No Script

ترامب يسوّق للسلاح الأميركي و«لن يضرب سورية بعد اليوم»

اجتماع موسكو يرسّخ العلاقة الروسية - السورية - الإيرانية

تصغير
تكبير
في لقاء وزراء خارجية روسيا وسورية وإيران في موسكو، قال وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف ان «أميركا لن تضرب سورية مجدداً وروسيا لن تسمح بحدوث أيّ هجوم على سورية بعد اليوم». قالها الوزير الروسي وهو يشير الى لقائه بوزير خارجية اميركا ريكس تيلرسون بعد ايام قليلة من الضربة التي أَمَر بها الرئيس دونالد ترامب وأُطلق خلالها 59 صاروخ «توماهوك» لضرْب أحد المطارات العسكرية في سورية «كردّ على الضربة الكيماوية» التي اتُهمت السلطة في دمشق بالوقوف خلفها.

وجاء اجتماع الحلفاء في موسكو، أمس، في وقتٍ خرجتْ إشاعات كثيرة مصدرها الإعلام الأميركي عن إمكان تغيير الرئيس السوري بشار الأسد وتَردُّد الموقف الروسي في سورية حيال الهجوم الصاروخي الاميركي الذي مرّ فوق رؤوس القوات الروسية المنتشرة في سورية منذ سبتمبر 2015.

ووضع هذا الاجتماع حداً لكل الأقاويل وثبّت الموقف الروسي الذي ألغى أي تعاون عسكري مع الولايات المتحدة في سماء سورية ما اضطُر أكثر حلفاء واشنطن الغربيين لوقف التعاون العسكري موقتاً وعدم استخدام سلاح الطيران لضرب تنظيم «داعش» كدعمٍ للقوات الكردية التي تتقدم نحو مدينة الطبقة ومن بعدها مدينة الرقة كهدف أساسي بدعمٍ من قوات خاصة اميركية على الأرض، كجزء من المخطط الاميركي لاحتلال شمال - شرق سورية تحت غطاء «إعطاء الارض المحرَّرة للعشائر وأكراد المنطقة».

وبوقف التعاون العسكري فوق سورية، لم تعد تستطيع أي طائرة التحليق فوق بلاد الشام من دون أن تتعرض للإسقاط، سيما أن روسيا قد زوّدتْ دمشق بأكثر من 40 طائرة معدَّلة وصواريخ جو - أرض، وأعطتها - مع الاستعانة بالتكنولوجيا الروسية - الحرية لضرْب أي طائرة تُعتبر «معادية» ما لم تأخذ الاذن بالتواجد في سماء سورية مسبقاً من خلال المكتب التنسيقي الروسي الموجود في قاعدة حميميم العسكرية على الساحل السوري.

وأكد اجتماع موسكو أن أيّ كلامٍ عن تغيير الأنظمة لم يعد مسموحاً وأن موسكو لن تسمح بأحادية أميركا ولن تسمح بتمرير أي قرار دولي ضد سورية، وهو ما لا يتيح للولايات المتحدة اتخاذ أي تدبير يُجمَع عليه في أروقة الامم المتحدة، وستضطر تالياً للعودة الى طاولة المفاوضات للتنسيق حول سورية والبحث في إمكان وقف إطلاق نار جدي في سورية يحترمه أكثر الأطراف المتحاربين.

وهكذا أُلغيت «الصفقات خلف الكواليس» التي تحدّث عنها البعض لتَظهر حقيقة ضربة ترامب «التوماهوكية» لمطارٍ عسكري أُخلي من الطائرات الحديثة قبل بضع ساعات من ضربه بعدما أبلغ الجانب الاميركي روسيا (وهي بدورها أبلغت دمشق)، وهو ما أظهر الأمر على انه رسالة معنوية وليست استراتيجية، وهي ضربة رمزية تساعد الرئيس الاميركي في التذكير ان «لديه صواريخ جيدة جداً ومهمة وتستطيع ضرب أهداف وإصابتها من بعد» وانها «كلها أصابت أهدافها».

فإذا كانت الضربة رمزية، وإذا كان ترامب أبلغ روسيا بالضربة مسبقاً فهل تسويقه لصواريخه يحتاج لعرض مماثل؟ لم يكتف ترامب بهذا بل أرسل «أم القنابل» (GBU-43/B) الى افغانستان لضرْب مركز جبلي لـ«داعش» هناك. وإذا صحّ قتْل 36 من مقاتلي «داعش» (وهو ما أعلنته واشنطن وكابول ونفاه التنظيم)، فهذا يعني أن كل فرد قُتل يشكّل أغلى «هدف» ضربتْه الولايات المتحدة لغاية اليوم، بالنظر إلى تكلفة القنبلة.

وهذا يدلّ على ان ترامب أصبح يسوّق للسلاح الاميركي ويُظهِر «تجربة حية» لما وصفه بالقدرات «الفريدة من نوعها» للأسلحة الاميركية. ومن الواضح أن لا خبرة ترامب السياسية تجعله يفصح عن الكثير - خلال حديثه - من الأسرار والخبايا بلغة بسيطة غير ديبلوماسية، اللغة التي لم يتقنها أبداً لعدم تمرُّسه بها. وقد أفصح عن تناوله قطعة من الشوكولا أثناء لقائه بالرئيس الصيني وانه أخذ القرار بضرب سورية خلالها. وهذا ليس فقط استخفافاً بقرارات عسكرية مهمّة ومصيرية، بل سذاجة واضحة عبّر عنها السيناتور الاميركي ليندسي غراهام عندما قال: «هناك شريف (المسؤول عن الامن في افلام الكاوبوي وقد حافظت اميركا على هذا اللقب منذ مئات السنين لغاية اليوم في المقاطعات والبلدات البعيدة) جديد في المدينة».

ومن المؤكد أن العلاقة العسكرية الروسية - الأميركية ستعود قريباً الى العمل لحاجة أميركا الماسة لوجود طيرانها فوق سورية لمساعدة قواتها على الأرض، ما يعني أن ترامب سيرضخ لشروط بوتين من جديد وان التدخل الأميركي في مصير الاسد لن يأتي بثمارٍ، بعدما اعتقدتْ دول عدة ان الوقت قد حان لتدخل حقيقي اميركي على كامل الخريطة السورية.

وفي سورية، يبقى الرئيس الاسد على سياسته اليومية بتحصين مناطقه، خصوصاً بعد اتفاق الفوعة - كفريا مقابل الزبداني - مضايا الذي كشفت عنه جريدة «الراي» للمرة الاولى في 4 اغسطس 2015 والذي تجري فصوله على أرض الشام. فقد خرجتْ عشرات العائلات من المدن المحاصرة (مضايا - الزبداني محاصرة من «حزب الله» والجيش السوري، والفوعة - كفريا محاصرة من قبل «القاعدة» و«أحرار الشام» وغيرهم)، وخرج أكثر من 5 آلاف مقاتل ومدني من الزبداني - مضايا الى مدينة ادلب.

أما العدد المماثل الذي خرج من الفوعة - كفريا فستكون إقامته في مدن القصير وتلك المحاذية للحدود السورية - اللبنانية ما يعطي «أماناً» للبنان بأنه ليست هناك تنظيمات تكفيرية أو «قاعدة» على الحدود اللبنانية تستطيع الدخول وتوفير بيئة حاضنة لتضرب الداخل اللبناني.

إلا أن هذا تغيير ديموغرافي واضح قبِلت به دمشق وقبِل به تنظيم «القاعدة» لسحب هذه الورقة الضاغطة عن كل من الطرفين. وبخروج اهالي ومسلحي الزبداني - مضايا وكذلك الفوعة - كفريا تصبح الطريق سالكة امام قوات دمشق وحلفائها الى إدلب، الوجهة المقبلة للأعمال الحربية المتوقع حدوثها هذه السنة لضرب آخر معقل ومدينة - بعد حلب - تمثّل ثقل المسلحين على أرض الشام، لاسيما بعد خروج المسلّحين من المناطق كافة بتسويات واتفاقات لتجمّع هؤلاء (عشرات الآلاف) في ادلب، المدينة الشمالية السورية الكبرى.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي