No Script

رؤية ورأي

عبدالمحسن جمال وصندوقه الأسود

تصغير
تكبير

الصندوق الأسود برنامج توثيقي سياسي واسع الانتشار، متميز من نواحٍ عدة. فمن جانب التقديم نجد الإعلامي القدير عمار تقي، ومن جانب الاستضافة نجد النخب والشخصيات المعروفة. ومن بين الشخصيات البارزة التي تمت استضافتها في البرنامج، الدكتور عبدالمحسن جمال، عضو مجلس أمة سابق، مثّل الشعب في ثلاثة مجالس كاملة المدة: 1981 و1992 و1999.
الأحداث والمواقف التي تحدث عنها الدكتور جمال في حلقات لقائه، كانت كثيرة، ولكن أبرزها بالنسبة للكثيرين هو موقفه الشجاع المعارض، مع زميليه سيد عدنان عبدالصمد والمرحوم الدكتور ناصر صرخوه، عند التصويت في جلسة سرية على مرسوم القرض الكويتي للعراق إبان الحرب العراقية - الإيرانية. وأقصد هنا القرض الأول، وذلك لانفرادهم بالتصويت ضده.
ولكنني شاهدت في لقائه، سلوكا حضاريا مبدئيا تكتنفه شجاعة أكثر من تلك التي ظهرت، عند تصويته ضد القرض. حيث كان الدكتور جمال في حواره مع الاستاذ تقي، يرد على أسئلته بعفوية وبصراحة ملموسة، في عصر سطوة مرتزقة وسائل التواصل الاجتماعي، وصيادي زلات وهفوات الشخصيات العامة.


رأيت في صراحة الدكتور جمال، ثقته بسجلّه السياسي، وأحسست بقلبي اطمئنانه النفسي وراحة ضميره تجاه إرثه البرلماني. فلم يجد الدكتور حرجاً من التصريح بعدم إلمامه بمواد الدستور وقواعد العملية السياسية في بداية مشواره البرلماني، ولم يواجه صعوبة في شرح موقفه عند التصويت بالموافقة على قانون المديونيات الصعبة في المداولتين، الأولى والثانية وعند إعادة الثانية، ولم يتردد في شرح تفاصيل تحركاته المضنية في حماية وزير التربية آنذاك الدكتور مساعد الهارون، أثناء استجوابه من قبل النائب السابق الدكتور حسن جوهر، ودوره المفصلي في منع زملائه في كتلة العمل الشعبي من تقديم طلب طرح ثقة موقع وجاهز، واستبداله بمجموعة توصيات، تعهد الوزير الهارون بتنفيذها.
بدا لي كما لو أن الدكتور جمال يسعى، من خلال صندوقه الأسود، إلى تنمية ثقافتنا السياسية، وإصلاح آلياتنا ومعاييرنا وقواعدنا الخاصة بتمحيص وتقييم عنصرين رئيسيين في نظامنا البرلماني، هما النائب والمرشح. ففي جانب تقييم أداء النواب، كأنه يقول لنا: ليس كل نائب مؤيد لوزير مستجوب فهو حكومي، وليس كل نائب يصوت لصالح قانون فيه مصلحة التجار فهو مرتشٍ، فقد يكون هذا النائب ساعيا في المقام الأول لإنقاذ اقتصادنا الوطني من الانهيار.
وأنا بدوري أؤكد وأثني على تلك القاعدتين، وأضيف في شرحهما بأنه ليس كل نائب مستجوب أو مؤيد لاستجواب، بالضرورة إصلاحيا، لأنه قد يكون مدفوعا من قطب سياسي ضد آخر، أو من تاجر كبير ينافس نظيره على مناقصة عظمى.
المراد أن تقييم النائب يحتاج إلى متابعة فاحصة لأدائه على مدى سنوات، مقترنة بمراقبة متواصلة لثروته. فمن جانب لا يجوز أن نصنف النائب من خلال مواقفه في فعاليات برلمانية قليلة، ومن جانب آخر لا يصح أن نصنفه وفق مواقفه البرلمانية من دون ربطها بمعدل نمو ثروته. فعلى سبيل المثال، المعارض الشرس الذي تضخمت ثروته وتعددت قصوره خلال سنوات معدودة، لا يمكن أن يكون إصلاحيا.
وأما على الجانب الآخر، الخاص بتقييم المرشحين، فمتعلق بوجوب الحذر من بعض المرشحين المثاليين والخارقين، فقد يكونون مخادعين. لأننا نحن البشر غير المعصومين، نعاني جميعا من جوانب قصور، وينبغي أن نعترف ونقر بأخطائنا السابقة. فهذا الدكتور جمال، صاحب السيرة البرلمانية الطيبة، الذي وإن اختلفنا في تقييمنا لأدائه البرلماني، إلا أننا لا نشكك في نزاهته ولا في إخلاصه وتفانيه في عمله كبرلماني؛ أقر الدكتور ببعض جوانب القصور في حياته البرلمانية. ولكن في مقابل النموذج الذي يمثله الدكتور جمال، هناك نموذج من المرشحين غير الصادقين مع الناخبين، اعتادوا على تزييف الحقائق حتى تلك الموثّقة.
فتجد أحدهم، عوضا عن الإقرار بتقصيره عن أداء مهامه قبل أن يجبر على الاستقالة من منصب إشرافي أكاديمي، بسبب كثرة الشكاوى ضده من الطلبة والعاملين معه؛ يدعي أنه استقال من المنصب اعتراضا على تدخل الوزارة في اختصاصاته الاشرافية! الخلاصة، إذا كنت كناخب راغبا في مكافحة الفساد المستشري، وتحريك عجلة الإصلاح، فعليك أن تجتهد في تقييمك لأداء النواب وسيرة المرشحين، ليس بناء على فبركات مرتزقة السوشيال ميديا، بل وفق القواعد الموضوعية، ومن بينها تلك التي تبناها الدكتور جمال... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي