No Script

حروف مبعثرة

رقصت... زمناً آخر

No Image
تصغير
تكبير

دعوة زمنية غريبة وصلتني، خطّتها ريشة على لحاء قاس. وجدت صعوبة في فك رموزها، مستخدمة كل برامج الترجمة وفك الأحرف الموجودة على هاتفي وحاسوبي.
دعوة مشوّقة كتبت بمزيج من الهيروغليفية واللولوغرامية لحفل زفاف ينقلني عبر زمن المايا والأزتك، فكيف لا أقبلها!
حيرة أصابتني! ماذا أرتدي؟! من قرني الحالي أم أجول وأبحث عما يناسب أهل الزفاف لأضيع بينهم؟ فضّلت واقعي وعصري لسهولة تحركي واعتيادي على ما يوضع فوق أكتافي!


دخلت الزفاف من بوابة الزمن، العروسان بالأبيض يقفان أمام قس يتحدث لغة لم أفهمها، وجهه يختبئ تحت قوس من ريش ملون ولون أبيض أخفى التعابير.
نظرت من حولي! ممثلو الحضارات مجتمعون تحت الخيام المنقوشة! الفرعونية، الأزتيك، الأنكا...إلخ. عندها، أدركت أنه تم اختياري لأمثل حضارتي الحالية التي لا أعلم ما تسمى!
بدأ برنامج الحفل بعروض قدمها الحضور، شاهدتها وأنا أعانق بأصابعي كوباً من الشوكولا تفوح منه رائحة الفانيلا والقرفة*.
الراقصون قسموا إلى نمور جاغوار وصقور عبر أقنعة حوّلتهم أحياناً أخرى إلى وحوش. رقصات قيل لي إنها تحملهم إلى عوالم أخرى وتعطيهم قدرات خارقة. كلها مصطلحات لا تمت بصلة إلى حضارتي! عن أي قدرات خارقة نتحدث؟ في حضارتي الخوارق فقط في أفلام «سبايدرمان» و«سوبرمان» و«أفنجرز»!
ثعبان مخيف شارك هو أيضاً الرقص. ليس قناعاً، وإنما ثعبان حقيقي أمسكه رجل وامرأة ورقصا معه على أنغام ناي خشبي عريض يسمى عصا المطر.
بعد انتهاء العرض، تقدم فريق من الجهة الفرعونية ليقدم عرضه على رائحة البخور.
لم أستغرب الملابس أو الرقصات، لأنها مألوفة نشاهدها على الشاشات الحالية. المختلف هنا أنها أكثر واقعية وصدقاً، لأنها أتت من فراعنة أصليين. الموسيقى تصاعدت من آلة نسميها حالياً الهارب وآلة أخرى وهي القِرب، اعتقدت أنها اسكتلندية، لأتفاجأ بأنها في الأصل فرعونية.
شاهدت بعض الأشخاص يقتربون إلى حيث أقف! سألوني عن رأيي في الحفل، فأجبت بكل صراحة إنني في حالة دهشة من كل الألوان والتنوع من حولي. نقلت لهم بأحرف بسيطة المتعة التي أشعر بها! استفسروا عن حضارتي وعن فنون عصري، فلم أستطع الإجابة لأنني أفضّل أن يسمعوا ويشاهدوا بأنفسهم. آثرت أن يسمعوا الأغاني من مصدرها الحقيقي كما نفعل وليس بصوتي! وبما أن الفضول كان على وشك أن يقتل القطة، أحسست بالحاجة لدعوتهم أيضاً إلى الانتقال الزمني إلى حضارتي، التي مجدداً لم أجد لها اسماً مناسباً!
طلبت منهم إقفال المقلتين والإمساك بيدي لأنقلهم إلى زماني بخيالهم.
استفقنا في سيارتي، ودهشتي هناك انتقلت إلى دهشة هنا... ارتسمت على وجوههم! سألوني أين نحن، ففسرت لهم وسيلة النقل في عصري. عندها سُئلت عن الأحصنة، فأجبت أن مكانها في السباقات والإسطبلات حالياً، وركوبها أصبح هواية ولم يعد حاجة. أدرت الراديو لأنه أقرب وسيلة لاطلاعهم على أغانينا! لسوء حظي وجدت صعوبة في ترجمة الأغنية بكلماتها الرنانة التي وصلت إلى أذني. كيف أخبرهم أننا أصبحنا في الحضارة الحالية وفي هذه الأغنية تحديداً ندلل الحبيب ونعبّر له عن مشاعرنا ونقول له «حمار». استبدلت كلمة «حمار» بكلمة «شقي» في الترجمة! هكذا أفضلها! قلبت الراديو «اتحنطر»... يا ربي، ما هذه الصعوبة في نقل واقعنا الموسيقي! تمنيت لو يخطئ الجالس في الإذاعة ويضع أغاني قديمة لإنقاذي أو حالية قد لا تكون رائجة ولكنها طربية! ولكي يكتمل يومي الفني ويأخذ صفة الامتياز، سُئلت عن رقصنا! وعندها انتهى الحنطور من مشواره في الإذاعة ليبدأ النط والجن! رقصنا أصبح مجنوناً! لكنني شرحت لهم أن عصرنا متنوع فيه الجنون وفيه الركازة والأصالة، يبقى الخيار للجمهور. الفنون ليست موحدة كما هي في حضارتهم. كل شخص يختار ما يناسبه وكل شيء مسموح. الرقص ليس طقوساً، وإنما أصبح حركات جسد!
قد أكون مثلت حضارتنا بصورة سيئة، ولكنني اخترت الصدق ووضع اليد، بل الإصبع، على ما يزعجني في زمني وزمن أولادي. أردت لمس مشاعر حضارات أخرى عند اطلاعهم على واقع نعيشه! لم أطل التفكير، وجدت من معي في السيارة يمسكون يدي ويطلبون مني إعادتهم إلى زفافهم وطقوسهم! غادروا وبقيت في السيارة!
ضممت يدي وسرحت بخيالي... فإذ بـ«دارت الأيام ومرت الأيام» تداعب مسامعي!

* المايان من أولى الحضارات التي استخدمت الشوكولاتة في شرابها

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي