No Script

ماذا يَحْدُثُ في الطريق إلى تشكيل الحكومة العراقية؟ (2 - 2)

... هذا ما جرى في اجتماع «نادر» بين الأمم المتحدة و«حزب الله» في... بغداد

No Image
تصغير
تكبير

... في اللحظة التي كانت تشتدّ المواجهة الأميركية - الإيرانية في الطريق الى اختيار رئيس للوزراء في العراق، عُقد اجتماعٌ «نادر» بين ممثّل الأمم المتحدة في العراق ومبعوث «حزب الله» الشيخ محمد كوثراني في محاولةٍ لتخفيف الوضع السياسي المتوتّر بين الجنرال الإيراني قاسم سليماني ومبعوث أميركا بريت ماكغورك.
«ما دامت أميركا تهدد بالعقوبات المالية والإرهابية لانتخاب (حيدر) العبادي رئيساً، فمرشّحنا هو أبو مهدي المهندس. وإذا أرادتْ أميركا فرْض مرشحها فلنرَ مَن سيصل إلى السلطة». هذا ما قاله كوثراني للمبعوث الدولي في الاجتماع الذي يرْقى إلى مستوى الاعتراف بدور «حزب الله» في العراق، ويدلّ على مدى يأس واشنطن وطلبها وسطاء للتخفيف من وطأة هزيمتها السياسية.
وبالفعل خشيتْ واشنطن من رؤية زعيم في السلطة يكنّ العداء لها. إلا أن إيران وأميركا ليستا اللاعبين الوحيديْن في العراق: فقد طلبتْ تركيا دعم وصول أسامة النجيفي إلى رئاسة مجلس النواب بدل محمد الحلبوسي. وتطلّب ذلك زيارة قام بها خميس خنجر للقاء الرئيس رجب طيب اردوغان وإبلاغه ان النجيفي متحالف مع أميركا ودول في الشرق الأوسط. وهكذا قبِل أردوغان التخلي عن النجيفي.
ومما لا شك فيه ان العراق يقع في عين العاصفة: فمصالح إيران وأميركا وتركيا أثقلت الانتخابات واختيار القادة العراقيين. خيارُ أميركا كان واضحاً بدعم العبادي مرشّحها المثالي، هو الذي فعل كل ما في وسعه لخدمة مصالحها في العراق وحتى في سورية. فقد منع «الحشد الشعبي» من تحرير دير الزور والقائم استجابةً لمطلب أميركا التي أرادت شراء المزيد من الوقت لوصول الأكراد إلى دير الزور وآبار النفط والغاز شرق الفرات. وهكذا أوقف العبادي الدعم لسورية ما سمح لأميركا باحتلال شرق بلاد الشام.
ووقف العبادي بقسوة ضدّ سليماني في أكثر من أربع مناسبات مختلفة. إذ أمر في احدى المرات بتفتيش حقائبه في محاولة «لشدّ أذُن سليماني» على الطريقة العراقية. وكذلك كان عليه الانتظار لمدة طويلة أمام باب مكتبه قبل استقباله. وأراد في مرات عدة عزل أبو مهدي من موقعه كنائب قائد الحشد الشعبي. وفي آخر مرة زار العبادي مقر «الحشد» اعترض على وجود صورة السيد علي السيستاني على الحائط وعلى صورة عماد مغنية وصور أخرى. وكل ذلك لفرض سلطة لم يتمتّع بها طويلاً. «لقد أوصلت غطرسة العبادي إلى إبعاده عن الدورة الثانية والى فقدان حزب الدعوة السلطة التي من المرجح أن يبقى خارجها لمدة طويلة ما لم يتم إجراء تغيير جدي في المستقبل»، على ما يقول العارفون.
كيف كان دور إيران في الانتخابات العراقية؟
صممت إيران على دعم العبادي. وقد حاول سليماني فرْضه على حلفائه، فاجتمع بهادي العامري والعبادي لتشكيل كتلة واحدة. إلا ان العامري رفض وضْع بيْضه في سلة العبادي. وكان محقاً اذ حصل العامري على 48 مقعداً والعبادي خرَج بـ 12 مقعداً بعد انشقاق فالح الفياض عنه.
تبنى العبادي موقفاً عدائياً تجاه إيران مقتنعاً بأن «النظام سيسقط». عندها أسقط سليماني دعْمه للعبادي وذهب إلى عادل عبدالمهدي كخيار أول وفالح الفياض كخيار ثابت لا يزال قائماً اذا لم ينجح عبدالمهدي في تشكيل حكومته.
أما بالنسبة إلى تركيا فهي لاعب مهمّ وتملك قنصليتين في البصرة والموصل وقوات في بعشيقة. وقد أرادت النجيفي، ولم تردْ إيران إغضاب تركيا ولذلك أوفدت خنجر إليها للتفاهم على رئيس برلمان غير النجيفي. وفي ما خصّ المرشحين السنّة، فقد انضم صالح المطلق إلى الحلف الداعم لأميركا، فخسر أي احتمال لعودته كمسؤول في الحكومة الآتية.
وعند انتخابه، زار الحلبوسي، تركيا ليلتقي أردوغان ويشكره على دعمه له. وتمكّن الحلبوسي من الحصول على موافقة أنقرة لضخ المزيد من المياه عبر نهر دجلة لتخفيف النقص ولا سيما في محافظة البصرة.
ودعمت إيران الحلبوسي وانتقلت إلى انتخاب الرئيس الجديد. فواجه سليماني معضلة حقيقية: فاختيارُه كان لبرهم صالح الذي وعد «بالوقوف جنب إيران مثلما فعل امام جلال (طالباني)». ولم يكن من الحكمة إغضاب مسعود بارزاني الذي أصرّ على فؤاد حسين كرئيس للعراق. وبارزاني لا يزال غاضباً من فقدانه كركوك والاستفتاء على استقلال كردستان. ولم يكن سليماني يرغب بإطلاق رصاصة الرحمة على الزعيم الكردي.
ويوم الانتخابات واجه حسين، صالح في البرلمان. وبقي سليماني على عدم تدخله، وصوّت البرلمان في الدورة الأولى بـ 112 صوتاً لبرهم الذي احتاج الى أكثر من 220 صوتاً. وبدأت الاتصالات ترِدْ للنواب تطلب منهم التصويت لحسين مع تهديد باستخدام أساليب الترهيب. فما كان من سليماني إلا أن أوعز بالطلب لصالح بقفْل خطه الهاتفي وطلب من كل الحلفاء التصويت لمصلحة الذي فاز بالرئاسة.
وبقي منصب رئيس الوزراء. وحتى الساعات الأخيرة أصرّ نوري المالكي على رفْض عبدالمهدي. وتطلب الأمر الكثير من الجهد من سليماني وكوثراني لإقناعه. ودَعَم السيد السيستاني، عبدالمهدي وطلب من مقتدى الصدر إفساح المجال له، فردّ السيد مقتدى «سمعاً وطاعة».
وهكذا أغلق مقتدى الباب أمام عمار الحكيم الذي روّج بشدة لأميركا مقترحاً رئيس جهاز الاستخبارات كرئيس للوزراء. والصدر غاضب من إيران ولكن ليس لدرجة خدمة أعدائها، وهكذا تراجع مُسْقِطاً العبادي. وقد نفى المسؤولون الأميركيون أن يكونوا هددوا العراقيين في محاولة لضمان نجاح مرشحهم العبادي. ولم تجد أي قائمة روّجت لها أميركا النجاح حتى لو ادّعوا انهم دعموا الحلبوسي وصالح وعبدالمهدي.
وفي نهاية المطاف، إذا كانت أميركا وإيران توصلتا إلى النتيجة نفسها فلربما كان الرخاء ينتظر بلاد ما بين النهرين. يبقى أن ننتظر المرحلة المقبلة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي