No Script

الرأي اليوم / حين تسمو... حنان

No Image
تصغير
تكبير

مساء السبت الماضي كنت في مكتبي كالعادة أتابع العمل وأقرأ عدداً من التقارير، لتباغتني رسالة على هاتفي أصابت إبهامي بالشلل للحظة وتوجه تفكيري كله إلى اعتبارها خطأ. ثم تلقيت رسالة أخرى أدركت معها أن الخبر صحيح... وليته لم يكن كذلك.
«حنان محمد الصقر انتقلت إلى رحمة الله تعالى».
 حنان التي كانت اسماً على مسمى لن تلون أيامنا بعد اليوم بسمو أخلاقها وأدبها وظرفها. حنان الشابة اليافعة الجميلة شكلاً وحضوراً لن تشع مجدداً لتبدد بعضاً من عتمة نحاول جاهدين حسرها وكسرها... وحنان الخلوقة المؤدبة اللطيفة لن تصادفني مجدداً تسبقها ابتسامتها قائلة: هلا عمي جاسم، شلونك.


جاورت الأخ العزيز محمد الصقر 30 عاماً. جدار منزلينا واحد وكأنه لم يكن. «تخاوى» أولاده وأولادي منذ الصغر، وكان من الطبيعي أن تراهم هنا وهناك كأسرة واحدة. وعرفت حنان وطفولتها كما عرفت بناتي وطفولتهن. أراها صباحاً في الطريق إلى المدرسة ومنها إلى البيت عصراً، وعندما كبرت كانت تحرص، وأنا أيضاً، على التواصل والسلام والسؤال عن الاحوال.
انتقلنا إلى منزل آخر وابتعدنا جغرافياً عن جارنا. لم أعد أراها كالسابق وإنما صار التواصل بشكل غير مباشر وغالباً عن طريق الأهل والأصدقاء المشتركين لكنها كانت دائماً هي هي لا تتغير. العبارات نفسها والاهتمام نفسه والأسئلة نفسها والرقي نفسه.
لا مفر من القدر، لكنه يسمح لنا بمساحة للتعبير عن قساوته ومفاجآته. يعصرنا في دائرة الألم والحزن ثم يترك لنا مخرجاً... «وإنا إليه راجعون».
الموت حق وحق العين أن تدمع حزناً على من غابت في لحظات خاطفة خطفت معها ذكريات تتجاوز الربع قرن. هذه الصبية التي رحلت بقيت صورها مع كل غمضة عين كشريط من وميض يوثق أيامها... هنا كانت تلعب، تتعثر، تقف مجدداً، تحزن تضحك. هنا كانت تكبر وتدرس وتتعب وتقلق وتفرح بالنجاح. هنا كانت تخطط للاجازة وتعود بقصص كالخيال. وهنا كانت تحاور برقي وتناقش بتهذيب وتصغي بكل اهتمام للكبير والصغير.
رحمك الله يا ابنتي حنان، عزاؤنا أنك رحلتِ إلى مكان افضل. كان سفرك السابق رحلة سريعة في دنيا فانية لكن سفرك الأخير آلمنا جميعنا وأولنا والدك ووالدتك واخوانك وعائلتك. رافقك السمو في كل شيء في الدنيا واختار القدر أن يكون السمو هذه المرة إلى الأعلى... إلى جوار العلي القدير.
وداعاً أيها الطيف الجميل، وداعاً يا ابنتي. سأراكِ مجدداً في قصص بناتي - شقيقاتك، وسأعتصم في محراب الدعاء مبتهلاً أن تحسن وفادتك إلى دار البقاء، وأن يلهم العلي القدير ذويك الأعزاء الصبر والسلوان.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي