No Script

واضح

السياسة البرمكية!

تصغير
تكبير

بعد أن فتكَ هارون الرشيد بالبرامكة جميعاً وحبسهم، ثم قتلهم وسلب قصورهم وأموالهم، خرج يوماً للصيد فاجتاز جداراً خرباً من جدران بني برمك فرأى لوحاً مكتوباً عليه:
يا منزلاً لعب الزمان بأهله
فأبادهم بتفرق لا يجمع


أصبحت تفزع من رآك وطالماً
كنا إليك من المخاوف نضرع
فبكى هارون بكاءً شديداً على ما فعل في البرامكة لا ندماً قطعاً بل لحبه لهم، وأقبل على الأصمعي فقال له: حدثني ما تعرف من أخبار البرامكة!
- وإن كان المؤرخون شرّقوا وغرّبوا في سبب إبادة الرشيد للبرامكة وانقلابه عليهم، بعد أن كانوا يملكون الحجر الأساس في حكمه، إلّا أن الصحيح والواقع والمنطق يقول إن السبب الرئيس لانقلاب هارون الرشيد وفتكه بهم... هو أنهم أصبحوا دولة داخل الدولة، وأنهم غدوا يسيطرون على كل قراراتها بقوتهم ونفوذهم، مع أنهم كانوا المستشارين والوزراء الأوفياء لحكم بني العباس.
نكبة البرامكة درس تاريخي بعدم التنازل عن مواطن القوة للغير، وأن هذا التنازل حتى لو كان بالأمر الواقع مؤشر لانهيار الدولة والكيانات على أرض الواقع على الأقل! ولو لم يفتك هارون الرشيد بالبرامكة لزال حكمه وحكم أهله، وإن بقي فسيبقى صورياً فقط يدعى له على منابر الجمعة ويكتب اسمه على أموال الدولة فقط، من دون بقية قرارات المملكة - كما يقول المؤرخون - ولذا قام الرشيد بما يجب القيام به حتى ضد من يحب... لكنه واجب الحكم!
«البرمكية» منهج سياسي متبع يسيطر فيه المتنفذون على مفاصل القرار، ليمنعوا صاحب القرار من اتخاذ أي حكم من دون موافقتهم أو رضاهم ووفق مصالحهم، ودائما بحكم نفوذهم - يهيئون للقرارات أسبابها بحجب أو تمرير ما يرغبون من «مقدمات» لتلك القرارات.
قاسية تجربة البرامكة ونكبتهم جداً... لكنها عين الحق والعدل والانصاف... هي هكذا الأمور... مرارة الدواء تجلب الشفاء.

@lawyermodalsbti

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي