No Script

رؤية ورأي

أنور دشتي

تصغير
تكبير

في سلوك حضاري برهن على التزام صاحبه بأحكام القضاء، بالرغم من كونها مخالفة لقناعته الشخصية، سلم عضو مجلس إدارة جمعية الحرية الكويتية السابق أنور دشتي نفسه إلى وزارة الداخلية لتنفيذ حكم قضائي بحبسه 6 شهور، على خلفية تغريدة له تم تصنيفها مسيئة للإسلام.
وتقديراً مني لهذا الموقف الراقي، وسعيا لتعزيز الحريات في الكويت، قررت أن أحيي قضيته عبر هذا المقال، لأنها نُسيت قبل أن تنال حقها من المداولة المجتمعية، حيث سلبت الأضواء منها أحكام محكمة التمييز في قضية اقتحام البرلمان.
من بين الأمور التي لفتت انتباهي، وجود قدر من المقاربات بين المشروعين الاصلاحيين في عنوانهما: مشروع تعزيز الحريات التابع للحركة الليبرالية، ومشروع مكافحة الفساد الذي تبنته المعارضة في مجلس 2009. فمن بين نقاط التشابه بينهما، أن شابا من كلا المشروعين سلّم نفسه، تنفيذا لحكم السجن الصادر ضده، على خلفية نشاطه ضمن المشروع الذي يتبناه. حيث سلم الناشط راشد العنزي نفسه إلى الداخلية في يوم صدور حكم محكمة التمييز ضده. ولا شك، أن مبادرة هذين الشابين بتسليم نفسيهما إلى الداخلية، من الشواهد على احترامهما الدولة.


ولكن في مقاربة أخرى، نجد أن القائمين على كلا المشروعين، وبذريعة الإصلاح، تجاوزوا بدرجات متفاوتة الحدود المرسومة من قبل النظام العام للدولة...
بالرغم من استيائي من تغريدة أنور التي سجن بسببها، وهي حسب معلوماتي أقدم من تغريدته في شأن الأذان، إلا أنني أتمنى أن يفرج عنه بالسرعة الممكنة، بحكم من محكمة التمييز أو بعفو أميري. لأنني رأيت في عينيه - قبيل تسليم نفسه - إدراكا منه بضرورة مضاعفة حرصه على مراعاة النظام العام في أنشطته الاصلاحية المستقبلية. لذلك أدعوه ليستثمر تجربته المريرة، ويوظف أوقات فراغه في السجن، لمراجعة وتقييم أنشطته السابقة بموضوعية، من أجل تحسين أدائه المستقبلي، وتطوير الأهداف المرحلية للحركة الليبرالية الكويتية.
فالنشطاء الحقوقيون، ومن بينهم أنور، يجب أن يكونوا أكثر حذرا من الحماس الزائد لدى بعض رفاقهم، خصوصا المتقلبين في مواقفهم، والمتناقضين مع ما يعلنون من مبادئ وقيم. فعلى سبيل المثال، الذين يطالبون المجتمع اليوم باحترام حق أنور في حرية إبداء آرائه، وإن كانت متضمنة إساءة للإسلام، أجد في مقدمهم، من كان في واجهة الوقفة الاحتجاجية في العام 2014، التي طالبت بتطبيق القانون على كاتب المقال المسيء للسيد السيستاني، وعلى الصحيفة التي نشرت المقال!
بعيدا عن رأيي الشخصي في كلا الموقفين المتناقضين، ما أود أن ألفت إليه انتباه أنور وغيره هو خطورة المتقلّبين، لأنهم في الغالب انتهازيون يتقنون خلق واقتناص الفرص، ثم استثمارها لتعزيز مصالحهم الشخصية، ولو كانت على حساب حقوق زملائهم وحرية رفاقهم. وللأسف، ضعف ذاكرتنا وحسن ظننا بمن حولنا يعيقاننا عن رصد تقلباتهم وكشف حقيقتهم.
لذلك أدعو أنور وسائر النشطاء إلى تجنب الحماس المفرط، وترشيد مساعيهم الاصلاحية لتكون أكثر توافقا مع الدستور، وأكثر اتساقا مع الواقع المعاش. فلنتعظ من تخبط بعض النواب الصداميين، الذين عجزوا عن محاسبة أي سارق مال عام، وتسببوا في إلغاء مشاريع حيوية، وإيقاف عجلة التنمية الوطنية لسنوات مديدة. وفي المقابل، فلنتعلم من المراقبة الأكثر رشدا التي مارسها على الحكومة العديد من النواب في السنوات الأخيرة، فنجحوا في كشف عدد من حالات فساد، وإحالة ملفاتها المتضمنة أسماء المتهمين إلى النيابة العامة، وفي ذات الوقت مكّنوا الحكومة من تنفيذ مشاريع تنموية ضخمة بعد فترة غياب طويلة.
وعليه، أناشد أنور ورفاقه، ترشيد مفهومهم الخاص بالدولة الليبرالية. فعوضا عن الدولة اللادينية، أدعوهم إلى المشاركة في بناء دولة مدنية أكثر احتراما لليبرالية الدينية، وأشد حرصا على صون حرية الاعتقاد والعبادة. وعوضا عن المطالبة بإلغاء تام لعقوبة السجن في قضايا الرأي، أدعوهم للعمل من أجل تخفيف عقوباتها، بصورة تتناغم مع تطور الثقافة الليبرالية في المجتمع. فلا يعقل أننا نسبق الفرنسيين في إلغاء عقوبة السجن في قضايا الرأي... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي