No Script

تَعدَّدتْ الأسباب والنتيجة واحدة

ترامب يتراجع عن الانسحاب أمام تَقَدُّم «القاعدة» في سورية

No Image
تصغير
تكبير

تتقدّم قوات «جبهة النصرة» سابقاً (هيئة تحرير الشام حالياً) في المناطق الشمالية في سورية لتسيطر على كل المدن والقرى في ريفيْ حلب الشمالي والغربي، وهي تتجه نحو إدلب، هدفها المقبل، في محاولة لإلغاء أي فصيل يُعتبر معتدلاً ووقّع على اتفاق أستانة وسوتشي لوقف إطلاق النار تحت رعاية تركية - سورية.
وفي ضوء هذه التطورات التي طرأت في الأسبوع الأول من السنة الجديدة، يتراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن قراره بالانسحاب من سورية، رابطاً «بقاء قواته» بهزيمة «داعش» الذي لم يعد يسيطر إلا على 3 قرى على طول الجزء الشرقي لنهر الفرات في منطقة دير الزور حتى القائم.
ومن الواضح أن أسباباً عدة تدفع الإدارة الأميركية لممارسة ضغوطها على ترامب القليل الخبرة في السياسة الخارجية ليغيّر قراره أو يبطئ تنفيذ ما وعد به أثناء حملته الانتخابية وما ردّده في الأسابيع الماضية، فماذا حدَث؟
أولاً: من الناحية العسكرية والجيو- سياسية، فإن من الطبيعي لأي خبير في الشرق الأوسط أن لا يرى مبرراً أو مصلحة لأميركا بالانسحاب من سورية. فهي تضايق إيران وحلفاءها وتضايق روسيا وسورية والعراق بتواجدها على أرضٍ تحتلها في سورية وتحمي «داعش» من خلالها وتوفّر الدعم لإسرائيل. وتعتقد دمشق أن الوجود الأميركي في الجزء الشمالي - الشرقي من البلاد سيبقى مصدر فتنة وقلق لسورية ومحورها الرافض للهيمنة الأميركية.
ثانياً: لوّح العراق بالبطاقة الصفراء في وجه ترامب حين حضر إلى البلاد وضرب بعرض الحائط الأعراف الديبلوماسية بعدم زيارته بغداد وبرفْضه ملاقاة رئيس الوزراء ورئيس البرلمان ورئيس الجمهورية على أرضٍ عراقية داخل قاعدة عين الأسد. وهذا ما دَفَعَ أحزاباً ونواباً عراقيين للطلب من الحكومة إخراج القوات الأميركية من البلاد. وتالياً إذا أخْرج العراق أميركا وَخَرَجَ ترامب من سورية فلن يبقى لواشنطن أي وجود عسكري في بلاد الشام ولا في بلاد ما بين النهرين، وهذا يتعارض مع مبدأ الهيمنة الأميركية في العالم.
ثالثاً: من غير المستبعد أن يكون تَقدُّم قوات «القاعدة» في سورية مرتبطاً أيضاً بالأسباب الإضافية التي ستجبر ترامب على إبقاء قواته لفترة أطول. إذ ان اتفاق أستانا الذي أعطى تركيا السلطة لمنْع تقدُّم الجيش السوري بإتجاه إدلب وإستعادة الأرض، أخفى تَفاهُماً روسياً - تركياً - إيرانياً - سورياً لم يستطع ترامب كسْره أو خرْقه. وبالتالي فإن فرصة الرئيس الأميركي ليعود الى الساحة السورية قد انتفت. وهكذا سُحبت ورقة ضرب الجيس السوري بصواريخ التوماهوك تحت عذر «استخدام القنابل الكيميائية ضد المدنيين في إدلب من قبل الجيش السوري».
أما اليوم وبعد سيطرة الجهاديين من «القاعدة» في بلاد الشام ومعها القوات الأجنبية من جنسيات مختلفة على طول خط الفصل بين إدلب وحلب وحماه وأريافها مع الجيش السوري، فإن ذلك سيغيّر الإتفاقات ويعطي المسوغ للجيش السوري ولروسيا للقفز فوق اتفاق أستانا وضرْب القاعدة. فتركيا لم تحرك ساكناً ولم تستطع إنهاء الجهاديين، بل أكثر من ذلك، فقد قضى هذا الفريق القاعدي على كل حلفاء تركيا في المنطقة. وإذا ضربت روسيا وسورية القاعدة في إدلب وأريافها وحلب وأريافها، فإن أميركا ستجد نفسها أمام فرصة خرْبطة الأمور على روسيا من جديد والتدخل في الواقع السوري عبر ضرْب الحليف الروسي الأول: قوات الجيش السوري.
ومما لا شك فيه أن سيطرة «القاعدة» على خطوط الفصل سيتسبّب باشتباكات عسكرية وباحتمال زجّ قوات لضرب أمن مدينة حلب بالدرجة الأولى. وتحتاج «القاعدة» لهجوم ضد الجيش السوري لتبرر إلغاءها لأكثر من 14 فصيلاً سورياً يُحسب على المعتدلين لتقول إنها فعلت فعلتها لتحمي الثورة من جديد.
فقائد «النصرة» هو أبو محمد الجولاني الذي أرسله أبو بكر البغدادي العام 2011 إلى سورية ليحضّر لقدومه، وقد انقلب عليه ليقود «القاعدة في بلاد الشام». وخرجتْ من رحم هذا التنظيم مجموعة أطلقت على نفسها اسم «حراس الدين» لتخلط الأمور وتبعد الشبهات عن الجولاني ليكون «معتدلاً» تارةً ومُكفراً لجميع التنظيمات الأخرى تارة ثانية، هو الذي اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كافراً وأنه لا يجوز القتال تحت راية تركيا، ولكنه انتعش من الوجود التركي في الشمال السوري.
ومن المستغرب كيف ان الجولاني تحرّك من دون خشية من تركيا وتحت أنظارها من دون أن تهاجمه، ومن المستغرب أيضاً كيف ان الجولاني يعطي فرصة يستغلّها ترامب للبقاء في سورية.
فها هو «داعش» يحتل فقط 3 الى 4 قرى تستطيع أميركا إنهاءها في أيام مثلما أنهى الجولاني مدناً وقرى في 6 أيام تمثّل عشرات أضعاف المساحة التي يحتلها «داعش» ضمن المنطقة التي تسيطر عليها أميركا في الشمال السوري.
إذاً ترامب باقٍ ليأخذ ضمانات من تركيا، عدوة أكراد «حزب العمال الكردستاني» - فرع سورية، كيف ستحمي أعداءها الأكراد وحلفاء أميركا.
مطلبٌ تعجيزي يكشف ضعف ترامب ضمن إدارته وكيف يتراجع بشكل متواصل عن أي قرار يتخده لجهْله بالسياسة الخارجية. وهذا ما يدلّ على أشهر قاسية لسورية على محورها الشمالي وعلى أكراد سورية إذا لم يلتحقوا اليوم بدمشق لوقف استغلال مَن يبيعهم بين ليلة وضحاها في سوق النخاسة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي