No Script

«وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا»... سلسلة مفتوحة تستكشف دهاليز الاعتلالات السيكولوجية والذهنية والسلوكية

الـ«بارانويا»... عذاب في قفص الارتياب

No Image
تصغير
تكبير
  • اضطراب الـ»بارانويا» يختلف  عن أشكال اضطراب الوسواس القهري في أمور عدة من بينها أن المصاب به لا يتوهم هلوسات سمعية أو بصرية 
  • «جنون الارتياب» يأتي مرتدياً عباءة شعور بالاضطهاد أو بالعظمة أو بتوهم المرض أو بالتلميح أو بالذنب

يشكو «س» باستمرار من أن زملاءه في العمل يكرهونه لأنه أذكى وأفضل منهم مهنياً، وأنهم لا يتوقفون عن تدبير المكائد ضده من وراء ظهره، ويتآمرون في ما بينهم ليشوهوا صورته لدى رؤسائه الذين بدأوا فعليا في اضطهاده، بل إنهم يرصدون تحركاته طوال الوقت من خلال كاميرات مراقبة سرية يزرعونها في كل زاوية من زوايا مكان العمل!
أما في البيت، يعاني «س» من جيرانه الذين يؤكد أنهم قرروا الانتقام منه بعد أن تشاجر معهم أكثر من مرة بسبب إصراره على أن يركن سيارته أمام مدخل العمارة مباشرة بطريقة يزعمون أنها تعيق حركة الداخلين والخارجين. ومنذ ذلك الحين، اتفقوا مع قاتل مأجور كي يراقبه وينهي حياته ليتخلصوا منه!
ولاحقا، طرد «س» زوجته ثم قرر تطليقها بعد أن اكتشف أنها متواطئة ضده مع جيرانه، وأنها كانت تنقل تحركاته إلى ذلك القاتل المأجور، بل وحاولت أن تدس له سما في الطعام لأنها تريده أن يموت كي تتمكن من أن تتزوج حبيبها السابق!


صحيح أن «س» يؤكد أن لديه الشواهد والقرائن كافة التي تؤكد صحة ظنونه تلك، لكن الحقيقة الوحيدة المؤكدة في حياته هي أنه مصاب بدرجة متقدمة من أحد اشكال اضطراب ذهني يُعرف في مجال طب وعلم النفس باسم الـ«بارانويا» أو «جنون الارتياب»، وهو نوع من الشك المرضي.
فما طبيعة ذلك الاضطراب الذهني والنفسي؟ وما أنواعه ودرجاته؟ وما مدى خطورته؟
حلقة اليوم تحاول الاجابة عن تلك التساؤلات...

أصل التسمية

كلمة بارانويا (paranoia) مشتقة أصلا من كلمة «paranoos» اليونانية القديمة التي تتألف بدورها من مقطعين أولهما «para» بمعنى «مضطرب»، و«noos» بمعنى «الذهن». وعلى هذا، فإن كلمة «بارانويا» تعني «الذهن المضطرب»، وتشير في مجال علم النفس إلى اضطراب «جنون الارتياب» الذي يتم تعريفه عادة بأنه «تشوه إدراكي يعتري الذهن ويدفع المصاب به إلى الافراط في التشكك على أسس غير منطقية ولا واقعية، ويعيق المصاب به عن التكيف اجتماعيا مع المحيطين به».
لكن من المهم توضيح أن اضطراب الـ«بارانويا» يختلف عن أشكال اضطراب الوسواس القهري في أمور عدة من بينها أنه لا يجعل المصاب به يتوهم هلوسات سمعية أو بصرية.

تعريف... وتوصيف

في اللغة العربية، يعرف الـ«بارانويا» بأسماء عدة من بينها «جنون الارتياب» و«هوس التشكك» و«هذيان الاضطهاد». لكن كل تلك المصطلحات لا تعني أن الشخص المصاب به يكون فاقدا لقدرات التفكير والتحليل والاستنتاج، بل تعني أنه يمتلك تلك القدرات لكن اختلالات معينة في كيمياء وكهرباء مخه وجهازه العصبي تدفعه إلى استخدام تلك القدرات بافراط أو بشكل غير منطقي وفي اتجاهات غير سوية.
وجنون الارتياب هو أحد أشكال الـ«سكيزوفرينيا» (انفصام الشخصية)، وفي جوهره عبارة اختلال نفسي عصبي المنشأ يتجلى عادة في صورة أوهام يعتنقها المريض فتجعله يدرك ويفسر الواقع بطريقة شاذة أو مضطربة ويميل إلى تفسير سلوكيات المحيطين به تفسيرات تتسق مع أوهامه تلك. وفي بدايات الحالة المرضية، تشغل هذه التوهمات جزءا صغيرا من ذهن الشخص. وإذا لم يتلق ذلك الشخص علاجا نفسيا، فإن تلك التوهمات والتشوهات الذهنية تتوسع وقد تسيطر على عقل المريض تماما.
وللوهلة الأولى، قد يبدو مريض البارانويا شخصا طبيعيا إجمالا في تعاملاته الاجتماعية اليومية. لكن من خلال مراقبة تفاعلاته وتعاملاته الاجتماعية، يمكنك أن تلاحظ مثلاً أنه يرى أنه يمتلك قدرات خاصة تجعله متفوّقاً على الآخرين بدرجات كثيرة، ولذلك فإنهم – حسب ظنونه – يكرهونه ويتآمرون ضده ويريدون ايذاءه والتخلّص منه.
ولأن مريض البارانويا يعتنق التحليلات السلبية للأمور، فإنه يكون كثير الارتياب (التشكك) في نوايا الآخرين ازاءه، بل قد يرتاب إزاء نفسه! ومن خيوط ذلك الارتياب، ينسج مريض البارانويا في خياله تصورات ويتصرف على أساسها.

درجات... وفوارق

هناك درجات عدة لاضطراب البارانويا، حيث يبدأ عادة بمجرد النزوع إلى الارتياب أو اعتناق تصور واهم معين، ثم يتزايد ذلك الارتياب وصولاً إلى درجة الغرق في مستنقع «نظرية المؤامرة» الذي سقط فيه المدعو «س».
وينبغي التفريق بين البارانويا السريرية وغير السريرية، حيث إن الشكل السريري هو مرض مزمن يعصف بذهن المريض ويدمر شبكة علاقاته الاجتماعية ويحتاج إلى علاج نفسي منهجي يتطلب التردد على عيادة معالج نفسي أو حتى المكوث في مصحة نفسية لمدة معينة حتى يتعافى. أما البارانويا غير السريرية فإنها تقتصر على الميل في مواقف معينة إلى العناد والتشبث الزائد بالآراء والاصرار على عدم الاعتراف بالخطأ وإلقاء اللائمة على الآخرين في كل الأحوال.
كما ينبغي التفريق بين اضطراب البارانويا واضطراب انفصام الشخصية (الـ«سكيزوفرينيا») من ناحية أخرى. فمريض البارانويا لا ينفصل عن الواقع ولا يعاني من هلاوس سمعية أو بصرية، بل يفسر الوقائع الحياتية الفعلية في ضوء تصوراته الذهنية المشوشة والمضطربة. أما مريض الانفصام فإنه يكون منفصلاً أصلاً عن الواقع لأن ذهنه يصور له أموراً لا وجود لها في الواقع، بما في ذلك سماع اصوات ورؤية أشياء لا وجود لها فعلياً.
تعددت الأنواع
... والوهم واحد

رصد علماء النفس أنواعاً وأشكالاً عدة لاضطراب البارانويا، وجميعها تتمحور حول سيطرة فكرة سلبية ارتيابية واهمة على ذهن المريض، سواء كانت تلك الفكرة السلبية إزاء الآخرين أو حتى إزاء النفس.
وتأتي أنواع «جنون الارتياب» مرتدية عبارات عدة تتمثل في مشاعر معينة، ومن أبرز تلك الأنواع ما يلي:
• بارانويا الاضطهاد: يتوهم المصاب بهذا النوع أن من يتعامل معهم يتآمرون في ما بينهم على اضطهاده أو التضييق عليه أو ايذائه إما لأنهم حاقدون على تفوقه عليهم أو لأنهم يريدون انتزاع مكانته أو لأي سبب آخر. وفي حالات بارانويا الاضطهاد، يبدي المريض عادة قدراً مفرطاً من الكبرياء والاعتداد بذاته وبقدراته، ويرى نفسه ضحية لتآمر الآخرين ضده. وبمرور الوقت تتحول مشاعره إلى ارتياب اضطهادي ينسب به إخفاقاته إلى مضطهديه وكارهيه.
• بارانويا التلميح: هذا النوع يدفع المريض إلى الارتياب تلقائياً كلما شاهد أشخاصاً آخرين يتكلمون معاً على مقربة منه. ويميل المريض إلى تفسير أي إشارات أو نقاشات جانبية بين الآخرين على أنهم يسخرون منه.
• بارانويا العظمة: يجعل المريض يعيش دائماً في ظل أوهام تصور له أنه بالغ التميز والتفوق والذكاء، لكن الآخرين يتغافلون ويحاولون طمس صفاته تلك إما بدافع جهلهم أو بدافع الحقد من جانبهم. والمشاهير في شتى المجالات هم الأكثر عرضة للاصابة بهذا النوع متأثرين بسحر الأضواء وتهافت المعجبين.
• بارانويا المرض: يتمثل عادة في وقوع الشخص ضحية لتصورات واهمة تجعله يؤكد أنه مصاب بمرض مميت (رغم نفي جميع التحاليل اصابته بذلك المرض) وأن هناك اتفاقاً بين الجميع – بمن فيهم الأطباء - على إخفاء حقيقة مرضه عنه.
• البارانويا السوداوية: في هذا النوع العكسي، يساور المريض ارتياب يجعله يظن أنه هو المتسبب الرئيسي في كل ما يحصل للمحيطين به من مصائب وأضرار، وذلك يجعله يشعر بالذنب تحت وطأة ذلك الهاجس الواهم الذي قد يدفعه في النهاية إلى التفكير في الانتحار. وبتعبير آخر، يتحول مريض الارتياب السوداوي من موقع الشعور بكونه ضحية مضطهدة إلى موقع اعتقاد آن الآخرين ضحايا له.

أسباب... وارتياب

بما أن اضطراب البارانويا هو خليط متداخل من الأفكار الذهنية، فمن الطبيعي أن تكون وراءه مجموعة متنوعة من الأسباب المتداخلة التي نذكر من بينها ما يلي:
• صدمات الفقدان والكرب: يمكن لصدمات مفاجئة معينة - كموت شخص عزيز أو فقدان العمل أو انتهاء علاقة عاطفية - أن يجعل الشخص ينطوي على ذاته ويشعر بعدم الاطمئنان وبوقوعه تحت تهديدٍ دائم. كما أن أموراً أخرى - كالتعرض إلى خيانة عاطفية أو الاضطهاد الفعلي في مكان العمل - يمكنها أيضاً أن تكون محركة للنزعة الارتيابية التي يمكن أن تتطوّر لاحقاً إلى بارانويا سريرية.
• البيئة المجتمعية: كشفت نتائج بعض الأبحاث عن أنّ الاصابة بالبارانويا تكون أكثر شيوعاً في المجتمعات التي يشعر فيها المرء بالعزلة، وخصوصاً عندما لا يكون أمامه نوافذ للتواصل مع الآخرين سوى التقارير الإعلامية التي تركز على أخبار العنف والجرائم والإرهاب.
• القلق والاكتئاب: يعمل القلق والاكتئاب كمحفزين للأفكار الارتيابية عند بعض الأشخاص، فالشخص المصاب بالقلق يكون عصبياً على الأغلب وأكثر فزعاً من المعتاد. ويقلل الاكتئاب من تقدير الشخص لذاته، وبالتالي يجعله يسيء تفسير نوايا الآخرين تجاهه.
• اضطرابات النوم: لمشاكل النوم دور في الاصابة بالبارانويا، وخصوصاً عندما تتسبب تلك المشاكل في حرمان الشخص من أن يحصل على كفايته من النوم.
• العقاقير والكحوليات: يمكن أن تتسبب بعض المواد في استثارة أو تعزيز البارانويا. ومن أمثلة ذلك المخدرات بأنواعها والمشروبات الكحولية وحبوب الهلوسة والأمفيتامين، وكذلك الحال بالنسبة للعقاقير السترويدية التي يتناولها بعض الرياضيين ورافعي الأثقال أحياناً. بل ان كثرة استنشاق روائح مبيدات حشرية ومحروقات ودهانات معينة قد تلعب دوراً مؤثراً في الاتجاه ذاته.
• تأثيرات الطفولة: من الممكن أن يكون منشأ البارانويا هو الخبرات النفسية المؤلمة التي تعرض لها الشخص في طفولته. فإذا عاش الشخص طفولة مضطربة جعلته يشعر بأن العالم مكان غير آمن وبأن الناس غير جديرين بالثقة، فمن شأن ذلك أن يجعله يشعر بالارتياب إزاء الآخرين، وهو الشعور الذي يكبر معه متحولاً إلى بارانويا.
• بعض الأمراض: قد ينشأ اضطراب البارانويا كأحد الأعراض الناجمة عن أمراض جسديّة معيّنة، كداء هانتنغتون، وداء باركنسون، والسكتة الدماغية، والزهايمر، والأشكال الأخرى من أمراض خرف الشيخوخة. ويمكن لضعف أو فقدان السمع أيضاً أن يثير البارانويا لدى بعض الأشخاص.
• الحرمان العاطفي: ويشمل ذلك أموراً عدة من بينها الحرمان من الوالدين في سن مبكرة مع عدم وجود رعاية بديلة، وسوء التوافق في العلاقة الحميمة، والعنوسة.
المعالجة...
صعوبات وخيارات

اضطراب البارانويا هو واحد من الأمراض النفسية الأكثر صعوبة في ما يتعلق بمعالجتها. وتتمثل أول صعوبة في أن مرضى البارانويا لا يسعون غالباً إلى طلب العلاج من تلقاء أنفسهم، وذلك لأنهم يميلون بطبيعتهم إلى عدم الاعتراف أصلاً بأن لديهم مشكلة في نمط تحليل الأمور. وحتى عند إخضاع مريض البارانويا إلى العلاج النفسي، فإن معالجيه يواجهون مشكلة أكبر تتمثل في ارتيابه وعدم ثقته فيهم ووقوعه تحت تأثر وهم يصور له أنهم يتآمرون لإيذائه ولذلك فإنه لا يتبع خطة العلاج ولا يتجاوب مع محاولات العلاج. وفي تلك الحالات، يضطر المعالجون إلى احتجاز المريض وإرغامه على تعاطي عقاقير معينه إلى أن يتحسن ويصبح أكثر قابلية للتجاوب مع جلسات الإرشاد والتأهيل النفسي.
لكن في الحالات التي يعترف فيها مريض البارانويا بأن لديه مشكلة ويعرض نفسه طواعية على طبيب أو معالج نفسي، فإن خطة العلاج في تلك الحالة ترتكز بشكل أساسي على تعزيز مهارات التكيف (كالثقة بالآخرين والتعاطف) لدى المريض، إلى جانب تحسين مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي، وتعزيز الثقة بالذات.
وبشكل عام، لا يتم استخدام عقاقير لمعالجة اضطراب البارانويا في حد ذاته. لكن قد يلجأ الطبيب النفسي إلى وصف عقاقير معينة لكبح أعراض بعض الاضطرابات الحادة التي قد تظهر على المريض، كمضادات القلق والاكتئاب والذهان.

 هل يتفشى «جنون الارتياب» بين الناس... بالعدوى؟

صحيح أن هناك أوجه تشابه إكلينيكية بين الأمراض البدنية (العضوية) والأمراض النفسية، لكن هل من بين تلك التشابهات إمكانية أن تتفشى اضطرابات نفسية عن طريق العدوى بين مجموعات من الناس مثلما تنتشر بعض الأمراض البدنية على نحو وبائي؟ هذا التساؤل تناولته دراسات عدة في مجال علم النفس الاجتماعي، وتبلور حوله إجماع على أن بعض الاضطرابات النفسية يمكن أن تجد طريقها إلى التفشي وبائياً بين جموع بشرية على شتى المستويات، ابتداء من مستوى الأسرة ووصولاً إلى مستوى شعب بأكمله!
ووصفت دراسات في هذا المجال كيف أن البارانويا هو واحد من أبرز الاضطرابات النفسية القابلة للتفشي على مستوى المجتمعات بطريقة مشابهة لانتشار مرض عضوي على نطاق وبائي عن طريق العدوى. ووفقاً لنتائج تلك الدراسات، فإن المجموعة البشرية المريضة بالبارانويا تتشابه مع الفرد المصاب بذلك الاضطراب في سمات عدة من أهمها أن تفكيرها وعقلها الجمعي تسيطر عليهما هواجس وأوهام تصور لتلك المجموعة أنها مستهدفة دائما بمؤامرات يحيكها «آخرون».
ومثلما تتفشى عدوى أوبئة الأمراض العضوية من خلال انتقال ميكروبات أو فيروسات بين الأفراد، فإن «نظرية المؤامرة» هي بمثابة الميكروب الذي يتم استخدامه عادة كناقل لعدوى البارانويا على مستوى المجموعات والجماهير لخدمة أغراض سياسية أو دينية أو غير ذلك. ومثلما يعادي مريض البارانويا أي شخص يحاول إقناعه بأنه مضطرب ذهنيا ويحتاج إلى علاج، فإن المجتمع المصاب بالبارانويا يعادي كل من يواجهه بحقيقة مرضه، بل قد يفتك به.
وعلى مدار التاريخ البشري، يمكننا أن نرصد أمثلة كثيرة توضح كيف أن أنظمة حكم مستبدة لجأت إلى تفعيل آليات «نظرية المؤامرة» في أذهان أفراد مجموعات وربما شعوب بأكملها، ونجحت فعليا بهذه الطريقة في إمراضهم  بـ«البارانويا الجماعية» التي جعلتهم يعيشون أسرى في قفص تتألف قضبانه من أوهام تثير في أذهان الناس ارتيابات وشكوك مفادها أنهم مستهدفون من جانب كيانات تدبر ضدهم المكائد وتريد بهم الشر، بل إنهم بدأوا في السعي من جانبهم إلى الانتقام من أي شخص يعتبرونه منتمياً إلى تلك الكيانات.
وفي التاريخ المعاصر، يمكننا أن نستشهد بنماذج واضحة تجسد تفشي وباء البارانويا الجماعية على مستوى واسع النطاق وعلى النحو الذي وصفناه في ما تقدم. ومن بين تلك النماذج يبرز نموذج كوريا الشمالية الذي يربي في أذهان أفراد الشعب منذ الصغر فكرة أن هناك أعداء وأشرارا كثيرين متربصين دائماً بكوريا الشمالية وبشعبها، وبأن النظام الحاكم هو وحده القادر على حماية الدولة والشعب من مؤامرات المتربصين. ولذلك، فإن مواطني كوريا الشمالية يميلون إلى التعامل بمبدأ الارتياب والتشكك مع أي شخص أجنبي.
لكن الأنظمة الحاكمة الشمولية ليست وحدها هي التي توظف «نظرية المؤامرة» من أجل نشر وباء البارانويا أو الارتياب المرضي بين الشعوب بغرض تسهيل مهمة السيطرة. فهناك استخدامات على مستويات ونطاقات أضيق، بما في ذلك - على سبيل المثال - من جانب زعماء الأقليات الدينية وقادة المجتمعات القبلية ورؤساء الجماعات المتطرفة بشكل عام، حيث يجدون في بث وباء «البارانويا الجماعية» بين أتباعهم أداة فعالة لضمان ولائهم للأقلية أو القبيلة أو الجماعة المتطرفة إلى جانب استمرار شكوكهم ضد «الآخرين».
أما على المستويات الاجتماعية الأضيق، فإن شكلاً من أشكال وباء البارانويا قد ينتشر بطريقة مشابهة بين أفراد كيانات صغيرة نسبياً، كالأسرة أو مكان العمل. ويحصل ذلك عادة لأسباب تنبع من ممارسات أو سياسات خاطئة من جانب المسؤولين عن إدارة شؤون مثل تلك الكيانات.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي