No Script

ببساطة

ليش مو لابس قحفية؟

تصغير
تكبير

معروفة تلك النكتة حول القرد والنمر «المتنمر»، الذي كلما رأى القرد «المسكين» همّ بضربه وهو يسأله: «ليش مو لابس قحفية؟»، فما كان من القرد إلا أن اشتكى الأمر لملك الغابة، الذي نصح النمر باستخدام عذر آخر أكثر منطقية لضرب القرد، فاتفقا على أن يطلب النمر من القرد إحضار تفاحة فإن أحضر حمراء ضربه لأنه لم يحضر خضراء وإن أحضر الخضراء ضربه لأنه لم يحضر صفراء، وهكذا باشر النمر من اليوم التالي خطته فطلب من القرد أن يجلب له تفاحة، فسأله القرد تريدها حمراء أم خضراء أم صفراء، فما كان من النمر إلا أن باشر بضرب القرد وهو يردد: ليش مو لابس قحفية؟!
تذكرت هذه النكتة وأنا أقرأ خبر شطب أحد مرشحي الانتخابات التكميلية، بسبب إدانته في قضية تجمهر واعتداء على رجال الأمن باعتبارها قضية مخلة بالشرف والأمانة؛ الأمر الذي كنت سأتفهمه لو اقتصر على قضية الاعتداء على رجال الأمن، لكن إقحام قضية التجمهر أو المشاركة في مسيرة غير مرخصة يعتبر توسعاً كبيراً في الجرائم المخلة بالشرف والأمانة، فبعد قانون منع المسيء الذي فُصّل خصيصاً لمنع مجموعة من السياسيين من المشاركة في العملية الانتخابية جاءنا هذا السبب الأخير للحرمان ليوسع الدائرة، في وقت تتحكم فيه الحكومة بقرارات المنع من الترشح والانتخاب عبر وزارة الداخلية التي تشرف على الانتخابات، فالحكومة هي من يقرر «بمزاجها» إن كان المرشح أو الناخب يستحق المنع أو الشطب، وهي من يحدد القضايا المخلة بالشرف والأمانة وعلى المتضرر اللجوء للقضاء، فعلى سبيل المثال: سبق للحكومة أن سمحت لأحد النواب المدانين في قضية «تزوير» بالمشاركة لاحقاً في الانتخابات ولم تقم بمنعة أو شطبه، أي أنها لم تعتبر التزوير قضية مخلة بالشرف والأمانة بينما اعتبرت المشاركة في مسيرة غير مرخصة جريمة مخلة بالشرف والأمانة!
«ليش مو لابس قحفية؟»، يبدو لي أن هذا الأسلوب هو المتبع عند «الداخلية» في التعامل مع طلبات الترشيح للانتخابات، فالمرشح غير المرغوب فيه ستبحث له الحكومة عن أي قضية لتلصق صفة الاخلال بالشرف والأمانة بها، والنتيجة مزيد من القيود والتعسف باستخدام القانون، فمصطلح «مخل بالشرف والأمانة» واسع جداً ويحتمل التأويل والتفسير، وعليه فإن هناك احتمالاً كبيراً بتوسع دائرة القضايا المخلة بالشرف والأمانة مستقبلاً، وهذا أمر خطير جداً، فاستخدام القانون بهذه الطريقة لن ينعكس على العملية الانتخابية فقط - سواء المنع من الترشح أو الانتخاب - بل يتجاوز ذلك بكثير، فكما نُشر في الصحف أخيراً نجد أن المشاركة في المسيرات غير المرخصة ستكون سبباً لمنع المواطنين المشاركين في تلك المسيرات من التوظيف في الوظائف العامة، وربما على العديد من الحقوق الانسانية الأخرى.


هذا التوسع في تصنيف القضايا المانعة من الحق الانتخابي، يعتبر أمراً خطيراً وانتقاصاً صارخاً من الحقوق الدستورية للمواطنين، والسبب في ذلك هو عدم تحديد الجرائم وترك المجال مفتوحا للحكومة لتحديد ما تراه مناسباً لمنع الترشح والانتخاب، لذلك يجب التصدي لهذه الممارسات الخطيرة من الجميع والضغط علي النواب والحكومة من أجل سد الفراغ التشريعي، وتحديد الأسباب الحاجبة لحق الترشح والانتخاب بما لا يترك مجالاً لتأويلها واستغلالها مع الخصوم السياسيين للحكومة، كما يجنب القضاء الدخول في تلك الصراعات السياسية، وبالتأكيد يجنبنا التنمر الحكومي وفكرة أن نحرم من الترشح والانتخاب لأننا «مو لابسين قحفية».

dr.hamad.alansari@gmail.com
twitter: @h_alansari

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي