No Script

الحريري في رحاب «التيار الأزرق» وانتفاضته دفاعاً عن استقرار البلاد وعروبتها

لبنان على محكّ النأي بالنفس بـ «رافعة» إقليمية - دولية

تصغير
تكبير
ترامب وماكرون أكدا دعم استقرار لبنان وأبو الغيط تحدّث عن «إجراءات»
رغم الغبار الكثيف الذي رافق استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري من الرياض في الرابع من نوفمبر الجاري ثم تعليقها (أول من أمس) بعد عودته الى لبنان، فإن مَلامح المسار الجديد في البلاد بدأت تتضح من خلال حركة زعيم «تيار المستقبل» في بيروت والحِراك الدولي - الاقليمي الذي يُواكِبها.

وبدا واضحاً أن البُعد الداخلي لهذا المسار يرتكز، بعدما تَريّث الحريري في تقديم استقالته، على فسحة تَشاور بين الأطراف المحليين وفق 3 قواعد حدّدها رئيس الحكومة وتقوم على احترام اتفاق الطائف والنأي بالنفس «الفعلي» عن أزمات المنطقة وصون علاقات لبنان مع أشقائه العرب، وسط انطباعٍ متنامٍ بأن «حزب الله» الذي يشكّل عنوان اشتباك داخلي واقليمي ودولي لن يمانع تقديم ما أمكن من تسهيلاتٍ تسمح بحفْظ الستاتيكو الحالي ولو ضمن «ضوابط جديدة» لا تؤثّر عملياً في وظيفته الاستراتيجية.


أما البُعد الخارجي فيتمثّل في عملية دفْعٍ ثابتة للوضع اللبناني في اتجاه مرحلة جديدة محكومة بسقف بيان وزراء الخارجية العرب الأخير الذي صعّد بوجه «حزب الله» كـ «منظمة إرهابية وشريك في الحكومة اللبنانية»، وإيران التي لوّح بنقل تدخلاتها في العالم العربي الى مجلس الأمن الدولي، وأيضاً بالمناخ الدولي الذي واكب استقالة الحريري بدينامية غير مسبوقة حيال لبنان أفضتْ الى تجديد «بوليصة التأمين» حيال استقراره وفتْح الباب أمام وضْع مجمل ملف «حزب الله» على الطاولة في لحظة الترتيبات الجديدة لأزمات المنطقة.

وفيما كان لافتاً أمس إعلان قائد «الحرس الثوري» الإيراني اللواء محمد علي جعفري أن «نزْع سلاح حزب الله اللبناني غير قابل للتفاوض» وهو ما بدا في سياق رسْم «خطوط حمر» أمام الاندفاعة الدولية - الإقليمية حيال الحزب من ضمن المسعى الكبير لاحتواء نفوذ طهران في المنطقة، فإن أوساطاً سياسية توقّفتْ بتمعّن أمام كلام الرئيس الحريري بعد زيارته رئيس البرلمان نبيه بري مساء أول من أمس وإشارته الى ما يشبه «الغطاء العربي» للمسار الجديد في لبنان، إذ قال «في رأيي ان الأشقاء العرب يفهمون موقفنا ويعرفون ماذا نحاول أن نفعل أكان بالأمس مع فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي أو حتى في المملكة العربية السعودية واليوم (أمس) أيضاً دولة الإمارات العربية المتحدة، والأمر كان إيجابياً في ما خص النأي بالنفس. وهناك اتجاه لدعم طريقة العمل التي نقوم بها. وأيضاً الرئيس الفرنسي (ايمانويل ماكرون) الذي يتابع هذا الموضوع بشكل أساسي لاستقرار لبنان».

وما جعل هذا الكلام يكتسب أبعاداً مهمة أنه جاء بعد مواقف أطلقها وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش عبر «تويتر» قبيل إعلان الحريري تريُّثه في الاستقالة واعتبر فيها «ان خروج لبنان من أزمته والأزمات الإقليمية أقلّه التطبيق الحرفي لمبدأ (النأي بالنفس)، والمعضلة الأساسية أمام ذلك هي التطبيق الانتقائي للمبدأ والدور الوظيفي الإيراني لحزب الله خارج الإطار اللبناني»، مضيفاً: «نتمنى للبنان الاستقرار كما نتمناه لسائر العرب، ونرى في (النأي بالنفس) توجهاً عاقلاً في هذه الأزمنة الصعبة...».

في موازاة ذلك، كان الأمين العام للجامعة العربية أحمد ابو الغيط يلتقي الحريري في دارته (بيت الوسط) ويضعه في أجواء بيان وزراء الخارجية العرب الأخير، متحدّثاً في ردٍّ على سؤالٍ حول اذا كان نقل رسالة محدَّدة الى رئيس الحكومة عن «أفكار وإجراءات ستحصل وأفضّل ألا أتحدّث فيها».

وفي المقلب الغربي، كان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي اضطلع بدور كبير في مواكبة مرحلة استقالة رئيس الحكومة وصولاً الى عودته الى بيروت و«خريطة طريق» ما بعدها، يبرق الى نظيره اللبناني العماد ميشال عون لمناسبة الاستقلال، مؤكداً «التمسّك الجامع للمجموعة الدولية بوحدة لبنان وسيادته واستقراره اضافة الى اهمية استمرار حسن سير المؤسسات»، مشدداً على «ان استقرار لبنان يشكّل أولوية فرنسية، وانّنا نعمل في هذا الاتجاه وسط الظروف الصعبة التي يجتازها لبنان حالياً».

وفي الوقت نفسه، أبرق الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى الحريري مهنئاً بعيد الاستقلال، ومعرباً عن تقدير الولايات المتحدة للعلاقات الثنائية بين البلدين والشعبين.

وأتى موقف ترامب غداة ترحيب خارجية بلاده بلسان مسؤول فيها بعودة الحريري إلى لبنان، موكداً ان واشنطن «متفائلة أيضاً بالمناقشات التي أجراها الحريري مع الرئيس عون وببيانه (حول التريث في الاستقالة) الذي يؤكد مجدداً التزامه باستقرار لبنان».

وفي ملاقاة هذا الحِراك الخارجي، كان المشهد الداخلي شاخصاً على التشاور الذي فُتح حول سبل النأي بلبنان عن أزمات المنطقة وحفظ علاقاته العربية وتحقيق التوازن في الشراكة بين مكوّناته، وهو التشاور الذي باتت آلياته ومدّته وشكله في عهدة الرئيس عون فيما مضمونه في ملعب «حزب الله» الذي اعتبرت كتلته البرلمانية في أول موقف يصدر عن الحزب حيال أزمة الاستقالة ان عودة الحريري «والتصريحات الايجابية التي صدرت عنه والمسار الايجابي الذي تسلكه المساعي تبشر بإمكان عودة الامور الى طبيعتها»، مع ملاحظة انه ورغم تشدد الكتلة في تأكيد تموْضع الحزب ضمن «محور المقاومة» والتمسك بسلاحه تحت عنوان «الدفاع المشروع عن النفس والوطن» أنها تفادت تسمية المملكة العربية السعودية في انتقادها ضمناً بيان وزراء الخارجية العرب الأخير وإن دانت «خطاب التحريض والتزوير الذي استخدمته بعض الدول الخليجية والضغوط التي مارستها في سياق النيل من (حزب الله) ومقاومته الشجاعة والشريفة».

وفي المقابل، كان الحريري يؤكد خلال رعايته افتتاح أعمال المؤتمر المصرفي العربي السنوي لعام 2017 ان «همنا الأساسي هو الاستقرار وهذا ما سنعمل عليه بإذن الله»، معتبراً «ان المرحلة التي مرت تشكّل صحوة لنا جميعا لننظر إلى مصلحة لبنان أولاً، وعلاقاتنا مع أشقائنا العرب يجب أن تكون الأساس، وعلينا أن نبحث في كل الوسائل لنتمكن من الوصول لأن يكون للبنان نأي بالنفس حقيقي وصريح وليس بالقول فقط».

وبهذا الكلام استبق رئيس الحكومة الاجتماع المشترك الذي ترأسه لكتلته البرلمانية والمكتب السياسي والمكتب التنفيذي لـ «تيار المستقبل» حيث وضعهم في ملابسات استقالته وما تلاها، قبل ان يصدر بيان تلاه النائب السابق باسم السبع عبّر عن «الارتياح التام لعودة الرئيس الحريري الى موقعه الطبيعي في قيادة المسيرة السياسية والوطنية»، واصفاً تريُّثه في تقديم الاستقالة بناء على تمني عون بأنه «خطوة حكيمة لأجل المزيد من التشاور، حول الأسباب والخلفيات، وإعادة الاعتبار لمفهوم اعادة النأي بالنفس عن الحروب والصراعات المحيطة، والامتناع عن كل ما يسيء الى علاقات لبنان بأشقائه العرب، ورفض تدخل اي جهة لبنانية او إقليمية في الشؤون الداخلية للبلدان العربية».

واذ وضع البيان تَقاطُر الحشود الى دارة الحريري اول من امس في سياق «الوفاء لزعامته وتأكيد التفويض لدوره ومكانته في الشراكة الوطنية (...) وتجديد الثقة بقيادته وخياراته»، ختم: «إنه زمن التيار الأزرق الذي ينتفض مجدَّداً دفاعاً عن استقرار لبنان وسلامة العيش المشترك بين أبنائه، وتحصينا لعروبته في وجه المتطاولين عليها».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي