No Script

«الراي» استطلعت آراء العنجري والنفيسي واليوحة في أسباب عدم وجود هيئة مستقلة تنهض بها سياحياً

الكويت... الكنز السياحي المفقود!

تصغير
تكبير
العنجري: الكويت يمكن أن تتحول إلى وجهة سياحية خلال 3 سنوات في حال إقرار كيان ينظم السياحة

النفيسي: نسبة تشغيل الفنادق 50 في المئة بسبب عدم وجود مفهوم واضح للسياحة في الكويت

اليوحة: هناك 3 ملايين خليجي يزورون الكويت سنوياً وحتى الآن مفهوم السياحة لم يتشكل بعد
لا يبدو أن الكويت قد تتحول في القريب العاجل إلى وجهة سياحية كمثيلاتها في المنطقة، لا سيما بعد أن اقتربت أسعار النفط من أعتاب الـ20 دولاراً قبل أشهر، وراحت الحكومة تبحث عن بدائل جاء في مقدمها المطالبة بتنمية قطاعات غير نفطية أبرزها السياحة...

تلك المطالبة لم تكن وليدة اليوم، بل على العكس كانت محل ترحيب، من قبل مختصين في هذا القطاع، وهم وغيرهم من نادوا بها أصلا بها منذ ثمانينات القرن الماضي، مطالبين بتعزيز السياحة. لكن أي سياحة يقصدون؟

فعلى الرغم من وجود كل مقومات السياحة في الكويت بدءاً من موقعها الجغرافي، وجزرها الخلابة وتاريخها العريق وانفتاح شعبها وديموقراطيتها السابقة لدول عربية، وبيئتها الصحراوية والبحرية والحضرية، وبنيتها التحتية العصرية ومخزونها الثقافي والتراثي والأثري، إلا أنه ما يزال مفهوم السياحة في الكويت مبهماً، وماتزال الأبواب مغلقة أمام تنمية القطاع السياحي لتعزيز تنافسيته على خارطة السياحة الإقليمية في ظل غياب إرادة لتنميتها في الكويت... هكذا يختزل مختصون في هذا القطاع إشكالية محدودية مساهمة هذا القطاع في الاقتصاد الكويتي.

«الراي» استطلعت آراء ثلاثة من أصحاب الشأن والمهتمين بأمر السياحة في الكويت ذلك الكنز المفقود، وخرجت بهذا التقرير:

أزمة السياحة في الكويت حسب المديرة السابقة لشركة المشروعات السياحية مدير عام شركة «ليدرز جروب للاستشارات» نبيلة العنجري تبدأ من عدم وجود هُوية متناغمة للسياحة الكويتية يمكن ترويجها في السوق الإقليمية والدولية.

وقالت العنجري «إنه لا يوجد إلى اليوم تسويق للكويت كوجهة سياحية لا في الداخل أو في الخارج. حيث لا تكاد تذكر أي حملات توعوية للعموم أو لمتخذي القرار حول الترويج لمنتجات السياحة المبعثرة»، مضيفة أن «الكويت لديها مزايا سياحية كثيرة لكنها غير منسجمة في رؤية سياحية متكاملة. وسبب عدم انسجام المزايا السياحية في الكويت يرجع لعدم وجود منتج تنافسي يجذب السياح».

وقد وضعت العنجري إصبعها على أصل المشكلة التي تكمن حسب رأيها في غياب جهاز حكومي تنظيمي مستقل يشرف على تأهيل قطاع السياحة وربط الخدمات المرتبطة به لتشكيل هُوية السياحة المتكاملة بين السياحة الصحراوية والبحرية والثقافية والترفيهية، لافتة إلى أن «السياحة في الكويت تفتقد لخيط رابط بين مختلف الخدمات والمقومات».

وبينت العنجري أن «في الكويت مزايا كثيرة كالبنية التحتية الجيدة والفنادق المتوافرة المستجيبة للمعايير العالية، مع كون الكويت واحة جغرافية يمكن إدماجها في رؤية سياحية تنافسية في حال وجود هيئة مستقلة وقانون ينظم القطاع»، مشددة على أن «السياحة الكويتية لا تحتاج وفق التوقعات سوى ثلاث سنوات لتكون على خارطة السياحة الدولية والإقليمية في حال إقرار كيان ينظم السياحة. حيث يمثل هذا الكيان الحلقة المفقودة بين مختلف المنتوجات والمؤهلات السياحية المبعثرة، وفي حال وجود مرجعية قانونية للقطاع يمكن للدولة أن تفعل دور القطاع الخاص في مجال تنمية السياحة وتدمجه في رؤية موحدة تحفز الكثير من أصحاب الحرف والمهن والمشاريع الصغيرة أن يستثمروا في هذا القطاع».

وتقول العنجري إن «السياحة يمكن لها أن تحفز الكثير من القطاعات وفي مقدمها الثقافة والبيئة والإعلام والتجارة والاستثمار. فبوجود هيئة مستقلة تنسق بين هذه المؤسسات من أجل المساهمة في تنمية السياحة يمكن أن يجد الزائر للكويت برنامجاً سياحياً ثرياً يقوم من خلاله برحلات استكشافية لمعالم الكويت الأثرية وجزرها البحرية وصحرائها، كما يمكنه أن يقوم بجولات ترفيهية في أسواقها القديمة، إضافة إلى تنظيم وإقامة معارض ثقافية أو أنشطة فنية يكتشف من خلالها الزائر للتراث الشعبي الكويتي، كما يمكن أن يسمتع بالسياحة البحرية والاستشفائية المتوافرة في الفنادق».

وبينت العنجري أن «ربط السياحة بالتنمية سيوفر سلة كبيرة من المكاسب الاقتصادية. حيث أصبح النهوض بالسياحة ضرورة قصوى اليوم أكثر من أي وقت مضى، حيث إن أعداد زوار الكويت في نمو إذ قفز عدد الخليجيين على سبيل المثال الزائرين للكويت في 2015 إلى ثلاثة ملايين زائر بزيادة بلغت نصف مليون مقارنة بالعام 2014، وهذا ما يؤكد أن الكويت تمثل في جزئية معينة وجهة سياحية في المنطقة. إلا أن هذه الظرفية المشجعة لتنمية السياحة غير مستغلة بالشكل الكافي مقارنة بدول أخرى في المنطقة. حيث إن الاستثمارات الأجنبية في القطاع السياحي تعتبر محدودة، إذ إن الكويت هي أقل بلد خليجي في تدفقات الاستثمار الخارجي إليها».

وفي الوقت الذي اعتبرت فيه العنجري الكويت بلداً سياحياً نائماً، شددت على أن «الكويت ان عززت الاستثمارات السياحية فيها، وعملت على تحسن مستوى تدريب المتخصصين، وقامت بتوفير المرجعية القانونية فإنها من دون أدنى شك ستنافس السياحة فيها بقوة وجهات سياحية في المنطقة».

من جهته، أيد رئيس اتحاد أصحاب الفنادق غازي النفيسي ما ذهبت إليه العنجري في توصيف مشكلة السياحة الكويتية.

وقال العنجري إن «مطلب قيام كيان مستقبلي يُعنى بالسياحة قديم جديد حيث إن أصحاب الفنادق يطالبون به منذ ثمانيات القرن الماضي»، مضيفا «من دون هذا الكيان ستظل السياحة لا مفهوم لها، فمقومات كثيرة لو تم تجميعها في رؤية سياحية متكاملة لأصبحت فنادق الكويت طوال العام عامرة، حيث إن نسبة تشغيل الفنادق لا تتجاوز اليوم 50 في المئة سنوياً بسبب عدم وجود مفهوم واضح للسياحة يمكن تسويقه».

وأضاف النفيسي أن «جوهر أزمة السياحة يكمن في عدم وجود إرادة أو رغبة جادة من الدولة لتنمية القطاع. إلا أن الهبوط الحاد للنفط في الآونة الأخيرة قد غير قليلاً المزاج الحكومي تجاه السياحة، لكنه حتى اليوم لا توجد خارطة طريق لتنمية حقيقية للسياحة على غرار بعض الدول الخليجية، حيث تستمر حالة الضبابية في مفهوم السياحة التي يمكن أن تدعمه الدولة وتروج له. هل هي سياحة ثقافية أم ترفيهية أم بحرية أم استشفائية أم سياحة رجال الأعمال، فليس هناك من توجه واضح لتعزيز القطاع». وتمنى النفيسي أن تكون هناك مبادرات جدية لإرشاد كل المتدخلين في القطاع لتوجه شامل وواضح يدعم السياحة مثل القطاعات الأخرى في الدولة.

وإن بقي الاستفهام حول إمكانية إيجاد هُوية للسياحة الكويتية، فستبرز دائماً إشكالية أخرى متعلقة بالسياحة وهي التسويق للكويت تاريخاً وحضارة وشعباً وفنوناً، حيث يعتقد النفيسي أن «مثل هذه المنتجات تعد خصوصية السياحة في كل بلد والتي تميزه عن بلد آخر، وقد تكون عالم جذب لمن لا يعرف الكويت مثلاً. حيث إن الكويت لو تحولت إلى وجهة سياحية إقليمية ودولية لن يكون سهلاً على زائريها اليوم مشاهدة جل معالمها التاريخية غير الأبراج وسوق المباركية، كما قد يتعذر عليهم ملامسة خصوصية الكويت التراثية والشعبية والفنية. حيث قد يكون الدليل السياحي الذي يمكن أن يقدم للسائح فقيراً من ناحية تنوع الأماكن والأنشطة التي تتضمنها الجولة الاستكشافية والسياحية للكويت، فلا توجد معالم سياحية كثيرة ليتصور إلى جانبها الزوار كما لا توجد برامج ترفيهية ثقافية وفلكولورية تقدمها الفنادق للسائح، إلى ذلك ليس هناك مظاهر لترويج ثقافة الكويت ومخزونها الغني بالموروث والتقاليد لا في الخارج أو في الداخل».

ويعزو النفيسي ذلك إلى أن «بعض المختصين في مجال السياحة والثقافة لم يشكلوا بعد هُوية سياحية واضحة للكويت نظراً لعدم التنسيق بين المؤسسات المتداخلة في قطاع السياحة، ناهيك عن عدم وجود رغبة حقيقية في تحويل الكويت إلى وجهة سياحية من دون اغفال محدودية تحول الفنادق من منتجعات سكنية إلى مؤسسات تسهم في دعم السياحة الثقافية عبر التعامل مع المؤسسات الثقافية لتقديم برامج ترفيهية واستكشافية للكويت وحضارتها. فيما ظلت الخدمة السياحية متركزة على زيارة مجمعات التسوق».

الزائر بقصد السياحة أو العمل أو الاستثمار أو الاستشفاء أو غيرها قد يغادر الكويت من دون أن يكتشف خصوصيتها وعراقة تاريخها ومن دون أن يصطحب منتوجات رمزية للكويت. وفي هذا الصدد أكد الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب علي اليوحة انفصال قطاع الثقافة عن السياحة. حيث قال إن «المجلس الوطني يقوم بكل ما يستطيع لتعزيز المقومات الثقافية والحضارية للكويت من خلال دعمه للأنشطة على مدار العام من أجل جمهور كويتي وعربي إلا أنه ليس هناك رابط بكل هذا مع السياحة. فمثل التظاهرات الثقافية أو المعالم الأثرية قد تكون أهم ما يمكن أن يحلم به زائر للكويت من أجل مشاهدة وملامسة خصوصية البلد».

وبيّن اليوحة أن «المجلس الوطني للثقافة لديه أدوات تساعد السياحة فقط. إلا أن هذه الأدوات غير مندمجة في المنتجات السياحية، فنزيل الفندق لا يجد برنامجاً لاكتشاف معالم وأنشطة الكويت الثقافية، وقد تنتهي بالزائر إلى البقاء في غرفته أو يقصد أحد مراكز التسوق، ثم يجد نفسه مضطراً للتوجه إلى المطار الذي بدوره لا يحمل أي خصوصية كويتية لمنتجات أو صور أو معروضات كويتية ترسخ هُوية البلد للداخل أو الخارج منها».وأردف اليوحة أن «الجولة الميدانية التي قد يقوم بها سائح للكويت قد تسجل غياب مظاهر الأنشطة الثقافية في الأماكن التاريخية قياساً للعواصم السياحية في العالم مثل باريس واسطمبول التي توجد بها على الدوام أنشطة فنية وإبداعية وحرفية في شوارع قرب معالم تاريخية تكون مقصداً للزوار المهتمين». وزاد اليوحة أن «يتم دعم توجه عمل شارع ثقافي دائم في أحد المواقع التاريخية العريقة يقدم فيه المبدعون انتاجاتهم الفنية التي تعكس الهُوية الكويتية في رسوم ومنحوتات ومنتوجات تقليدية وفنون تراثية وفلوكورية، وتبقى مثل هذه المظاهر الفنية موسمية ومناسباتية، على سبيل المثال في الأعياد الوطنية فهذا من شأنه أن يجعل الكويت أقرب ما يكومن للبلد السياحي في عرضه لأنشطة ومنتوجات تثير اهتمام الزائر عند زيارتها».

وبين اليوحية أن «هناك توجها جدياً لتعزيز الأنشطة والفعاليات والموسيقى ومعارض تشكيلية ومؤتمرات وأنشطة سينمائية وندوات فكرية على مدار العام، كما أن المجلس يعمل على دعم تواجد المتاحف وإعادة تأهيل المواقع الأثرية أو المباني التاريخية، حيث إن المجلس استطاع تأهيل ما يقارب 30 مبنى تاريخيا، إلا أن أكثر من 60 معلماً أو مبنى تاريخياً لم تدخل بعد برنامج التأهيل لجعلها مقصداً للزوار وذلك نظراً لاستمرار المفاوضات بين المجلس وملاك هذه المباني من أجل نزع ملكيتهم، وبالتالي فإن عشرات المباني التي يمكن أن تكون أيقونة المعالم التاريخية للكويت تخضع اليوم للملكية الخاصة وليس للدولة».

وكشف اليوحة أن «أهم المعالم التاريخية مكونة من مبانٍ وأسواق وبوابات وقصور ومدارس قديمة تعود إلى أكثر من مائة سنة، وفي ظل استمرار المفاوضات لنزع ملكيات مبانٍ تاريخية كثيرة يبقى التسويق للمعالم التاريخية الموجودة والتي تمت إعادة تأهيلها محدوداً. حيث لا توجد حملات دعائية أو برامج منسقة مع الفنادق لزياة مثل هذه الأماكن».

دخول الكويت على خط المنافسة السياحية مرهون بإرادة فعلية

قد تكون سياحة التبضع أو التسوق والسياحة الشاطئية والترفيهية مطلباً تسعى إليه بعض الدول في الخليج، ولاسيما أن تلك السياحة متواجدة في الكويت وكل دول العالم... وان كانت سياحة التسوق مهمة في تنشيط التجارة إلا أن السياحة الثقافية قد تُلهم أكثر السياح من كل أنحاء العالم لزيارة البلاد.

وفي ظل تواجد مقومات كثيرة بما فيها الآثار والموروث الثقافي والطبيعي يمكن للكويت دخول المنافسة لكن يبقى هذا التوجه رهن إرادة فعلية لتحويل الكويت لوجهة سياحية إقليمية ودولية، ما قد يترتب عن هذا التوجه إصلاحات كبيرة على مستوى التشريعات المسهلة للزيارات السياحية والمعززة للاستثمارات الأجنبية والداعمة للتدريب على المهن السياحية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي