No Script

مثقفون بلا حدود

شهاب غانم... مترجم من الإمارات (2 من 2)

No Image
تصغير
تكبير

ننتقل مع المترجم الإماراتي الدكتور شهاب غانم، في ترجمة قصيدة بعنوان «النرجس الأصفر» لوليم وردزورث (1770-1850):
For oft, when on my couch I lie.
In vacant or in pensive mood.
They flash upon that inward eye,
Which the bliss of solitude.
And dances with the daffodils
ترجمة النص: «إذ كثيرا ما يعتريني اكتئاب... في فراشي من دونما استئذان... ثم تأتي الذكرى كومضة حلم... في خيالي في وحدة الفنان... فإذا القلب راقص في سرور... وابتهاج كالنرجس النشوان» أ.هـ
لقد تصرف المترجم بهذه الترجمة بطريقة لافتة للنظر، ولم يعتمد على الترجمة الحرفية للكلمات كعادته، إنما صاغ المعنى مجملا برهافة حسه، لا حظ معي كيف وظف الاستعارة المكنية توظيفا خلاقا لتضفي جمالاً خلاباً في ثنايا الأبيات، لقد شبه «الذكرى» بالفتاة الآتية وهي تشرق وتشع حسنا وجمالا، فحذف المشبه به الفتاة وجاء بصفة من صفاتها وهي الأتيان، فالذكرى لا تأتي إنما الفتاة هي التي تأتي، لقد نقل المترجم الدكتور شهاب غانم، هذه الصورة البيانية من غير خلل في موسيقى الشعر، ولعله كان حذقا عندما جعلها ذات علاقة سببية لما يعترى الشاعر من ضيق نفسي؛ فتأتيه الذكرى لتحيي روحة الميتة وتسري عن نفسه وتحرك كل ساكن من عواطفه ومشاعره اتجاه طيف الحبيبة، وتمنحه بصيصا من الأمل يترقبه برؤية ذكرياته كلما ضاقت به الدنيا. ويضيف استعارة مكنية ثانية، حينما قال «القلب راقص» ومعلوم لدينا بأن القلب لا يرقص ولكنه شبهه بالرجل الراقص جذلا وفرحا لسعادة غمرته، والسعادة هي ومضة الذكرى التي جاءته وهو كئيب ضائق الصدر، ولعل المترجم هنا قد فطن إلى العلاقة بين دقات القلب التي شكلت إيقاعا للرقص فجعل اللفظتين متلازمتين.
ويترجم غانم قصيدة لروبرت فروست، بعنوان: الدرب الذي لم أسلك 1847-1963:
The Road not taken.
Two roads diverged in a yellow wood.
And sorry I could not trave both.
And be one traveler, long I stood.
And looked down one as far as I could.
To where it bent in the undergrowth
الترجمة: (افترق الدرب فصار دربان... في غالب مصفر الألوان... وأسفت بأني لا أقدر أن أرحل في الدربين بذات الآن... فوقفت طويلا أنظر في أحد الدربين... لأقصى إبصار العينين) أ.هـ
قي ظل سؤال طرحه أحد الباحثين وهو: «من الصعب ترجمة الشعر لأن الذي قاله مبدع، فهل المترجم مبدع؟»أ.هـ.
نقول له: نعم؛ المترجم مبدع، حيث إن الترجمة هي فن من فنون اللغة والأدب معا، ولعل الدكتور الإماراتي شهاب غانم، قد برهن على ذلك في هذه اللوحة الفنية الرائعة حينما ترجمها بإبداعه هو، وجعل منها لوحة فنية نابضة بالحركة والحياة، انظر كيف يحاكي الشاعر الدرب، ويتناغم معه وهو في حيرة أي الدربين يسلك في حياته؟ لقد لعب إبداع المترجم هنا دورا هاما لدى المستمع؛ إذ جعله يواصل قراءة القصيدة المترجمة ليصل في النهاية إلى أي الدربين ذهب الشاعر. فلولا تمكن غانم، من اللغة العربية وإتقانه للغة الإنكليزية، لما خرجت هذه القصيدة بهذا المفهوم الرائع.
مرة أخرى نقول، بل نؤكد القول إن المترجم لا يقل إبداعا عن شاعرية الشاعر.

* كاتب وباحث لغوي كويتي
fahd61rashed@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي