No Script

ماذا لو...؟

الغرباء

No Image
تصغير
تكبير

إن المتأمل في أحوال الناس، الباحث عن أسباب تردي مجتمعنا، يجد ثمة غربة تنتابهم، واغتراب ينشب أظفاره في أرواحهم، اغتراب في الأخلاق والسلوك، في المفاهيم والتصورات، في التقاليد والعادات.
 ثمة شعور ينتابنا أحيانا أننا نختلف عن السواد الأعظم من الناس، ويظل كل منا يتساءل: هل يعقل أن كل هؤلاء يحيدون عن الحق والصواب؟ لم أرَ وحدي ما لا يرون؟ لم أفكر بطريقة مغايرة ؟ لماذا تبدو الحقائق واضحة مزهرة أمامي بينما لا يرونها ؟ يا ترى أي الجانبين على الحق؟
 ومن ثم، نجد أنفسنا وقعنا في الصراع فتملأ الوحشة أرواحنا، ونشعر بالوحدة في مجتمعاتنا، والاغتراب عن بوتقتنا؛ فنعتزل محيطنا اجتماعيا وفكريا، لأننا نعاني غربتين: غربة ظاهرة تتعلق بعلاقاتنا مع الآخرين، وغربة خفية تتمثل في إيماننا بأخلاق ومبادئ وسلوكيات لايعترف بها، ويراها الآخرون شذوذا عن المألوف، ثم تلقينا الحياة فجأة في طريق أفراد نشبههم ويشبهوننا، تأتلف معهم أرواحنا، ويجمعنا فكر متقارب.
هنا يطرح السؤال نفسه: إن كان هناك من يشبهنا لهذا الحد، فلم لا نكون على الحق رغم قلتنا؟ فالعرف في الكون أن يكون المتميز نادرا، وينبني التطور على الطفرة، والحضارة الإنسانية لم تقم إلا على أكتاف الغرباء... الغرباء في طريقة تفكيرهم وأفكارهم التي يطرحونها على المجتمع فتثمر تقدما مبهرا، ولنا في سير العظماء والعلماء الذين أثروا الحياة بما قدموا، وغيروا وجه التاريخ بغرابة أفكارهم، أو بمخالفتهم سواد الناس، لنا فيهم الأسوة الحسنة. وكلنا يتذكر ثورة العالم كوبر نيكوس على النظرية المعروفة بنموذج مركز الأرض التي كانت تقوم على فكرة أن الأرض هي الثابتة والشمس تدور حولها، لكن كوبر نيكوس يخالف كل من سبقوه بفكرته التي اتهم بسببها بالجنون، وهي أن الشمس هي مركز النظام الشمسي وليست الأرض، وكانت تلك النظرية نواة لثورة علمية في القرن السادس عشر الميلادي، غيرت نظرة الإنسان إلى الكون المحيط به بصورة جذرية جعلته يفهم قوانينه وظواهره بشكل مغاير.
 يتراءى لي الآن قول مارك توين: «إذا وجدت نفسك مع الأغلبية، فقد آن الأوان أن تتغير». ويقصد هنا المغايرة والتمايز، فلا بد أن تسعى لتكون مختلفا، لأن السعادة تكمن هنا، في المغايرة أو الغرابة، والخلود لا يكون إلا للفكر المطلق الذي لا تحده إطارات اجتماعية ولا تابوهات.
ماذا لو أطلقنا العنان لعقولنا أن تفكر بشكل مغاير، وسمحنا لأفكارنا غير المألوفة أن تعبر عن نفسها بحرية مطلقة، فلربما كانت على غرابتها أحق بالتحقق ليصبح العالم أكثر إنسانية.

hanaank64@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي