض المسرحية، ولطالما حلمت بالوقوف على خشبة المسرح، لكن لم يتحقق حلمي حتى جاء المخرج المسرحي الكبير زكي طليمات، ليؤسس المسرح العربي في العاشر من أكتوبر العام 1961، فأصبحت أحد أعضائه، وقدمت أول عمل مسرحي لي بعنوان (صقر قريش)، ثم قام طليمات بإخراج مسرحية من تأليفي مؤلفة من فصل واحد حملت اسم (استارثوني وأنا حي)، بطولة نخبة من الفنانين أمثال عبد الحسين عبد الرضا وخالد النفيسي وغانم الصالح».

وأضاف أن «أول قضية سياسية طرحتها كانت العام 1965، من خلال تأليفي لمسرحية (الكويت سنة 2000)، حيث ناقشنا آنذاك إمكانية فصل السياسة عن الدين، ولكنني تعرضت إلى هجوم شرس من جانب جريدة (السياسة)، التي كانت تصدر عن (جمعية الإصلاح الاجتماعي) آنذاك لأنني دخلت عش الدبابير، حيث كتبوا عني أني فاسد و(حشاش) و(سكير)، فضلاً عن رسوم الكاريكاتير التي أساءت إليّ كثيراً، ضاربين عرض الحائط بكل الإيجابيات التي تناولتها المسرحية، ومن بينها المطالبة بالإصلاح والبناء والبحث عن مصادر أخرى للعيش، بدلاً من الاعتماد فقط على البترول كمصدر وحيد للرزق». وأشار إلى أنه منذ ذلك الوقت لم يكتب النصوص السياسية، بل توقف لأسباب عدة، أولها التهديدات التي تلقاها من جانب جمعية الإصلاح الاجتماعي، فضلاً عن «التلاعب بالنص من طرف الفنان عبد الحسين عبد الرضا، وعدد من الزملاء المشاركين في المسرحية».

ومضى «بوبدر»، قائلاً: «بعد عرض المسرحية كنا نتوقع أن يزج بنا في السجن، كون المسرح العربي يعمل تحت مظلة جمعيات النفع العام، التي لا يحق لها التطرق إلى السياسة، تصريحاً أو تلميحاً، ما حدا بي إلى التوجه للمسرح الخاص بعد عودتي مباشرة من الدراسة في أميركا، فاتفقت مع الفنان عبد الحسين عبد الرضا على تأسيس المسرح الوطني العام 1974، وقدمنا مسرحية (بني صامت)، لكن المضايقات الحكومية لم تنته، ولم تنفك تلاحقنا من مسرح إلى آخر، ما أجبرنا على اللجوء إلى القضايا الاجتماعية البعيدة عن دهاليز السياسة، من خلال مسرحيتي (بيت العز) و(على هامان يا فرعون)».

وأشار إلى أنه عاد إلى المسرح السياسي في العام 1980، مع الكاتب المسرحي الكبير عبد الأمير التركي في مسرحية «حرم سعادة الوزير»، ثم مسرحية «ممثل الشعب»، التي كانت تنتقد أداء النواب في مجلس الأمة، ثم توالت الأعمال المسرحية السياسية، منها «دقت الساعة» و«حامي الديار»، وصولاً إلى ما اعتبرها «الطامة الكبرى» مسرحية «هذا سيفوه وهذي خلاجينه»، التي على إثرها تم استدعاؤهم من أمن الدولة وتحويلهم إلى المحكمة، ولم يطلق سراحهم إلا بكفالة مالية قدرها 300 دينار، فيما بقي الفنان عبد الحسين عبد الرضا محجوزاً في السجن لمدة ثلاثة أشهر، كونه خرج عن النص كدأبه، بسبب عبارة سياسية جعلته متهماً بـ (ضرب وتر حكومي حساس). وأوضح الفرج أن مسرحية «مضارب بني نفط»، آخر ما قدمه في المسرح السياسي، مبيناً أن المسرح السياسي الكويتي ذهب أدراج الرياح مع الاحتلال العراقي، وهو غير مرغوب فيه إطلاقاً في الوقت الحالي، مؤكداً أنه «بعد تحرير الكويت ضاق الخناق على المسرح الجاد، حتى توقف عنه الدعم الحكومي، وأصبح (يتيماً) من دون أب يرعاه أو أم تتبناه، فلم يجد الرعاية والاهتمام من جانب الدولة، بينما شرعت الأبواب لمسرح (التهريج)». واعتبر أن العصر الذهبي للحركة المسرحية الكويتية، كانت في عهد الشيخ عبد الله السالم طيّب الله ثراه.

وعما إذا كان لتقدم العمر دور في هجرة الرواد للمسرح الجاد، قال: «عندما أقف على خشبة المسرح أشعر بأني شاب فتيّ لا يتجاوز العشرين عاماً»، لافتاً إلى مسرحية «عنبر و11 سبتمبر»، التي قدمها بمعية الفنان القطري غانم السليطي قبل سنوات، والتي حظيت بنجاح منقطع النظير، من دون أن تشكل الشيخوخة حاجزاً بينه وبين الإبداع، غير أنها كبدته آلاف الدنانير بسبب الدعاية والإعلان في ظل غياب الدعم الحكومي.

ومن المواقف التي تطرق إليها الفنان سعد الفرج، مطالبة جمعية الإصلاح الاجتماعي له بتأسيس مسرح إسلامي لا تحضره النساء، متسائلاً: «هل الفن حلال للرجال وحرام على النساء؟، وكيف تكتمل أضلاع العمل المسرحي من دون العنصر النسائي؟!».

من ناحيته، أنحى وزير الإعلام الأسبق محمد السنعوسي باللائمة على الرواد، الذي يتحملون جزءاً كبيراً من مسؤولية تدني مستوى العروض المسرحية الحالية، قائلاً: «المسرحيون دأبوا على تعليق التهم على شماعة الدولة، متذرعين بأن الحكومة لا توفر لهم الدعم أو تقوم بإنشاء المسارح الملائمة للعروض المسرحية التي يقدمونها، في حين أن الفرق المسرحية الأجنبية تقدم العروض المبهرة على مسارحنا وبإمكانات متواضعة»، وموضحاً أن المسرح الجاد لا يقتصر فقط على طرح الأمور السياسية، وإنما هناك قضايا اجتماعية وإنسانية وثقافية شائكة، تستوجب معالجتها مسرحياً.

وثمّن السنعوسي قرار سمو رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك، بإطلاق اسم الفنان عبد الحسين عبد الرضا على مسرح السالمية، تقديراً لمسيرته التي أثرت الحركة المسرحية الكويتية، وكاشفاً عن أن وزير الإعلام الشيخ سلمان الحمود سيعلن قريباً عن حزمة من الإصلاحات الفنية، أهمها تسهيل الأنشطة المسرحية، وإلغاء بعض القيود التي فرضتها الرقابة في السابق على النصوص الدرامية، بغية لمّ شمل الفنانين الكويتيين وعودة الرواد إلى التلفزيون الحكومي.

من جانبه، حمّل الأديب الدكتور سليمان الشطي ما أسماه «حكومات الظل»، مسؤولية انهيار المسرح الكويتي، الذي يعد رافداً من روافد الفكر التنويري المهددة بالانقراض. وأشار إلى أن الحقل الثقافي أحوج ما يكون اليوم إلى عودة المسرح، الذي لعب دوراً مهماً في رفع اسم الكويت عالياً في المحافل الفنية العريقة، غير أن هناك من يخشى عودة «أبو الفنون» إلى سابق عهده، متمنياً أن يقوم الرواد بعمل جبهة قوية لمواجهة كل من يسعى إلى إطفاء الشعلة الثقافية الكويتية.

بدوره، اعتبر أستاذ الدراما والنقد في المعهد العالي للفنون المسرحية الدكتور خالد عبد اللطيف رمضان، أن المتعة والتشويق إلى جانب الحبكة المسرحية المتقنة وطرح القضايا التي تلامس واقع المجتمع الكويتي، أهم أسباب الإقبال الجماهيري في السابق على العروض المسرحية، وهو ما نفتقده في الوقت الحالي.

بينما أكد الفنان جاسم النبهان أنه سيهجر الدراما، إذا عاد المسرح إلى تألقه، قائلاً: «إذا الفنان سعد الفرج يشعر بأنه شاب في العشرينات حال وقوفه على خشبة المسرح، فأنا سوف أكون ذا السابعة عشرة ربيعاً»، مبيناً أن «المسرح الكويتي فقد هيبته بعدما احتكر المخرج كل الأدوار حيث أصبح هو الكاتب والمخرج والممثل في آن معاً». وشدد على أنه متى عادت المسارح الأربعة التي كانت تقدم العروض في الصيف والشتاء، فسوف يستعيد «أبو الفنون» نهضته.

أما المنتج والمخرج وليد العوضي فتساءل: «إذا كنا نتباكى على رحيل المسرح، فماذا سنفعل حيال السينما المتوارية أصلاً في خارطة الفنون الكويتية؟!»، لافتاً إلى أن المسرح بخير، لكن التذاكر باهظة الثمن في بعض المسارح، ما أدى إلى عزوف الكثيرين.

وتطرق العوضي إلى مسلسل «تورا بورا»، الذي كان قد انتهى من تصويره منذ سنوات، لكنه ظل حبيساً في مكتبة الدراما في تلفزيون الكويت، بعد أن تم تجميده من جانب الرقابة الفنية، قبل أن يتم الإفراج عنه أخيراً ليرى النور في رمضان المقبل، مبيناً أن الرقابة الفنية واحدة من العقبات التي تعرقل مسيرة الإبداع المسرحي والسينمائي والدرامي في البلاد.

وقال رئيس نقابة الفنانين الكويتيين الدكتور نبيل الفيلكاوي: «بسبب قانون المرئي والمسموع خسرنا العديد من الفنانين، وتراجع مستوى الأعمال الفنية في شتى المجالات، لكننا نستبشر خيرا في وزير الإعلام الشيخ سلمان الحمود، الذي تعهد بتعديل هذا القانون في القريب العاجل».

من ناحيته أكد الفنان فهد العبد المحسن أن المسرح ساهم في بناء الإنسان الكويتي على مدى عقود خلت، من خلال الأفكار التي غرسها في ثقافة المجتمع، غير أن الكثير من المواطنين يستمدون أفكارهم اليوم من مواقع التواصل، التي قد تنعكس سلبا على الدولة في المستقبل. وأشار العبد المحسن إلى أن هناك جملة من الأفكار التي قدمت إلى بعض الوزراء، لاستعادة العصر الذهبي للثقافة الكويتية، ولاسيما المسرح الذي يقف على رأس الهرم الثقافي.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي