No Script

جودة الحياة

أبله عواطف

No Image
تصغير
تكبير

مازلت أتذكر معلمتي المفضلة أبله عواطف منذ كنت على مقاعد الدراسة، والتي كانت قدوة ومثلاً أعلى لي ولزميلاتي من حيث أناقتها ودماثة أخلاقها ولطفها ومعاملتها الراقية لطالباتها، بالإضافة إلى جمالها.
مرت الأيام والسنوات، وأصبحت تلك المعلمة زوجة وأماً، وتخيلت كم هم محظوظون أبناؤها بهذه الأم المثالية، ولقد رأيتها مصادفة عند إحدى قريباتي، لكنني للوهلة الأولى لم أعرفها بسبب تلك السنين التي رسمت علامات الزمن على ملامحها، بالإضافة إلى إهمالها لأناقتها المعهودة، ولولا نبرات صوتها التي مازلت أذكرها، وتعريف قريبتي لها، ما كنت لأعرفها.
وبصراحة لقد صدمني حالها، ولم أتمالك نفسي لأسألها عن تغير سبب أحوالها من باب المحبة لا أكثر ، لكنها تجاهلتني وأخفت عني غضبها وإحباطها من سؤالي والذي اعتبرته  فضولاً وتدخلاً صريحاً في خصوصياتها. وعلمت لاحقاً أنها لم تكن راضية عن ملاحظتي عنها، لأنها كانت مشغولة بعائلتها وأولادها، فهي قد سخرت نفسها وكل ما تملك لأجل إسعادهم.
ومرت أيام أخرى، وبالمصادفة أيضاً التقيتها في أحد المجمعات التجارية، وحرصاً على عدم إزعاجها، تجاهلتها وتظاهرت بعدم رؤيتها، لكن قريبتي أخبرتني فيما بعد أنها كانت تود أن تعلمني بأني كنت محقة بشأن ملاحظتي تجاهها، وأنها كانت مخطئة بحق إهمالها لنفسها ولحاجاتها المادية والمعنوية.
حين بلغني قولها، ذهب عني الإحساس بالذنب بأنني كنت سبباً في إزعاجها أو إحراجها، بعد أن تبينت بنفسها أنها هي من أخطأت بحق نفسها حين رضت أن تهمل أولوياتها وتتنازل عن حقوقها، حتى أصبحت حاجاتها الضرورية كأم وكامرأة في نظرة فلذات أكبادها من الكماليات التي يمكنها أن تتخلى عنها، في حين أن احتياجاتهم ولو كانت من كماليات الحياة فيجب أن تؤمن على حساب هذه الأم المكافحة والمتفانية.
لقد أخطأت هذه الأم حين لم تعلم أولادها المعنى الحقيقي للحب والإيثار ولم تعلمهم بأنها مثلهم لها احتياجات ومتطلبات، وأخطأت حين لم تقدر ذاتها وتحب نفسها حباً حقيقياً، فالمرء غير القادر على حب ذاته غير قادر على منح الحب للآخرين.
لقد انتشرت في أيامنا هذه بين الناس مقولة (أنا أحبني)  بمعنى أنا أحب نفسي، ولكن وللأسف الشديد فالأغلب ممن ألتقيهم فهموا حب الذات بشكل خاطئ وقد يكون ذلك نتيجة لصدمات ومواقف تعرضوا لها من مقربين فأرادوا أن يعوضوا ما فاتهم من الحب فوقعوا في مطب الأنانية واللامبالاة تجاه من هم مسؤولون عنهم مادياً أو معنوياً.
وكم يخطئ البعض حين يعتقد أن محبة الإنسان لنفسه هو أنانية ونرجسية، لأن الأنانية والنرجسية تختلف عن الحب الحقيقي للذات، فحب الذات وتقديرها وإسعادها يساعدنا على محبة الآخرين وإسعادهم وتقديرهم. في حين أن الأنانية والنرجسية تعني أنا فقط ومن بعدي فليأتي الطوفان وهذا ليس من الحب والمودة لنا وللآخرين.
وبالعودة لقصتنا وهي حقيقية وليست من نسج الخيال فإن تلك الأم قد تعلمت ولكن بعد حين ضرورة أن تضع نفسها في قمة أولوياتها، وتقوم بواجباتها ودون أن تفرط في حقوقها وتحقيق أهدافها وأحلامها لتستطيع أن تحب من هم حولها وتمد لهم يد المساعدة للوصول إلى تحقيق أهدافهم وأحلامهم أيضاً.
إننا ندعو إلى حب الذات الحميد والإيجابي، بمعنى أن نقدم لأنفسنا احتياجاتها، وأن نتعامل مع الآخرين بمحبة أيضاً وبعيداً عن الأنانية ، فنحقق سعادتنا و سعادة الآخرين من حولنا.

*  مستشار جودة الحياة
Twitter : t_almutairi
Instagram: t_almutairii
 talmutairi@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي