No Script

سلسلة تُسلّط أضواء على الأعضاء والأنسجة البشرية الداخلية الأكثر عُرضة للاستئصال جراحياً (5 من 10)

الكُلْيَتان... فاصولياء حمراء!

تصغير
تكبير

ملف أسبوعي من إعداد:  عبدالعليم الحجار

الكُلْيَة هي واحد من أهم الأعضاء الداخلية وأكثرها حيوية في جسم الإنسان. ومن حيث شكلها الظاهري الخارجي، تبدو الكُلْيَة كأنها بذرة فاصولياء حمراء، إذ إنها مقعّرة ومقوّسة إلى الداخل قليلا عند وسط أحد جانبيها، وتبدو ملساء ولامعة. وهذا هو سبب إطلاق الناطقين باللغة الإنكليزية تسمية «kidney bean» (أي «الفاصولياء الشبيهة بالكُلْيَة») على جميع أصناف بذور الفاصولياء ذات اللون الأحمر الداكن الضارب إلى البُني.
لكن حجم الكُلْيَة لدى الإنسان البالغ أكبر من حجم بذرة الفاصولياء، حيث يبلغ متوسط طولها نحو 13 سنتيمترا وعرضها نحو 7 سنتيمترات وسُمكها فارغة 5 سنتيمترات، وتزن ما بين 125 و170 غراماً لدى الذكور البالغين بينما تزن ما بين 115 و155 غراماً لدى الإناث البالغات.
وعلى مدار الساعة، تتولى الكُلْيَتان مهمة تنقية وتصفية الدم من السموم والشوائب والعوادم التي تنتج عن الاستقلاب الغذائي الذي يتم في داخل خلايا الجسم ويتم بموجبها تحويل المغذيات الممتصة من الطعام (كالبروتينات والدهون وغيرها) إلى طاقة ليستفيد منها جسم الكائن الحي.
وإلى جانب ذلك، تؤدي الكليتان مهاماً حيوية أخرى من بينها تنظيم والتحكم في سوائل الجسم، وموازنة العناصر البيولوجية في الجسم مثل الأيونات والأملاح، وانتاج بعض الهرمونات.
وفي ضوء هذه الأدوار الفائقة الأهمية التي تلعبها الكُليتان، فإننا نخصص حلقة اليوم للتعريف أكثر بهذين التوأمين الحيويين الشبيهين ببذور الفاصولياء الحمراء...

 موقعهما في الجسم

لدى الإنسان، توجد كليتان توأمان في جوف البطن وتحديدا أسفل الحجاب الحاجز بسنتيمترات قليلة. وتوجد واحدة على كل جانب من جانبي العمود الفقري، لكنهما ليستا متماثلتين تماما في حجميهما وموقعي تمركزهما داخل جوف البطن، وذلك بسبب أن حجم وموقع الكبد يتسبب عادةً في أن يكون مستوى الكُلْيَة اليمنى منخفض قليلا عن مستوى نظيرتها اليسرى، كما أنها تكون أصغر حجما بشكل طفيف ومنحرفة قليلا إلى منطقة وسط جوف البطن.
وبشكل أكثر تحديدا، تقبع الكُلْيَة اليمنى أسفل الحجاب الحاجز ووراء الكبد، أما توأمها اليسرى فتقبع أسفل الحجاب الحاجز أيضا ولكن خلف الطحال. وفوق كل كُلْيَة تستقر غدة كظرية. والضلعان الـ 11 والـ 12 يحميان بشكل جزئي الأجزاء العليا لكل كُلْيَة. يحيط بكل كُلْيَة والغدة الكظرية المستقرة عليها طبقتان من الدهون، ألا وهما الدهن المحيط بالكُلْيَة والدهن المجاور للكُلْيَة، علاوة على نسيج اللفافة الكُلَوية.
 وظائفهما... وآليتهما

للكُلْيَتين وظائف عديدة، من أهمها إخراج نفايات الجسم الناتجة عن عملية التمثيل الغذائي؛ كما تضبط مكونات الدم، وتتتحكم في كمية الماء والأملاح في الجسم، وتنظم نسبة الأحماض إلى القواعد الكيميائية في الجسم، فضلا عن مشاركتهما في تنظيم ضغط الدم وفي تكوين بعض الهرمونات التي من بينها هرمون الأريثروبوتين الذي يشارك في عملية بناء الدم.
وتقوم الكُلْيَتان بفصل النفايات الناتجة عن عملية التمثيل الغذائي مع الإبقاء على قدر كاف من العناصر الضرورية لعمل للجسم، كالصوديوم والبوتاسيوم والماغنسيوم. وإذا زادت نسبة تلك الأملاح في الدم بسبب نقص كمية الماء فإننا نشعرنا بالعطش، ويدفعنا ذلك الشعور إلى أن نشرب لتعويض الماء الذي فقده الجسم سواء من خلال التبول أو التعرُّق.

 تنقية... على مدار اليوم

كل دقة من دقات قلبك تضخ كمية من الدم إلى الكليتين عن طريق الشريان الكُلَوي. وعلى مدار كل يوم، تقوم الكليتان بتنقية ما يبلغ إجماليه 200 لتر تقريبا من الدم. ويمر جميع دم الإنسان في كليتيه بمعدل 300 مرة في اليوم الواحد، حيث تتم تنقيته من خلال ملايين من الشعيرات الدموية والمرشحات الفائقة الدقة.
وعلى مدار اليوم، تعيد الكليتان ترشيح وتنقية نحو 180 لتراً من الماء الموجود بالدم، لكنهما تعيدان ضخ معظم ذلك الماء إلى أوعية الجسم. ويشكل هذا الماء في القنوات الكُلَوية ما يسمى بـ«البول الأولي».
وفي حين تتم تنقية الشوائب العالقة في الدم وطرحها مع البول، فإن خلايا الدم الحمراء وكريات الدم البيضاء والصفائح الدموية لا تنفذ مع ذلك الماء (البول الأولي) من الشعيرات الدموية الشعرية بل تعاد إلى مجرى الدم المنقى المصفى لتبدأ دورة جديدة في الجسم قبل أن تعود في غضون دقائق إلى الكليتين مرة جديدة، وهكذا دواليك.

 بنيانهما التشريحي

يتألف نسيج الكُلْيَة من طبقات ألياف، بيانها كالتالي من الخارج إلى الداخل:
• القشرة الكُلَوية
• اللُّب الكُلَوي
• الأهرام الكُلَوية
• الحويضة
وإذ يشبه بنيان الكُلْيَة بذرة الفاصولياء التي لها وسط مقعّر وظهر مقوس ومحدّب، فإن المنطقة الغائرة في الجزء المقعر تُعرف تشريحيا باسم نُقير الكُلْيَة، حيث يدخل من خلالها الشريان الكُلَوي إلى الكُلْيَة ومنها أيضا يخرج الوريد الكُلَوي والحالب.
وتدخل إلى الكُلْيَة وتخرج منها أوعية دموية كبيرة، وتستقبل كل كُلْيَة الدم من الشريان الكُلَوي الذي يتفرع من الأورطي الذي يتفرع بعد دخوله إلى الكُلْيَة إلى فروع عدة أصغر ثم إلى شعيرات دموية دقيقة. بعد ذلك تتجمع تلك الشعيرات لتكوين الوريد الكُلَوي الذي يحمل الدم المنقى ثانية إلى خارج الكُلْيَة، حيث يصب في الوريد الأجوف السفلي الذي يصب بدوره في القلب. ويتدفق الدم في الشريان الكُلَوي بمعدل لتر واحد تقريبا في الدقيقة.
 حصواتهما

أكثر أنواع حصوات الكُلْيَتين شيوعا تتشكل من أوكسالات الكالسيوم، ويأتي بعدها حمض البول. يعزى نشوء حصوات الكُلْيَتين إلى أمور عدة من أهمها: الإفراط في أكل اللحوم والبروتينات، وقلة تناول الخضراوات والألياف، وقلة الحركة، وعدم شرب كميات كافية من الماء على مدار اليوم، وكثرة شرب الكحوليات.
وبشكل عام، فإن المواظبة على شرب الماء بمعدل مناسب على مدار اليوم يقي من نشوء الحصوات الكلوية. ويمكن أن يطلب المريض من طبيبه أن يصف له أنواعا من الأعشاب الطبيعية التي يمكن غليها وشربها لمنع تكوّن الحصوات الكلوية.
وعند تناول الكثير من اللحوم يتكوّن في الجسم الكثير من حمض البول، وهو الأمر الذي يزيد بدوره احتمال نشوء حصوات أوكسالات الكالسيوم في الكليتين. لذا، يوصي الأطباء أي مريض ظهرت لديه حصوة أوكسالات بأن يتفادى بعد ذلك أكل المواد الغذائية الغنية بالأوكسال وخصوصا السبانخ، والبنجر، والبندق، والبقدونس، والشاي.

 نيفرونات... ونفايات

ومن خلال الفحص المجهري للنسيج الكُلَوي، يتضح أنه يتألف من عدد كبير من النيفرونات (يتفاوت عددها بين مليون و2 مليون). والنيفرون هو الوحدة التركيبية والوظيفية للكُلْيَة. حيث يقوم كل نيفرون بتنقية وفلترة الدم من النفايات والتخلص من الفضلات التي قد تكون عالقة به. ويتألف كل نيفرون من «كبيبة كُلَوية» وهي عبارة عن حزمة من الشعيرات الدموية يدخلها الدم غير المنقى من الشريان الجانبي المتفرع عن الشريان الكُلَوي ثم يخرج منها نقيا عن طريق الشريان النابذ.
وهكذا فإنه خلال عمليات تنقية الدم المستمرة، تعيد الكليتان إلى الجسم ما يحتاجه من العناصر الأساسية (كالماء والأملاح المعدنية). أما النفايات والشوائب الذائبة التي تعتبر سموما للجسم (مثل حمض الباولينا) فإنها تتجمع مع الماء الزائد في حوضي الكليتين، ويتقاطر ذلك الماء منهما إلى المثانة عن طريق قناتين بوليتين هما الحالبان. وبذلك يتكون على مدار اليوم ما إجماليه 1.5 لتر تقريبا من البول الذي يتلون بلون مميز وفقا لنسب وكميات النفايات والشوائب الذائبة فيه.

 مشاكل أنثوية... وذكورية

تشريحياً، تكون قناة التبول لدى الأنثى قصيرة مقارنة بنظيرتها لدى الذكر. وتكمن مشكلة هذا الأمر في أنه يسهل على الميكروبات الوصول إلى المثانة والتسبب في إصابتها بالتهات. أما الذكور فتكون لديهم مشكلة أخرى تتمثل في أن قناة التبول لديهم تمر في بدايتها من خلال غدة البروستاتا. وقد يتسبب تضخم البروستاتا لدى الذكور (وخصوصا من تجاوزوا الخمسين من العمر) في أن يصبح تدفق البول بطيئا، وبالتالي يحتاجون إلى التردد بكثرة على المرحاض. كما قد تكون لهذا الأمر مشكلات صحية أخرى.

 مغص... وألم

هناك نوعان رئيسيان من آلام الكُلْيَة، وهما: المغص الكُلَوي والألم الكُلَوي.
ويبدأ المغص الكُلَوي عند انقباض العضلات في حوض الكُلْيَة في محاولة من جانبها لدفع البول عند حدوث انسداد في المجرى. أما الألم الكُلَوي فهو أخف من المغص، حيث أنه ينشأ بسبب ازدياد الضغط داخل حوض الكُلْيَة وامتلاء حوض الكُلْيَة بالبول فيجعله مثل البالون. وينتج عن ذلك ضغط على كبسولة الكُلْيَة الخارجية، مسببا الشعور بالألم.

 

الاستئصال الكُلَوي... جُزئياً وكُلِّياً

الاستئصال الكُلَوي هو ذلك الإجراء الجراحي الذي تتم بموجبه إزالة الكُلْيَة بالكامل - أو جزء منها على الأقل - تحت التخدير الكامل. ويمكن إجراء العملية إما من خلال جراحة مفتوحة  واما من خلال تقنيات جراحة المناظير.
بتاريخ 2 أغسطس 1869، أجريت أول جراحة استئصال كُلْيَة ناجحة على يد الجراح الألماني الرائد غوستاف سيمون. وكان سيمون قد أجرى الجراحة تجريبيا سلفا على حيوانات، وأثبت أن وجود كُلْيَة واحدة سليمة يكفي للقيام بمهام الكليتين معا.
وهناك مبررات عدة تستدعي اللجوء إلى استئصال الكلية جراحيا، ومن أبرزها:
• سرطان الخلايا الكلوية.
• تخاذُل أو فشل الكُلْيَة عن القيام بوظائفها (بما يتسبب في ارتفاع ضغط الدم).
• تضخم حجم الكلية خلقيا (تكون الكية منتفخة، فتضغط على الأعصاب، ما يسبب آلاما مبرحة).
• الالتهاب الحاد والمزمن للكلية بسبب اصابتها بعدوى بكتيرية.
وبفضل التطور في مجال التكنولوجيا الطبية والجراحية، أصبح ممكنا تعديل جراحة استئصال الكُلْيَة في حالات سرطان الخلايا الكلوية ليصبح استئصالا جزئيا بدلا من أن يكون كليا.
وقد يستدعي الأمر استئصال الكُلْيَة والحالب معا بالكامل وجزء من المثانة في بعض حالات الاصابات السرطانية المتفشية.
وفي حالات التبرُّع، يتم استئصال الكُلْيَة جراحيا من شخص سليم ونقلها وزراعتها في شخص مريض. وفي مثل هذه الحالات قد يتطلب الأمر استئصال الكلية المعطوبة لدى المريض أو الإبقاء عليها وزراعة كلية المتبرع أسفل منها لتعاونها.
 الاستئصال الكُلّي

في كل الأحوال، يتم إجراء جراحة استئصال الكلية للمريض تحت تأثير التخدير الكامل. وعند الاستئصال الكلي، تُستأصل الكُلْيَة إما من خلال فتح شق جراحي،  واما بالمنظار الجراحي.
في حالات الشق الجراحي، يقوم الجراح بعمل فتحة في جانب البطن ليصل إلى الكُلْيَة المراد استئصالها، لكن في بعض الظروف يمكن أن يكون الشق في منتصف البطن. بعد ذلك، يقوم الجراح بفصل الأجزاء المراد إزالتها.
أما في تقنية المنظار الجراحي، فيتم عمل 3، أو 4 فتحات صغيرة (طول الفتحة بين 5 و 10 ملليميترات) في البطن والخاصرة. من خلال تلك الفتحات، يتم ُفصل الكُلْيَة بالكامل في الجسم، ثم يتم إدخال كيس جراحي وإدخالها فيه قبل أن يتم ضغط الكيس وسحبه. لكن في حال استئصال الكُلْيَة بسبب سرطان، فإنه يتم توسيع إحدى تلك الفتحات لإخراجها منها من دون ضغطها في الكيس خشية ان ينفجر وتتسرب محتويات الكلية المسرطنة في داخل البطن.
 الاستئصال الجزئي

استئصال جزء من الكلية هو استئصال جراحي للأنسجة والخلايا المصابة فقط مع طبقة رقيقة من الأنسجة السليمة المجاورة، وذلك سعيا إلى تحقيق هدفين هما: كبح السرطان، والحفاظ على أكبر قدر من الكلية.
يتم اللجوء إلى خيار الاستئصال الجزئي عند وجود ورم في إحدى الكليتين أو في كلتيهما، أو إذا كان استئصال إحدى الكليتين بالكامل قد يسبب فشلا للأخرى.
والاستئصال الجزئي هو الخيار الأنسب لمعظم المرضى الذين لديهم أورام صغيرة في الكلية (قطرها أقل من 4 سنتيمترات). بل إن تطور التكنولوجيا بات يسمح بامكانية معالجة معظم الأورام التي يتراوح حجمها بين 4 و7 سنتيمترات بالاستئصال الجزئي للكلية، وخصوصا إذا كان الورم في مكان مناسب للاستئصال.
مضاعفات محتملة

قد تحدث مضاعفات لدى المرضى الذين يخضعون لجراحة الاستئصال الجزئي، وهي المضاعفات التي تبلغ نسبة احتمالات حدوثها بين 15 إلى 25 في المئة. ومن أبرز هذه المضاعفات: النزيف الداخلي، والإصابة بعدوى بكتيرية، وتسرُّب البول.

 

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي