No Script

زعماء العالم يلتقون سعياً لإنقاذ الأرض من غول التغير المناخي

باريس تحدد مصير البشرية في أكبر اجتماع يشهده التاريخ

تصغير
تكبير
• الدول المدعوة لاجتماعات باريس مصيرية ومطالبة بوضع العالم على مسار مناخي جديد من شأنه إنقاذ الكوكب

• هل يمكن لقمة أن تجبر قادة دول العالم على اتخاذ خطوات ملزمة من أجل الوصول إلى مناخ أقل تلوثاً وحرارة؟ّ

• تقليص استهلاك المحروقات واللجوء إلى الطاقة النظيفة توجه مكلف قد تقدر عليه دول ولا تتمكن منه أخرى
اعتباراً من أمس اجتمع أكثر قادة وممثلو من 150 دولة في باريس لمناقشة اتفاق عالمي جديد بشأن تغير المناخ، ويأتي هذا الاجتماع بعد أن أكدت المنظمات البيئية المتخصصة أن هذا العام هو الأكثر حرارة بشكل غير مسبوق ما يعني أن الغازات المنبعثة ماتزال تدفع نحو زيادة الاحتباس الحراري والذي قد تنجم عنه كوارث لا يصدقها العقل لعل أبسطها طوفان كبير قد يغمر مدناً بأسرها إذا استمرت الحرارة في الزيادة عاماً بعد عام، فقد نستفيق بعد عقدين أو أكثر لنجد مناطق بأسرها كانت آهلة بالسكان تحت الماء، أو قد يضطر ملايين البشر إلى الهجرة من مناطق ستزيد في الحرارة إلى أكثر من طاقة تحمل الإنسان ما سيزيد من خطر انتشار آفة الفقر بسبب تضرر أراضيهم بالتغيرات المناخية.

الدول المدعوة إلى اجتماعات قمة باريس للمناخ COP21 وصفها البعض بالمصيرية، وهي مطالبة بوضع العالم على مسار مناخي جديد من شأنه إنقاذ الكوكب، فمن دون الاستغناء عن صناعات ونشاطات باعثة للغازات فلن تهدأ وتيرة تسارع التغيرات المناخية، وأهمها حرارة لا تطاق في الصيف وبرد لا يحتمل في الشتاء مع زيادة العواصف والفيضانات والأعاصير والجفاف وابتلاع مياه البحار والمحيطات للسواحل وزحفها نحو المدن السكانية التي توجد أكثرها كثافة على المناطق الساحلية.

ومن المنتظر ان يستقطب الاجتماع الضخم أكثر من 40 ألف مشارك بين صانعي قرار ومختصين وزائرين مختصين في القضايا البيئية، وسيكون هناك أكثر من 80 متحدثاً من كل دول العالم بينهم وزراء، وكبار المديرين التنفيذيين وقادة الفكر، وسيتيح الاجتماع حلقات نقاش تفاعلية مع الجمهور مع نشر استطلاعات الرأي، وستكون هناك أيضاً ورش عمل وفعاليات وفرص تواصل على مدار يومين.

وقد انطبع القلق على كلمات صرح بها المنظمون للقمة، وتمثل في اهتمام الأمم المتحدة لحث الدول على إبرام اتفاق دولي يخفض الانبعاثات الغازية التي أضرت بغلاف الأوزون ما أسهم في ارتفاع مستمر لدرجات حرارة الأرض وتغيرات المناخ على إثر ذلك، وبحسب الاجتماع التحضيري الأخير لقمة باريس للمناخ COP21، فقد أعرب وزير الخارحية الفرنسي لوران فابيوس بأن «الكيلومتر الأخير ما يزال صعبا».

تأتي تصريحات فابيس تزامناً مع صدور دراسات علمية صادمة حول تغير المناخ، حذرت بعضها من تعرض بعض المدن الكبرى للغرق على المدى الطويل، إضافة إلى ازدياد أعداد الفقراء في العالم، وكان البنك الدولي لم يستبعد تحول نحو 100 مليون شخص إضافي حول العالم إلى دائرة تحت خط الفقر بحلول العام 2030، وأن عدد الفقراء قد يستمر في الزيادة إذا لم تتخذ إجراءات لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري الذي تعاني منه أغلب مناطق الكوكب ولا أحد في معزل عن خطره.

وقد باتت تداعياته يلمسها سكان المعمورة في الصيف المنصرم بعد وفاة عشرات الأشخاص حول العالم بسبب زيادة الحرارة، وقد نبه بعض العلماء حسب تقرير لشبكة «سي إن إن» أن المستقبل المتوسط ستشهد فيه الأرض زيادة بنحو درجتين. وحذرت تقارير عالمية من أن غازات الاحتباس الحراري التي تناولها «بروتوكول كيوتو» حسب موقع «غرين إيريا» زادت بنسبة 80 بالمئة منذ عام 1970 و30 بالمئة منذ عام 1990، وذلك يعني زيادة في درجات الحرارة تتراوح بين 3.7 درجة مئوية و4.8 درجة مئوية في العام 2100، ولذلك ثمة جهود تبذل من أجل ألا ترتفع الحرارة أكثر من درجتين مئويتين مع نهاية القرن الحالي، إذ لا بد من أن تقل الانبعاثات بنسبة تتراوح بين 40 و 70 بالمئة عام 2050، بالمقارنة مع مستوياتها في 2010«.

هل ستجبر قمة باريس من أجل المناخ قادة دول العالم على اتخاذ خطوات أكبر وملزمة من أجل الوصول إلى مناخ أقل تلوثاً وحرارة؟

أصدرت»المنظمة العالمية للأرصاد الجوية«التابعة للأمم المتحدة تقريراً في الآونة الأخيرة يحذر من أن كثافة الغازات المسببة للغازات الدفيئة سجلت رقماً قياسياً جديداً في العام الماضي 2014، حيث بينت أبحاث المنظمة أن ثاني أكسيد الكربون ارتفع إلى 397.9 جزيئة بالمليون في الجو خلال العام الماضي.

واعتبرت المنظمة أن الاحتباس الحراري بات تهديداً غير مرئي لكنه واقعي جداً، وهذا يعني توقع المزيد من الظواهر الجوية الغريبة، مثل زيادة موجات الحر والفيضانات وذوبان الجليد وارتفاع مستوى المحيطات وحموضتها.

من أجل ذلك شمل برنامج الاجتماع التحضيري لمؤتمر المناخ في باريس موضوعات مختلفة أهمها الطموحات المنشودة والتدابير والتمويل المطلوب لتقليص الانبعاث الغازي حتى عام 2020، فضلاً عن الدعم المالي الذي ستقدمه دول الشمال إلى دول الجنوب لتنفيذ السياسات المناخية، وتحقيق الأهداف طويلة الأمد وتوزيع عبء مكافحة الاختلال المناخي بين الدول الصناعية والدول الناشئة والفقيرة، وزيادة جهود الحد من الغازات الدفيئة.

لكن الوصول إلى اتفاق يلزم بتغيير سياسات مناخية للدول لا يبدو سهلاً حيث إن ملاءمة اقتصادات دول مع سياسة مناخية جديدة تفرض تقليص استهلاك المحروقات في المصانع وفي وسائل المواصلات واللجوء إلى الطاقة النظيفة البديلة تمثل توجهاً مكلفاً ويفرض على الدول سياسة اقتصادية جديدة قد تقدر عليها دول وقد لا تقدر عليها دول أخرى خصوصاً دول العالم الثاني والثالث التي استضافت كثيراً من الصناعات التحويلية الثقيلة للدول المتقدمة ذات درجة عالية من التلوث.

كما أن معالجة النفايات السامة تعتبر من أكثر التحديات التي تواجه الدول الصناعية المتقدمة والتي يعتمد كثير منها على الصناعات الكيميائية والبتروكيميائية والنووية والتي تعتمد على مواد سامة يتم التخلص منها في الأنهار والبحيرات والبحار، إلى ذلك فإن زيادة التعويل على الطاقة الملوثة مثل المحروقات يمثل تحدياً كبيراً للدول النامية التي تزيد من استهلاكها للطاقة من أجل تعزيز اقتصاداتها.

لذلك فسيبقى موضوع الدعم المالي للسياسات المناخية للدول أهم نقطة خلاف قد تطرأ على اجتماعات القمة التي تحاول الخروج باتفاق إطار تأخر لسنوات، لكن قد تكون أرقام منظمة الأمم المتحدة والمنظمات حول التغيرات المناخية الخطيرة حافزاً لضرورة تخفيض أكبر نسبة من التلوث الهوائي المسبب الأول لتهديد الاحتباس الحراري.

الديبلوماسية الفرنسية التي تسعى بكل جهد لتأمين استضافة هذه القمة الكونية بعد تعرضها لأعمال إرهابية لم تبدد المخاوف الكبيرة من عدم اتفاق دولي حول مسار مناخي جديد يُلزم أغلب الدول المسببة لانبعاثات غازية في ظل تقارير ودراسات لا تنبئ بإمكانية التوصل إلى اتفاق إطاري ملزم، حيث أظهرت دراسة نشرها مركز الأبحاث»كلايمت سنترال» أكد فيها باحثون أميركيون أن مدناً كبرى مثل شنغهاي وبومباي وهونغ كونغ مهددة بسبب الخلل المناخي بالزوال جزئياً على الأمد الطويل، بعد أن تغمرها المياه إذا لم يتوصل العالم إلى الحؤول دون أن ترتفع درجات حرارة الأرض بمقدار درجتين، وفي حال استمرت درجات الحرارة في الارتفاع بنحو أكثر من درجتين، سيواصل مستوى مياه البحر في الارتفاع لتغمر المياه أراض يقطنها اليوم 280 مليون شخص، وإذا ما ارتفعت أكثر من أربع درجات فستشمل الظاهرة أكثر من 600 مليون شخص، وهذا ما حاول التلميح إليه وزير الخارجية الفرنسي فابيوس، في الإشارة إلى صعوبة الوصول إلى الكيلومتر الأخير، ملخصاً حجم التحديات في مؤتمر باريس.

ويبدو أن أبرز هدف جدي للقمة المرتقبة هو إلزام الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأميركية والصين واليابان وروسيا والاتحاد الأوروبي بفرض معايير أكثر صرامة في خفض الانبعاثات ضمن اتفاق ملزم قانوناً لجميع دول العالم بما فيه الكفاية للحفاظ على ظاهرة الاحتباس الحراري تحت عتبة درجتين مئويتين التي يعتبرها العلماء ضرورية لصحة الكوكب.

ويعتبر جمهور العلماء أن الاتفاق ضروري إذا أردنا تجنب آثار أسوأ لتغير المناخ، مثل الفيضانات الشديدة والجفاف، ومع ذلك فقد سجل المناخ ارتفاع درجة الحرارة بنحو درجة مئوية في نوفمبر الجاري، إلا أن الكثيرين يعتقدون أن الانبعاثات الموجودة لدينا بالفعل كافية لترفع مستوى الحرارة إلى درجتين.

وبات تحقيق هدف الحد من الانبعاثات الغازية السامة مرهوناً برغبة سياسية، ولكن يبقى هناك مطلب لإحقاق توازن بين جميع البلدان على مستوى تخفيض الانبعاثات حيث استفادت الدول الغنية من الصناعات الملوثة في فترة من الفترات وباتت مطالبة بمساعدتها للدول الفقيرة لدعم سياساتها المناخية وتقليص اعتمادها على الصناعات المستهلكة للطاقة الملوثة ودعمها ببدائل طاقية، على هذا النحو، هناك مطالب للحصول على مساعدة مالية لفائدة الدول الفقيرة حيث إن هناك تعهداً بنحو 100 مليار دولار سنوياً لصالح الدول النامية منذ ست سنوات.

ويعتقد أن هناك أسباباً عدة لاجتذاب قمة باريس المناخية المزيد من الاهتمام لارتباطها بمزيج من الإرادة السياسية والعامة، والوعي بخطورة ارتفاع درجة الحرارة على كوكب الأرض وانتهاء الترتيبات القائمة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي