No Script

مشاهد / ممدوح عبدالعليم ... الرحيل مبكرا

| u064au0648u0633u0641 u0627u0644u0642u0639u064au062f |
| يوسف القعيد |
تصغير
تكبير
عندما قام ممدوح عبد العليم ببطولة فيلم: «سمع هس»، بالمشاركة مع الفنانة ليلى علوي. وربما شاركها في إنتاجه. جاء معها إلى دار الهلال لكي يوجها الدعوة للصحافيين والكتاب لحضور العرض الخاص للفيلم.

كانت المرة الأولى التي أرى فيها ممدوح عبد العليم بصحبة ليلى علوي. كان مملوءا بالحماس. والرغبة في عمل شيء مختلف ومغاير عن كل ما كان سائدا وقتها.

قال ممدوح عبد العليم إن الفنان خصوصا الممثل لا يجب أن ينتظر حتى يأتيه الدور فيجسده. لكن السعي والبحث من أجل الوصول لسينما جيدة، يجب أن يكون من أهدافه. كان الكلام جميلا وغير عادي من فنان. وإن كنت قد لاحظت أنه لم يستمر في الطريق نفسه الذي بدأه مع ليلى علوي في فيلم سمع هس.

ثم رأيته عندما دعتني الفنانة معالي زايد والمخرج عاطف الطيب لحضور تصوير بعض مشاهد فيلم «كتيبة الإعدام». كان التصوير يتم في دار القضاء العالي المواجهة لبيت معالي زايد في وسط القاهرة. وكان ممدوح سعيدا لأن الفيلم يحمل قضية مهمة جدا. ألا وهي: أكتوبر العظيم من الذين صنعوه؟ ومن حولوه إلى سرقة كبرى نهبوا فيها ليس أكتوبر فقط ولكن الوطن؟

وأنا كنت يومها في غاية السعادة لأن هذا هو الموضوع الذي دارت حوله روايتي: الحرب في بر مصر.

لاحظت على ممدوح ثقافته. وإدراكه لأن الممثل ليس مجرد قارئ ورق يقدم إليه. لا يتوقف أمام السيناريو ويكون كل هدفه تنفيذ ما فيه. لكنه يمتد لما هو أبعد من السيناريو.

ثم جاءت ليالي الحلمية. ودور علي البدري الذي جسده في هذا المسلسل. وعندما يكتب تاريخ الدراما التلفزيونية.

وقد طلبت من الصديقة ماجدة موريس أن تعمل على هذا الموضوع لأن لديها معلومات كثيرة فيه. وأتمنى أن تنجز هذا العمل المهم. لأنهما أكثر الكتب عن تاريخ السينما. وما أكثر الدراسات عن تاريخ المسرح. لكن ما أندر الكتابات عن تاريخ الدراما التلفزيونية.

عندما يكتب تاريخ الدراما التلفزيونية، سنكتشف ما قدمه المخرج إسماعيل عبد الحافظ لهذه الدراما من أعمال خالدة. ومن أدوار قدمها لممثلين لولا عملهم مع إسماعيل عبد الحافظ في مسلسلاته ما كان لهم هذا الوجود الجميل.

ممدوح عبد العليم لعب قليلا من الأدوار. لكني أتوقف أمام دور كلما شاهدت الفيلم الذي لعبه فيه يعاد في التلفزيونات، جلست لأراه وكأنني أراه لأول مرة.

كان دوره في فيلم «مشوار عمر». والفيلم من إخراج المخرج المدهش محمد خان. وممدوح عبد العليم يلعب دور صبي ريفي يعمل في محطة بنزين قريبة من القرية التي ينتمي إليها.

وخلال عمله يلتقطه عمر، الذي لعب دوره فاروق الفيشاوي. وهو شاب مستهتر يستقل سيارة فاخرة، ويحمل علبة مليئة بالذهب أعطاها له والده تاجر الذهب لكي يسافر بها لتاجر آخر في مدينة أخرى ويوصلها إليه. ولأن عمر لم يأخذ أي قضية مأخذ الجد في حياته. فهو يحول رحلة الذهب إلى محاولة للبحث عن المتعة والنساء.

يشاركه الرحلة ممدوح عبد العليم. وعلى عكس عمر، فإن الدور الذي أداه ممدوح عبد العليم دور شاب ريفي. لا يعرف الكثير عن الدنيا، ما زال بكرا في أعماقه. ودخل التجربة وترك عمله في محطة البنزين لمجرد أن عمر طلب منه أن يرافقه.

لا أريد أن ألخص الفيلم. لكني فقط أتوقف أمام قدرة ممدوح عبد العليم على تجسيد الشخصية، والدخول تحت جلدها، والتعبير عنها من دون افتعال، ومن دون تزايد، بل بشكل طبيعي وتلقائي جدا. وكأنه هو هذا الفلاح المعدم الذي عمل في محطة بنزين والتقطه عمر في رحلة لا أول لها ولا آخر.

كنت أعرف مسبقا أن ممدوح عبد العليم درس في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة. ولذلك فهو حصل من العلم قدرا يجعله ربما كان قادرا على شخصية المثقف أو الذي يعرف بعض الأمور عن عالمنا. لكنه قد تحول من دون قدرته على تجسيد شخصية هامشية لشاب قروي ترك قريته إلى محطة البنزين. ومنها إلى رحلته مع الشاب الثري الباحث عن المغامرات والمتعة بأي شكل كان.

آخر فيلم سينمائي مثله ممدوح عبد العليم كان سنة 2000، أي أنه قضى الخمسة عشر عاما الأخيرة في حياته لم يقف أمام الكاميرا السينمائية. ومن المؤكد أن القصة محزنة وأنه لم يعرض عليه ما يمكن أن يقتنع به أو يدرك أنه يستطيع أن يقدم من خلاله جديدا. لذلك ظل في بيته.

بل إنه قبل عامين قدَّم دورا في مسلسل: السيدة الأولى، أمام الفنانة غادة عبدالرازق. وكل من اقترب من الأعمال التي تقدمها غادة عبد الرازق يدرك جيدا أنها تكون البطلة الجوهرية. وأن جميع من يظهرون معها لا دور لهم إلا دور السنيِّد.. وأنا لم أشاهد العمل. واستغربت أن يدخل ممدوح عبد العليم متاهة التمثيل أمام غادة عبد الرازق. وحكاياتها مع من يمثلون أمامها أكثر من الهم على القلب.

يومها أدركت أن الرجل أوشك أن يصل إلى الضفة الأخرى لليأس. وأنه لذلك قبل القيام بدور في عمل لم يترك أي أثر لدى الناس. لا كنص ولا إخراج ولا موضوع ولا حتى أداء.

ثم نصل إلى آخر مشاهد عمره... عندما تقرر استكمال مسلسل: ليالي الحلمية بجزء سادس. ورغم تحفظي على محاولة استنساخ النجاح. إنها المحاولة المستحيلة، لأن الناس ترتبط بالعمل القديم ارتباطا، ربما يصل إلى حدود الارتباط المرضي. وتقارن الجديد بالقديم، وتكون المقارنة لصالح القديم على طول الخط.

عرفت أن ممدوح عبد العليم سيلعب دور علي البدري ويستكمله في جزء سادس من المسلسل. بل إن الفنانة إلهام شاهين قالت لي إنها كانت مترددة في قبول الدور... « دور زهرة» التي أحبها علي البدري في الليالي القديمة. لولا أن ممدوح عبد العليم اتصل بها أكثر من مرة، وأقنعها أن تلعب هذا الدور أمامه.

ما معنى هذا كله؟ معناه أن التغييرات التي أصابت دنيا السينما والدراما التلفزيونية أخرجته من صلب اللعبة. وأن فنانا مثله من دون تمثيل يفقد الرغبة حتى في مواصلة الحياة. أي أننا ظلمناه سواء ونحن ندري أو من دون أن ندري. وأن هذا الظلم كان بيِّنا وامتد لسنوات طويلة.

قيل إنه كان يمارس رياضة عنيفة في نادي الجزيرة الرياضي... من أجل التخسيس، حتى يتناسب مع دوره الجديد في ليالي الحلمية. وأن قلبه توقف رغم أنه كان في زهرة شبابه.

كان في التاسعة والخمسين من عمره. وكانت أمامه سنوات طويلة. ورغم إيماني بأنها أعمار. وأن الأعمار بيد الله سبحانه وتعالى. لكني أتصور أن موته كان حالة من الاحتجاج على التغيير الذي أصاب مصر بالدراما التلفزيونية وبالسينما... حيث لم يجد له مكانا. لا أقول إنه انسحب. لكنه وجد نفسه خارج الحلبة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي