No Script

خواطر صعلوك

خطاب للكويتيين والوافدين!

تصغير
تكبير

لا شك عزيزي القارئ، أنك تعرف واحداً على الأقل في مكان عملك من الذين أضلهم الله على علم وفقدوا مهارات التواصل، ليس فقط في التعامل مع الجمهور، ولكن أيضاً في التواصل مع الله.
أؤلئك الذين إذا ذكر الفساد أمامهم، زلزلوا زلزالاً شديداً رافعين شعار «الوطن أولاً» من دون أن يلاحظوا أنهم من مفاعيل حركة الفساد في أماكن عملهم من خلال الإهمال والتسيب، ورفض الرقابة والعمل وفق المزاج الشخصي، ومقاومة التدريب والتطوير، والعور البصري بعين تنظر للحقوق، وعين غافلة عن الواجبات، وأمر بمعروف لا يمارس في وقته، ونهي عن منكر يمارس كل يوم بأشكال مختلفة، والالتفات لسياق العلاقات وفوائدها والغفلة عن سياق الإنتاج ومردوده.
يسير هذا المقال بخطوات متعثرة وعشوائية، ليس بسبب عدم القدرة على الكتابة في موضوع يعيشه المرء يومياً تقريباً مما يشاهده ويسمعه ويتفاعل معه في سياقه اليومي والمعاش، بل يسير بخطوات متعثرة بسبب أن إثبات تورط الكثير منا في الفساد سواء كنا كويتيين أو وافدين هو إثبات صعب لمن فقد حاسة السمع وهو سميع، وحاسة البصر وهو بصير.


ليس الفساد فقط هو الاستيلاء على المال العام من شركة كبرى عبر مناقصة لم تستوفِ الشروط، أو شروط موضوعة لشركة بعينها، أو إرسال هدايا لزوجة المدير أو وجود الوكيل في مجالس إدارات كثيرة من دون دور واضح، ولكن براتب كامل، أو أي مهارة إدارية وقانونية عرجاء... وليس الفساد فقط هو أن يختلس أحدهم أو يرتشي أو أن يكون مزدوج الجنسية أو أي تفاصيل من الحكايات التي نسمعها ويتمنى البعض أن يكون بطلها في السر رغم لعنها في العلن... ولكن الفساد أيضاً يأخذ صوراً أخرى في تفاصيل أكثر دقة.
والفساد في اللغة هو الإتلاف والخلل وإلحاق الضرر وإبطال العمل الصالح، وهناك فساد سياسي وإداري وفساد مجتمعي وعلمي... ويأخذ الفساد صوراً متعددة ويتشكل مع محيطه كرؤوس الشياطين، بحيث يجعل من الكل مجزأ ومن المتماسك مفقوداً.
والفساد في التعليم هو نزع رائحة الورد عن اليد التي تعمل مع الطلاب، ثم قطع هذه اليد عبر تعليمها كيف تنجو إدارياً من الرقابة باستخدام استراتيجيات تمويه حشرات الغابة في التخفي عبر لون الأشجار البالية نفسه أو الأوراق المتآكلة، ولذلك يجب أن يكون الحائط الذي يفصل أمثال هؤلاء عن التعليم منيعاً بما يكفي لكي لا يتوارث الطلاب سلوكاً مثل هذا، لأنه وباختصار - وعلى حد تعبير أحدهم - «إن مجتمع الغد إما أن تصنعه المدرسة... أو لا يكون».
والفساد في الكتابة هو كبت انفجار المعاني في مواقع لا تخطر على بال كاتبها وقارئها، وتغطية صبغة الله على الأشياء، وإلحاق الضرر بالكلمات عبر تعريتها عن الميثاق الأول «ألست بربكم؟!».
والفساد في الصحافة هو صناعة الخبر وليس نقله، عندما تتحول السلطة الرابعة إلى مخزن خلفي للسلطات الثلاث.
أما الفساد الإداري، فكثيرة هي القصص المملة فيه، تفاصيل في حكاية طويلة لا تريد أن تنتهي عند استخدام المناصب العامة لمنافع شخصية، بل أيضاً لمنافع قبلية وعائلية وقومية، وتدور وتدور حتى الخنق... حكاية فقدت قدرتها السردية المشوقة، حتى إننا أصبحنا نخاف على أطفالنا منها.
والفساد في الحكاية عندما لا تحكينا ولا تحاكينا، ولا تأخذنا إلى عالمنا، بل إلى عالم يريده الراوي، حكاية مفروضة علينا فقدت فيها الأسطورة مصداقيتها وسمعتها الطيبة، تلك الأسطورة التي تقول إننا دولة مؤسسات، وظهرت بدلاً منها أسطورة أننا نملك مؤسسات جندت نفسها لخدمة مجتمع لا تعي أزمته.

كاتب كويتي
moh1alatwan@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي