No Script

نافذة... الأمل / حجاب... أستاذ الكلمة!

تصغير
تكبير
المبدعون لا يرحلون، بل يعيشون بتجلياتهم الابداعية في أعماق الشعوب!

فشاعر العامية الكبير سيد حجاب، الذي توج بالعديد من الألقاب التي تليق بعطائه الشعري المتفرد مثل «فيلسوف الفقراء» و«شاعر اللعب بالكلمات»، وغيرهما الكثير من الالقاب التي كان يستحقها عن جدارة.

فلا يمكن أن يتلاشى ضوء اسمه برحيل جسده، فكلماته المرصعة بالأصالة والمزينة بجمال الايقاع، ساكنة في نفوس الملايين، الذين تذوقوا نضارة أحرفه الندية فروت نفوسهم المتعطشة، وأنعشت وجدانهم، وحفزتهم على التحدي وحب الحياة.

أحد إبداعاته الخالدة، رائعة شارة مسلسل «الأيام» عن رواية عميد الأدب العربي طه حسين، من خلال أشعار تجسد حال الإنسان القاهر لعتمة الظلم، بدءاً من المقدمة، الى كل المشاهد الغنائية التي أضافت بعداً آخر مؤثراً للشعر مع حنجرة علي الحجار الذهبية.

«من عتمة الليل النهار راجع/ ومهما طال الليل بيجي نهار/ مهما تكون فيه عتمة ومواجع/ العتمة سور يجي النهار تنهار/ وظهرنا ينقام...».

فلسفة حياتيه بأبسط الكلمات وأعذبها، هكذا كان إبداعه مزيجاً من البساطة والعمق، وهنا تكمن العبقرية!

قدم سيد حجاب العديد من الإبداعات التي حفرت في الذاكرة المصرية والعربية، خصوصاً تلك التي عرضت في التلفاز، فالشعوب العربية تشاهد وتتفاعل مع الكلمة التي تلامسها عن كثب، كمقدمات المسلسلات التي أصبحت من الكلاسيكيات في تاريخ الدراما العربية مثل «المال والبنون»، «ليالي الحلمية»، «الوسية»، «عصفور النار» وغيرها الكثير من الإبداعات التي سكنت ذاكرة المجتمعات.

فمنذ ان لامست أحرفه المميزة صفحات «صاحبة الجلالة»، الصحافة، في مجلة «صباح الخير» الأسبوعية، بقصيدة «ابن بحر» عام 1961، في باب بعنوان «شاعر جديد يعجبني»، الذي نشرها له وشجعه رئيس تحريرها الفنان الشامل صلاح جاهين، وقال في تقديمه «عندما أبحث عن كلمات أقدم بها هذا الشاعر الجديد لا تلبيني إلا الكلمات العاطفية، وإذا كان هناك حب من اللحظة الأولى فأنا قد أحببت هذا الشاعر من أول شطرة... اسمه سيد حجاب، تذكروا هذا الاسم فإنه سيعيش طويلاً في حياتنا المقبلة، وسيكون له شأن كبير»، وفعلا تحققت نبوءة جاهين.

وقد انطلق حجاب مع جيل الستينات والتحق في صفوف فرسان العامية، الذين ارتقوا بالشعر العامي، واثروا الحياة الثقافية بإبداعاتهم المتوهجة بنبض الحياة المصرية، بدءا من معلمه صلاح جاهين، وجيل الرواد بيرم التونسي، وفؤاد حداد، وأصدقائه عبد الرحمن الأبنودي، أحمد فؤاد نجم.

وكان ديوانه الأول «صياد وجنية»، في منتصف الستينات، ترجمته الفعلية لتأثره الكبير ببيئته، والتعبير الدقيق عن المجتمع الذي نشأ فيه، في مدينة صغيرة على ضفاف بحيرة المنزلة تدعى «المطرية»، محافظة الدقهلية، فحروفه لا تعرف غير أن تعبر عن مشاعر مجتمعه كما علمه أستاذه الثاني في بداية حياته، مدرس الرسم شحاته سليم نصر، وذكر له سر التميز، أن يعبر عن مشاعر الناس في قريته، بعد معلمه الأول والده الذي كان ينظم الشعر، فتشرب الشعر منه عندما كان يلقيه على الصيادين في جلسات المصطبة الشعرية.

إن اشعار حجاب ملتصقه دائما بأنفاس مجتمعه، تتسلل إلى ثنايا أوجاعه ومشاكله وأحلامه وطموحاته، وكانت إصداراته الشعرية تفيض بمحبة شعبه، وقد ضمّتها «الأعمال الشعرية الكاملة»، «مختارات سيد حجاب»، وأيضا أعماله الإذاعية المسجلة كقصيدة «الطوفان»، «سلوا قلبي»، «السلم والكرسي». وحتى بعد انقطاعه الكبير عن الإصدار الذي استمر 46 عاماً، أصدر ديوانه «قبل الطوفان» عام 2010، الذي كان كنبوءة وبشارة محققة صاغها بشعره عن طوفان قادم في البلاد يقضي على الفساد والاستبداد، وفعلا بعد شهور من إطلاق صرخته، انطلقت ثورة 25 يناير، كطوفان يحقق نبوءة حجاب الشعرية، وقام أيضا بكتابة ديباجة الدستور المصري، حقاً إنه مشبع برائحة طمي النيل وعبقة.

حتى الأطفال كان لهم نصيب من إبداعه، فكتب لهم في مجلتي «سمير» و«ميكي»، وكان جريئاً في طرح شريطين كاملين لأغاني الأطفال «سوسه»، «أطفال أطفال»، وقد نجحا نجاحاً كبيراً فأسعد بهما ملايين الاطفال.

كان سيد حجاب فيضاً ملوناً من الإبداع، وأيقونة عصره في العطاء، فقد استمر عطاؤه نصف قرن، وسوف يعيش عصوراً، لأن الإبداع الحقيقي والثري لا يموت... ستظل في قلوبنا يا استاذ الكلمة!

* كاتبة كويتية

Amal.randy@yahoo.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي