No Script

أسلوب الحوار المثمر

تصغير
تكبير

الحوار تعبير عن قيمة عظيمة بل القيمة الكبرى في التكوين الأساسي للإنسان والبشرية... الفطرة... فالدين هو الفطرة، يقول تعالى: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) (الرّوم/‏ 30)... فطرة الله هذه، دين الإنسانية هذا، تكرر ذكره في الكتب السماوية فحمل تعابير: المحبة والتوبة والندامة والنور والكلمة والبشارة والقلم والقلب واللسان والمغفرة والتسامح والشفقة والرأفة والمصالحة والفرح والعناية والغفران والبرّ والتقوى والحكمة والرشد والكرامة والهداية واللطف والحسنة والصدقة وسواء السبيل والصراط المستقيم والعمل الصالح والعبادة والقيام... وكلها هي الحوار.
يركّز الإسلام على الحوار، فالدين هو الحوار، يقول تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة/‏ 256). والحوار هو الدين، يقول تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل/‏ 125). من مستلزمات الحوار الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحقِّ والصبر، يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة/‏ 62). (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (سورة العصر).
إنّ الصراعات والنزاعات الدائمة، لا تنشأ من وجود الاختلاف والتنوع، وإنّما تنشأ من العجز عن إقامة نسق مشترك يجمع الناس ضمن دوائر ارتضوها. والحوار بين الإنسان وأخيه الإنسان، من النوافذ الأساسية لصناعة المشتركات التي لا تنهض حياة اجتماعية سوية من دونها. وعليه فإنّ الحوار لا يدعو المغاير أو المختلف إلى مغادرة موقعه الديني أو الثقافي أو السياسي، وإنّما هو لاكتشاف المساحة المشتركة وبلورتها، والانطلاق منها مجدداً ومعاً في النظر إلى الأمور.


إنّ عظمة أي ثقافة هي في انفتاحها، وقدرتها على تأصيل مفهوم الحوار والنقد في مسيرتها، فثمة أشياء ومعارف عديدة يتم الاستفادة منها من جراء الانفتاح والتواصل والحوار. والثقافة التي تصطنع الانفصال والانغلاق تبتر التاريخ وتقف موقفاً مضاداً من الوعي التاريخي. وإنّ الثقافة الحوارية، هي المهاد الضروري إلى التقدم الاجتماعي والسياسي والحضاري. فالحوار يعيدنا جميعاً إلى اكتشاف ذواتنا، ويقوّي خيارات التواصل والتعارف، ويدفعنا جميعاً إلى التخلي عن تلك الخيارات العُنفية، التي تمارس النبذ والإقصاء.
تؤكد التوجيهات الإسلامية ضرورة الانفتاح والتواصل مع مختلف دوائر ومكوّنات المجتمع الإسلامي. فعن الإمام جعفر بن محمد (عليه السلام) أنّه قال: «أوصيكم بتقوى الله ولا تحملوا الناس على أكتافكم فتذلوا، إنّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة/‏ 83)، عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، واشهدوا لهم وعليهم، وصلّوا معهم في مساجدهم»، فمن الأهمية بمكان إيجاد مسافة موضوعية بين الآراء والمعتقدات. فليس كلّ رأي هو عقيدة، وإنّ أي محاولة للدمج بين الآراء والمعتقدات تفضي في المحصلة النهائية إلى سيادة التعصّب الأعمى بكلّ أشكاله وصنوفه.
كما نجد أنّ القرآن الكريم حفل بحوار الأنبياء (عليهم السلام) مع أقوامهم، كحوار نوح ولوط وصالح وهود وشعيب وغيرهم من الأنبياء (عليهم السلام). وكثرة الحوار في القرآن الكريم تدل على أهميته الشديدة في سبيل إحقاق الحقّ وإبطال الباطل وجلاء الحقائق. فالمتتبع للحوار في القرآن الكريم يلاحظ كثرة تقديم الأدلة والبراهين والحجج من أجل إقناع الطرف الآخر وإزالة الشبه والملابسات في سبيل الوصول إلى الحقّ. فهذا نبيّ الله صالح (عليه السلام) يقدم دليلاً لقومه على صدق دعواه، بخروج ناقة من صخرة صماء عيّنوها بأنفسهم قال تعالى: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الأعراف/‏ 73). كذلك يطالب القرآن الكريم من الطرف الآخر تقديم الأدلة والبراهين لإثبات صحة دعواه، ومثال ذلك قوله تعالى: (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة/‏ 111).

امتلاك ثقافة الحوار
إنّ الله تعالى يريد لنا أن نعيش إنسانيتنا في إنسانية الآخر، وهو تعالى خالق السموات والأرض، ذو العظمة المطلقة، ومع ذلك فإنّه حاور آدم (عليه السلام)، وحاور إبليس، وحاور الملائكة. وفي الخط الإسلامي، نجد أن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حاور الكافرين والمشركين، ومن هنا: في البدء كان الحوار.
فالحوار هو الذي ينشر السلام في البيت والمجتمع والعالم. لذلك، نحن، كمسلمين، في حاجة في هذا العالم إلى الحوار مع العلمانيين والغربيين، لأن هذا هو الطريق لكي تربح عقل الإنسان وفكره، ولكن من شروط الحوار أن تكون مستعداً لأن تقبل إذا اقتنعت وتلتزم، وأن يكون لك علم في ما تناقش فيه، وقد قال الله تعالى: (ومن الناس مَنْ يجادل في الله بغير علم ويتبع كلّ شيطان مريد)، (إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم إن في صدورهم إلا كبرٌ ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير).

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي