No Script

قيم ومبادئ

الخصوصية والشريعة

تصغير
تكبير

كل الدول تقريباً لديها قوانين تحدُّ من الخصوصية بالمفهوم الهُلامي الغربي المعاصر بطريقة ما.
وإن كان مصطلح الخصوصية ظهر حديثاً بفرنسا في القرن الثامن عشر، إلا أن أوروبا أخذت بنقض هذا المفهوم رويداً رويداً، حتى كسروا كل الحواجز الاجتماعية والأخلاقية والثقافية، وانتهكوا حريات وحقوق الأفراد تحت ذريعة القانون مثل قانون الضرائب والذي عادة ما يتطلب مشاركة معلومات عن الدخل الشخصي أو الأرباح، وفي بعض الدول قد تتعارض الخصوصية الفردية مع قوانين حرية التعبير !
 وبعض القوانين قد تتطلب الإفصاح عن معلومات تُعد خاصة في الدول أو الثقافات الأخرى، وبرز حديثاً مفهوم الخصوصية في الثقافة الأنجلوأميركية، وميزتها عن الثقافة الفرنسية والإيطالية والألمانية، بمعنى أننا بتنا نعيش اليوم فعلاً مفهوم صراع الحضارات الذي ذكره فوكوياما.


 لقد سمى الإسلام بشريعته الغراء فوق القوميات والعرقيات والوثنيات والأهواء وحدد مفهوماً للخصوصية، بحيث غلًب جانب الستر وحفظ العورات وأسرار البيوت وخصوصيات الأفراد داخل بيوتهم.
قال تعالى: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»، وجاء في الحديث: «من تسمًع حديث قوم وهم له كاهون صُب في أذنيه الآنك».
 وجاء الأمر الإلهي بحفظ العورات وستر العيوب ورتب على ذلك الثواب الجزيل يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، كما رتب سبحانه العقوبات على النمّام وصاحب الغيبة وذي الوجهين وتوعًد الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا بالخزي والعار، وجعل من صفات المؤمنين المحافظة على ستر العيوب وعدم نشرها وتغطيتها وعدم فضحها.
 وبذلك حافظ الإسلام على الحريات وصيانها من الامتهان، وركز على أهم ركن من أركان استقرار المجتمعات وهو جانب الستر ورعاية حرمة الأفراد والبيوت.
تقنية الاتصالات والخصوصية:
 لم يعُد الحديث عن الخصوصية مثار اهتمام، طالماً تم انتهاك أخص البيانات للأفراد من خلال الحياة الرقمية «الذكية»، فمن المؤسسات المالية والمعلومات الشخصية للعملاء والأرصدة وأماكن التسوق ونوع المشتريات، مروراً إلى معلومات المطاعم الشهيرة في الأماكن السياحية والمصحات العلاجية والمستشفيات العالمية وشركات التأمين والجامعات، إلى آخر ما هنالك من قائمة يتم من خلالها رصد أهم البيانات واستباحتها، بل ونشرها لتصفية الحسابات بين الفرقاء السياسيين.
المؤتمر الدولي 1932 في لاهاي للقانون المقارن:
 قرر المؤتمرون - وهم رجال القانون والنخب الأكاديمية - ضم الفقه الإسلامي إلى جانب القانون الفرنسي والإنكليزي والألماني، وفي سنة 1950 عقد مؤتمر للفقه الإسلامي في باريس، حيث وقف نقيب المحامين فبلور الجو العام للمؤتمرين وقال: «إني لا أعرف كيف أوفق بين ما كان يُحكى لنا عن جمود الفقه الإسلامي، وعدم صلاحيته أساساً تشريعياً يفي بحاجات المجتمع العصري المتطور، وبين ما نسمعه الآن في المحاضرات والمناقشات ما يثبت خلاف ذلك تماماً في براهين النصوص والمبادئ».
 ثم توالت المؤتمرات خلال هذه الفترة، مثل مؤتمر القانون المقارن في لاهاي 1938، ومؤتمر المحامين الدولي في لاهاي 1948، وأسبوع الفقه الإسلامي في باريس 1951.

الخلاصة:
إن مبادئ الفقه الإسلامي لها قيمة تشريعية لا مراء فيها.
إن اختلاف المذاهب الفقهية في الإسلام ينطوي على ثروة من المفاهيم والمعلومات، ومن الأصول الحقوقية التي كانت مناط إعجاب رجال القانون، وبها يستطيع الفقه الإسلامي أن يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة.
وأخيرا أثبت المستشرق الفرنسي شارل سان برو... أن منهج السلفية رائد في الاصلاح والتجديد وحقوق المرأة والمواطنة والاقليات!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي