No Script

رؤية ورأي

دروس أخرى من عاشوراء

تصغير
تكبير

السبت الماضي، نشرت إحدى الصحف الكويتية مقالا للنائب السابق مبارك الدويلة، بعنوان «دروس من عاشوراء». وبالرغم من معرفتي بالكثير من دروس واقعة كربلاء، بسبب حضوري المجالس الحسينية، إلا أن عنوان المقال جعلني أقرأه، لأطلع على الدروس التي تعلمها الدويلة.
ولكن الإحباط نزل عليّ مع بداية المقال، ثم ازداد احباطي حينما قرأت المزيد منه، إلى أن اشتد بعد أن قرأت في الفقرة الثالثة، أنه لن يعرض فيه العبر من عاشوراء، وعوضاً عن ذلك، طالب بمراقبة ماليات الحسينيات. وبعد انتشار المقال، استحكم إحباطي بسبب ضعف ردود الفعل عليه، خصوصاً من قبل عدد من كتاب مقالات صحافية ونشطاء «تويتر». حيث اكتفوا بالتعليق أو بكتابة مقال في «قروبات واتسابية» خاصة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الدويلة عضو مجلس أمة خلال أربعة فصول متتالية (1985- 2003)، وهو عضو الأمانة العامة وأحد مؤسسي الحركة الدستورية الإسلامية. لذلك له تأثير ملحوظ في نتائج الانتخابات البرلمانية، وفي تشكيل الحكومة على مستوى وزرائها وشاغلي المناصب القيادية.
بالرغم من ملاحظاتي المتعددة على مقال الدويلة، إلا أنني سأكتفي هنا باستعراض ملاحظتين فقط. وسأبدأ بتغريدة لأحد معارفي المحامين، الذي عقب على المقال بسؤالين، كان أولهما «ما هو السبب في سكوتكم عن اغلاق بعض جمعياتكم الخيرية المرخصة؟»، ودعاه للجوء إلى القضاء. وأنا بدوري أثني على رأي الأستاذ المحامي، وأقول انه كان الأجدر بالدويلة أن يحكّم القضاء ليرسخ العدالة، عوضاً عن مطالبته بتعميم الظلم، حسب وصفه.


أما الملاحظة الثانية، فهي مرتبطة بالجملة الأخيرة في مقاله، التي ورد فيها «لا نعارض إعطاء المذهب الجعفري خصوصية في التشريعات، ووفق علمي هذا موجود، لكن هيبة الدولة وسلطتها يجب أن تُطبّقا على الجميع». فأنا أعترض بشدة على إعطاء أي شريحة مجتمعية خصوصية في التشريعات، لأن في ذلك مخالفة صريحة للمادة 29 من الدستور التي تنص على أن «الناس سواسية في الكرامة الانسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين».
للأسف الدويلة لم يذكر أي مثال على الخصوصية للشيعة. وبالبحث في ذاكرتي السياسية، لم أجد إلا مثالاً واحداً محتملاً، وهو المادة رقم (346) من القانون رقم 51 لسنة 1984 في شأن الأحوال الشخصية. ولكن بعد التدقيق، تبين أن هذه المادة لا تعطي خصوصية للشيعة، بل على العكس تسن وتشرّع تمييزاً ضدهم وأيضاً ضد المواطنين المسيحيين.
لتوضيح هذه النقطة، لا بد من عرض نص المادة القانونية، حيث جاء فيها «يطبق هذا القانون على من كان يطبق عليهم مذهب الإمام مالك، وفيما عدا ذلك فيطبق عليهم أحكامهم الخاصة بهم». وبالرغم من تقديري لجهود أعضاء مجلس 1981 في إقرار هذا القانون، إلا أن إقرار قانون أحوال شخصية لمن كان ينطبق عليهم مذهب الإمام مالك، بشكل استثنائي من غير إرفاقه بقوانين أحوال شخصية مناظرة لغيرهم، يكتنفه تمييزاً دينياً.
واليوم وبعد مرور 34 سنة على تشريع وتطبيق القانون، لا يزال الشيعة يعانون من هذا القصور التشريعي، في قضايا الأحوال الشخصية، الذي تسبب في إرباك العديد من الأسر الكويتية. فهناك حالات زواج طرفيها شيعة، انتهت في محاكم الكويت بالطلاق وفق القانون المذكور، ولكن بصورة مخالفة للفقه الجعفري. بل إن عدداً من تلك الحالات تفاقمت أكثر، بزواج المطلقة قانونا -الزوجة شرعاً- من زوج آخر! هذا مجرد مثال واحد على التعقيدات المتعددة الناتجة عن هذا القصور التشريعي.
ان هناك اقتراحين بقانون في شأن الأحوال الشخصية الجعفرية تم تداولهما في اللجنة التشريعية: الأول تم تقديمه في تاريخ 23/‏ 3/‏ 2017 ومنح صفة الاستعجال، لأنه قدم من قبل خمسة نواب هم: عاشور والصالح والشطي والفضل والهاشم. والثاني قدم بعده بأيام من قبل النواب سيد عدنان وخورشيد وأبل. وبالرغم من تأييد الحكومة للقانون، وفق ما جاء على لسان وزير العدل في حينه الدكتور فالح العزب، إلا أنه لم يطرح للتصويت حتى اليوم، بسبب عدم استكمال العدد المطلوب لإقراره.
لذلك أدعو الدويلة، الذي أكد في مقاله انزعاجه من التمييز الطائفي، وأدعو غيره من الرموز السياسية، إلى تبني وتسويق القانون، لكي يقر ويشرّع، ونطبّق أحد دروس عاشوراء... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي