No Script

مسكُ الختام

تصغير
تكبير

قد تقرأون هذا المقال في يوم أنا غادرت الكويت بعد مكوثي فيها بضع سنين، ممثلاً عن بلادي- الجمهورية الاسلامية الإيرانية وسفيراً لها، وتطلعون عليه بعد أن أقلّتني طائرة صماء في يومها لتحلّق في سماء صافية زرقاء، لتترك بصمتها الأخيرة على ذکريات جميلة وخواطر رقيقة، امتزجت بحياتي دوماً دون أن تفارقها يوما، وأما فقداني لكم فلا يتعدي کونه سفراً من مكان إلى مكان ومن خلق إلى خلق.
أما أيامي الأخيرة فقد قضيتها في لقاءات ثمينة زادتني سعادة وشرفاً، وعلي رأسها اللقاء بحضرة سمو الأمير رافد الديبلوماسية وقائد الإنسانية، وكذلك قمت بمراجعة بعض الأمور لنقل الملف إلى صديق عزيز وزميل قدير السفير محمد إيراني، الذي يصل البلاد بعد أيام قلائل لتسلم مهمة ينجح فيها بمشيئة الله.
عشت أنا وزملائي جمعاً غفيراً من المواطنين الإيرانيين الأعزاء، وعايشنا الكويتيين الكرماء وغيرهم بهمومهم وتطلعاتهم، عملت شيئا لهم ولم أعمل أشياء، أحببتهم ومجدتهم، وهم غمروني باللطف وأکرموني بالود. ورغم جميع المطبات، عشنا وشاهدنا بلدا تجري فيه الحياة بسلاسة وسلامة، تحمل في طياتها المودة والحب، تسهل عملك في الايصال والعون، وتلبسك ثوب الصداقة دون تعقيدات وترتيبات فرضت علي حياتنا المعاصرة، فإنك تشعر بأمل الاتزان مجليا، وصوت الحكمة مدويا، من أرضها وشعبها ومسؤوليها وقيادييها. وهذا ما عُرفت به الكويت وتُعرَف به.
کنت معكم عبر الصحافة الغراء، التي أعطتني مشكورة مساحات لمخاطبتكم، وإبراز ما يدور في خلدنا مباشرة، لتسمعوا منا ولا عنا. حاولنا أن نستجلي جزءاً من الحقيقة وما تفكر فيه جارتكم الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتعمل به، أتيناها علي نوع من التصريحات والحوارات والمقابلات والمؤتمرات والمقالات.
عبرنا عن رأينا في ما يصلح للإقليم وديدن الجمهورية الإسلامية فيه، عبر مقالات عدة، وتطرقنا إلى «مدرسة إيرانية» وتبنيها ثقافة الحوار کخيار استراتيجي ولا اضطرار تكتيكي، وعن نهجها في «إطفاء النار» كشاهد على قولها وفعلها، وأيدنا ترتيب بوصلة الإقليم «نحو الحوار والتعاون البناء»، وعن أيام تجمع إيران والكويت بـ «أنها ليست مصادفة»، وقلنا «نحن والإقليم» يحتاج بعضنا البعض، ولا يمكن أن يستغني أحد عن الآخر، بل يُحبذ أن يتبع الجميع، ثقافة الحوار لتجاوز المسالك الوعرة، للوصول إلى بر الأمان. تحدثنا فيها عن «آفاق رحبة للتعاون المشترك» بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودولة الكويت، و«تحصين العلاقات» بينهما بعد تحسينها، وذلك بمناسبة زيارة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد جابر الصباح أمير البلاد، إلى إيران في عام 2014.
وفي مسيرة الحديث عن وصلة العلاقات الإيرانية - الكويتية، تحدثنا عن انصهارها في بوتقة الثقاقة والنسب والمصاهرة والتاريخ والجغرافيا ‌والأدب والجوار والتجارة والسياحة، وهذا ما تقوم له طبيعة العلاقات بين البلدين وما يعود عمره الى قبل استقلال الكويت بمئتي سنة. إنها بالفعل رصيد هائل يحفظ العلاقات البينية من موجات البرد القارس ويحصّنها، يمكن استحصاله برؤية جديدة وثاقبة وحكمة وحنكة، وهي ما عهدناها من القيادات الرشيدة في كلا البلدين.
غادرت الكويت وإني على أمل، بل على ثقة، بأن يشهد الإقليم والعلاقات الإيرانية - الكويتية، وكذلك علاقات إيران ودول مجلس التعاون، إشراقا وازدهارا، ويتمكن الجميع من الخروج من الدوامات المفروضة عليها. ومن هنا أودّع سهلا وأهلا، حللت عندهم ضيفا مُكرما به، في فترة حسبتها وجيزة، مرت مرور السحاب، ووُدعّت بحفاوة بالغة من قبل الجهات الرسمية والشعبية، مما يدعو إلى جزيل الشكر والامتنان.
وفي الأخير نستذكر ما أنهينا به كلامنا في مقالنا – ربما العشرون، تعقيبا على مقال للأستاذ عبدالله بشارة الأمين العام الأسبق لدول مجلس التعاون ليكون مسك الختام في ختام مهمتنا هذه، ودفترا يفتحه السفير «إيراني» لمواصلة عمله، نرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقه لما يحبه ويرضاه.
«ولا نحتاج بأن نؤكد أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتبنى الحوار في الإقليم، وتؤكد على مبدأ ترسيخ الأمن لكل دولة، وعلى الأخص الكويت، وتسعى إلى تكريس التفاهم الشامل، المبني على المبادئ الدولية، وتبذل الجهد الجهيد لتدعيم التهدئة في المنطقة، وتعزيز الرقي الاقتصادي، والازدهار التجاري، والترابط الثقافي، والعمل السياسي، والتوافق الأمني، وديدنها الاتفاق التاريخي الذي نسعى إليه جميعاً، لتفويت الفرصة على القوى الدخيلة».
أشكركم جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


* سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي