الجاهلية لا تنحصر بفترة زمنية معينة، ولا بعنصر من البشر، بل هي فكر وممارسة والمراد بها هنا النسبة إلى الجهل، والجهل يناقض العلم، وإن كانت تطلق على الفترة الزمنية التي ليس فيها رسول ولا كتاب، وهي ما كان قبل بعثة النبي صلى الله علية وسلم، حيث كان العالم يموج في ضلال وكفر والحاد، فاليهود حرفوا كتابهم التوراة وأدخلوا فيها الكفر والإلحاد، وكذلك تابعهم النصارى في الإنجيل، حيث أدخلوا عقيدة التثليث، أي أن الله ثالث ثلاثة يقولون باسم الأب والابن وروح القدس، وهذه الكلمات التي يفتتحون بها صلواتهم في الكنائس، أي أنهم يستفتحون صلاتهم بإعلانهم الكفر بالله تعالى، قال تعالى {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ? وَمَا مِنْ إِلَ?هٍ إِلا إِلَ?هٌ وَاحِدٌ ? وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (المائدة73).
اما في الجزيرة العربية فالناس على فريقين:
الأول تابع اليهود والنصارى والمجوس، والثاني تمسكوا بالحنيفية السمحة، دين إبراهيم عليه السلام فتركوا عبادة الأوثان وتركوا الموبقات، مثل شرب الخمر والزنا ووأد البنات، ومنهم الصدّيق أبي بكر رضي الله عنه وزيد بن الخطاب أخي عمر بن الخطاب رضي الله عنه وورقة بن نوفل ابن عم خديجة بنت خويلد، وكان رجلاً شيخاً كبيراً قد قرأ التوراة والإنجيل وعرف ما فيها من شرك ورغب عن ذلك، وترقب ظهور آخر نبي حسب ما جاء في التوراة والإنجيل، وإذا به يلتقي بالنبي صلى الله علية وسلم ويؤمن به بعد نزول جبريل عليه السلام ومما يدل على اعتناق ورقة للتوحيد قوله لبعض أصحابه الذين رفضوا عبادة الأصنام: «تعلمون، والله ما قومكم على دين، ولقد أخطأوا الحجة، وتركوا دين إبراهيم ما حجر تطوفون به؟ لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضرُّ، يا قوم التمسوا لأنفسكم الدين».