No Script

خواطر قلم

رحيل والدتي... ومجلس التعاون الخليجي!

تصغير
تكبير

عندما يرحل من نحب ونعتز بهم عن حياتنا، نعيد النظر بصورة أكثر عمقاً في أشياء كثيرة مما ألفناها واعتدنا عليها، ونرى ما كنا لا نراه في الأحداث والناس.
وكلما اقتربت صلتنا بالراحلين ومعزتنا لهم ازدادت آثار فقدهم في النفس والمجتمع والأيام.
توفيت سيدتي ونور عيني ونبض قلبي و«تاج راسي» والينبوع الصافي، الذي كان يمدني بالهمة والدعاء والتشجيع فتصبرني وتواسيني وتشد من أزري في معترك الحياة الصاخبة.


ولأن فقد أحد الوالدين تجربة غير مسبوقة في حياة كل إنسان، فإن المعاني والعبر تكون جديدة علينا، أو تأخذ آفاقاً أوسع.
أحد هذه المعاني أن الواحد منا يتجاوز عن ما كان بينه وبين من ساءت علاقته بهم، أو ضعفت لخصومات حادة أو تنافر شديد بعد تجاذبات سلبية.
وهذا ما لمسته في أيام العزاء إلى يوم كتابة المقال، سواء بالزيارات أو الاتصالات، فكانت كلماتهم برداً وسلاماً على قلبي وقلوبهم.
ولعل مما لفت نظري وانتبه له القريبون مني، هو ذلك الطيف المتنوع من الناس في أعراقهم وجنسياتهم، بل ودياناتهم ممن شاركوا في العزاء.
ولعل الجرح السياسي العميق والشرخ الواسع، الذي أحدثه الصراع «الخليجي/‏‏ الخليجي»، كان له حضور في عزاء والدتي رحمها الله، من جهتين:
الأولى: حضور واجتماع شعوب مجلس التعاون الخليجي، في العزاء في جو من الأخوة الحميمية.
وقد تتساءل بأن هذا الأمر طبيعي ولا غرابة فيه.
نعم، طبيعي من حيث الأصل، ولكن بعد امتلاء الفضاء الإعلامي ووسائل التواصل بالقصف المتبادل بين مثيري الفتن ومشعلي الحرائق الاجتماعية بين الشعوب وبعض المواقف المعلنة غير الرشيدة في عوالم الفن والرياضة و...
جعلت هنا تحسسا في النفوس وخلقت انطباعاً وهمياً لدى بعض الناس في أن الصراع نزل من برجه السياسي إلى علاقات الناس الاجتماعية، فتأتي هذه المناسبات التراحمية لتعزز الأصل وتبدد من يريد التفريق بين الأحباب.
الثانية: أن معزين لا أعرفهم من دول مجلس التعاون، أتوا خصيصاً للمواساة.
وتساءلت ما الدافع الذي حرك هؤلاء بما فيه من تكاليف ليست واجبة في حقهم سوى المحبة والشعور أننا أسرة واحدة، نفرح لفرح بعضنا ونحزن لحزن بعضنا ونتألم لتألم بعضنا؟!
شعوب الخليج العربي لا تسعى لشيء سوى أن تتآلف القلوب وتتضافر الجهود وتناصر بعضها بعضا، فنحن بتعاضدنا حزمة قوية عصية على الأعداء، وتفرقنا يسعد الخصوم ومن يريد بنا سوءاً.
فلا مصلحة ترتجى من هذه الخصومة، ولا فائدة تجنى من المقاطعة والحصار، والحق في الاستجابة لصوت العقل والحكمة الذي أطلقه سمو أمير البلاد - حفظه الله - وما زال يدعو إليه لطي صفحة الخلاف، والعودة إلى ما كنا عليه من تواد وتراحم وأخوة.
فكم هي مناسبات الأحزان والأفراح، التي حالت هذه الصراعات دون تواصل وتراحم الأقارب والمعارف في ما بينهم.
مواطنو الخليج يحزنهم هذا التشرذم ويسعدهم أن تعود حياتنا كما كانت، تحفها الرحمة والمودة بعيداً عن وساوس الشيطان ودعواته المؤذية.
آمل ويأمل إخواني الخليجيون أن يستجيب قادة دول مجلس التعاون لنداء المحبة والأخوة ويلبوا آمال مواطنيهم.

‏@mh_awadi

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي