No Script

سلسلة تُسلّط أضواء على الأعضاء والأنسجة البشرية الداخلية الأكثر عُرضة للاستئصال جراحياً (4 من 10)

الطحال... بين «التَضَخُّم» و«التوحُّش»

تصغير
تكبير

الطحال لدى الإنسان هو أضخم عضو حجما في الجهاز الليمفاوي، وهو عضو مهم للحفاظ على توازن سوائل الجسم إلى جانب وظائف أخرى، ولكن من الممكن أن يعيش الإنسان من دونه.
يقبع طحالك أسفل اضلاع قفصك الصدري مباشرة وتحديدا فوق المعدة في الربع العلوي الأيسر من البطن، ويبلغ متوسط وزنه لدى الشخص البالغ حوالي 180 غراماً وعرضه حوالي 13 سنتمترا، ويكون في حالاته الطبيعية بنفسجي اللون وناعم الملمس وتغذيه شبكة كثيفة من الأوعية والشعيرات الدموية.
ووفقا لاحصاءات وبيانات منظمة الصحة العالمية، فإن المشكلة الأكثر شيوعا التي تصيب الطحال هي مشكلة تضخُّم حجمه. لكن لا ينبغي الخلط بين حالتيّ تضخم الطحال وتوحُّش الطحال. فتضخم الطحال يعني زيادة حجم الطحال مع أو من دون حدوث قصور في وظائفه الحيوية.
أما «التوحُّش» فلا يعني تضخمه بالضرورة، لكنه يتسم بحدوث اضطرابات وظيفية ضارة، حيث يصاب الطحال باختلال يجعله يقوم بمهام عكسية حيث يقوم بتكسير وإتلاف خلايا الدم البيضاء وكرات الدم الحمراء والصفائح الدموية قبل إكتمال عمرها الافتراضي.
وبين «التضخم» و«التوحُّش»، نتصفح في حلقة اليوم معلومات وحقائق أخرى تتعلق بالطحال كعضو حيوي من الأعضاء البشرية الداخلية المعرضة للاستئصال جراحيا...

وظائفه

يعمل الطحال كمرشِّح (فِلتر) لتنقية الدم، إلى جانب أنه ينظم ويضبط كمية مخزون الدم وكريات الدم الحمراء ويسهم في حماية الأعضاء الداخلية في الجسم من الاصابة بالعدوى، حيث إنه إذا رصد الطحال وجود بكتيريا أو فيروسات او أي كائنات مجهرية ضارة أخرى في الدم فإنه يقوم - وبمساعدة من جانب العقد الليمفاوية - بإنتاج خلايا دم بيضاء تُسمى «الخلايا الليمفاوية»، والتي تعمل كمتاريس دفاعية، كما تقوم في الوقت ذاته بإنتاج أجسام مضادة لقتل تلك الكائنات المعادية ومنع تفشي العدوى في الجسم.
وعند مرور الدم خلال ثنايا ودهاليز الطحال، يتعين على جميع خلايا الدم الحمراء أن تمر من خلال ممرات ضيقة تسمح للخلايا السليمة بأن تعبر بسهولة بينما تتولى كريات دم بيض كبيرة الحجم تكسير الخلايا التالفة أو المتضررة.
ويقوم الطحال بتفتيت وتحليل مكونات خلايا الدم الحمراء المتكسرة ثم يقوم بتخزين مكوناتها المفيدة الصالحة للاستخدام - وبالأخص عنصر الحديد - كي يُعاد استعمالها مستقبلاً في بناء خلايا جديدة.
ويتميز الطحال بقدرته على أن يتمدد ويزداد حجمه كي يخزن كمية كافية من الدم في داخله، كما يمكنه أن يزداد أو يقل عرضاً بحسب حاجة الجسم. وفي أضخم حالاته، يستوعب الطحال كمية من الدم تعادل ما يملأ كوباً متوسطا من الدم.

التمزُّق... والتشقُّق

يحصل انفطار أو تمزُّق الطحال عادة نتيجة للتعرض لضربة أو صدمة مباشرة قوية (مثل حادث مروري، أو تصادم رياضي عنيف، أو سقوط جسم ثقيل على البطن، أو ما شابه ذلك)، إذ تتسبب مثل هذه الحوادث في تمزيق غشاء الطحال الخارجي وصولا إلى نسيجه الداخلي، ما يؤدي عادة الى حدوث نزيف داخلي حاد وأعراض صدمة (مثل تسارع دقات القلب ودوار وشحوب في البشرة وإعياء) وفي حال عدم المسارعة إلى تقديم الإسعافات والعناية الطبية اللازمة للمصاب، فإن هذا النزيف الداخلي يؤدي عادة إلى الوفاة أو إلى غيبوبة مهددة للحياة.
وبينما تشكل حالات التمزُّق أعلى درجات إصابات الطحال، ففي المقابل هناك حالات أخرى ابسط واخف وطأة قد يصاب الطحال فيها بـ«تشققات» سطحية طفيفة وغير مهددة للحياة، وقد تلتئم تلك التشققات من تلقاء نفسها أو مع بعض العلاجات مع مرور الوقت ولا تترك وراءها سوى آثار وندوب بسيطة لا تؤثر كثيرا على وظائف العضو.
وتشتمل أعراض تشققات أو تمزُّق الطحال ألماً في الكتف الأيسر وجدار الصدر الأيسر مع طراوة أو رخاوة في ملمس الجزء العلوي الأيسر من البطن، بالإضافة الى شعور المريض بارتباك ودوخة. فإذا شعر شخص بأيٍ من هذه الأعراض بعد تعرضه إلى ضربة أو تصادم أو ما شابه، فإنه ينبغي أن يتلقى اسعافات وعناية طبية طارئة فورية.

التضخُّم... معتدل وشديد

تَضَخُّمُ الطحال هو حالة مرضية يزداد بموجبها حجم ووزن ذلك العضو بدرجات متفاوتة ولمُسببات مختلفة. وينتج ذلك التضخُّم عن واحد أو أكثر من المسببات المرضية، وقد يستدعي الاستئصال جراحيا في حالات معينة يقررها الطبيب المعالج. ويعتبر تضخم الطحال من الحالات الطبية التي تستدعي الاهتمام والقلق، لكنها قابلة للعلاج في معظم الحالات.
وأي شخص عرضة للإصابة بتضخم الطحال في أي مرحلة عمرية، ولكن الأشخاص الأكثر عُرضة من غيرهم هم: الأطفال المصابين بالحمى الغدية، والبالغين المصابين باضطرابات أيضية وراثية (مثل متلازمة غاوشر ومتلازمة نيمان-بيك، والأشخاص الذين يسافرون الى مناطق مصابة بوباء الإيبولا.
وبشكل عام، يتم تصنيف تضخم الطحال إلى قسمين، وهما:
• تضخُّم معتدل: إذا كان أطول بُعد لقياسات الطحال يتراوح بين 10 و20 سنتيمترا.
• تضخُّم شديد (تعملُق): إذا أصبح أطول بُعد لقياسات الطحال أكبر من 20 سنتيمترا.
وفي حالاته الطبيعية، يكون الطحال عضوا غير قابل للتحسس اليدوي الخارجي من جانب الطبيب. لذا، إذا استطاع الطبيب أن يتحسس وجود ولو جزء من الطحال بالفحص اليدوي السريري، فعندها يبدأ في اعتبار الطحال متضخمًا، خصوصا لدى البالغين. أما لدى الأطفال حديثي الولادة فإن الطبيب يستطيع أن يتحسس لطحال بالفحص اليدوي حتى عمر 3 شهور.
الحالات المعتدلة من تضخم الطحال لا تترافق مع أي أعراض خارجية واضحة، لكن مثل تلك الأعراض تبدأ في الظهور في حالات التضخم الشديد. ومن بين أبرز أعراض تضخُّم الطحال: الشعور بآلام بطنية، وآلام في الصدر، والشعور بألم شبيه بألم الصدر الجنبي عند امتلاء المعدة أو المثانة البولية أو الأمعاء، وآلام في الظهر، والإحساس بالشبع المبكّر، إلى جانب أعراض أخرى تنتج عن الأنيميا بسبب قلة كريات الدم الحمراء.
في حالات تضخم الطحال، يستطيع الطبيب من خلال الفحص السريري أن يتحسس بيده الحافة السفلية للطحال تحت حافة ضلوع القفص الصدري اليسرى، كما يمكنه سماع صوت خرير مميز للطحال المتضخم بواسطة السماعة الطبية. لكن في معظم الحالات لابد من تأكيد التشخيص الظاهري بواسطة أشعة الرنين المغناطيسي (أو السونار) على البطن.


مسببات تضخُّمه

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن بعض أمراض الكبد والسرطان وأمراض الدم مصنفة كمسببات نمطية للإصابة بتضخم الطحال. ومن بين هذه الأمراض:
• الإصابات الفيروسية، لا سيما الحُمّى الغُدّانية.
• الإصابات البكتيرية.
• الإصابات الطفيلية (مثل الملاريا).
• اضطرابات التمثيل الغذائي (الاستقلاب).
• أمرض فقر الدم الانحلالي.
• أمراض الكبد (مثل تشمع أو تليف الكبد).
• معظم سرطانات الدم وسرطانات الجهاز الليمفاوي (مثل مرض هودجكن).
• الضغط المزمن على أوردة الكبد او الطحال او نشوء تجلطات فيها.
وبالنسبة لتضخم الطحال المعتدل، فإن مسببات تتفاوت من منطقة جغرافية إلى أخرى حول العالم، لكن من بين المُسببات الأكثر شيوعًا:
• تعرض الطحال إلى غزو واحتلال من جانب خلايا سرطانية آتية من ورم دموي خبيث.
• مرض فرط ضغط الدم في الوريد البابي المؤدي إلى الكبد.
• بعض الالتهابات الجرثومية، مثل مرض الزهري.
• الاصابة بعدوى التهابية في الطبقة الداخلية للقلب (إلتهاب شغاف القلب).
وفي كثير من الحالات، لا تظهر أعراض واضحة لتضخم الطحال إلى درجة أن الأطباء يكتشفون الحالة بالمصادفة عادة خلال إجراء فحوص روتينية أو فحوص على شكاوى صحية اخرى تستدعي تحسس الطحال. ولكن اذا ظهرت أعراض لتضخم الطحال المعتدل فإنها تشمل:
• الشعور بألم في الجزء العلوي الأيسر من البطن، وقد يمتد منتشرا الى الكتف.
• المعاناة من التعب والإعياء المستمرين.
• فقر الدم.
• حصول النزيف بسهولة.
أما المسببات المحتملة للتضخُّم الشديد (الذي يكون فيه وزن الطحال أكثر من كيلوغرام) فتشمل التالي:
• مرض البلهارسيا.
• مرض الملاريا.
• داء الليشمانيات الحشوي.
• مرض إبيضاض الدم النخاعي المزمن.
• سرطان التليف نخاع العظام.
وفي معظم الحالات، تعتمد معالجة تضخم الطحال على معالجة المسبب الرئيسي الكامنة وراءه، حيث انه إذا لم تتم معالجة ذلك المسبب فستظهر مضاعفات خطيرة أخرى، بما في ذلك تمزُّق الطحال والاضطرار إلى استئصاله وإزالته جراحيا (طالع الكادر المرفق هنا تحت العنوان: «الطحال... والاستئصال».

إصاباته السرطانية

الطحال عرضة للإصابات السرطانية، لكن بشكل عام من الممكن معالجة سرطان الطحال دوائيا في ضوء نوعه ومدى انتشاره، لكن في كل الأحوال يبقى استئصال الطحال هو الخيار الأرجح إذا رأى الطبيب أنه سيمنع حدوث مشاكل أكبر وأخطر.
وصحيح أن سرطان الطحال نادر نسبياً، لكنه عندما ينشأ فإنه يكون عادة أحد أشكال سرطان الدم أو سرطان ليمفاوي (أي أساسه من الجهاز الليمفاوي)، وهذا يعني أنه يبدأ في أعضاء أخرى في الجسم ثم يغزو الطحال ويستوطن فيه بحكم أن الطحال هو بمثابة مخزن للدم.
ووفقاً للجمعية الوطنية الأميركية لأمراض السرطان، فإن السرطان الليمفاوي يختلف عن مرض هودجكن في كونه يمر بطور من أطوار سرطان الطحال، بينما من الممكن أن يحدث هذا النوع من غزو الطحال مع سرطانات أخرى مثل اللوكيميا (سرطان الدم الذي ينشأ في نخاع العظم)، وأيضا في حالات أخرى نادرة مع الأنواع الأخرى من السرطان مثل سرطان الرئة أو المعدة.
وقد تتشابه أعراض سرطان الطحال مع بعض أعراض نزلة البرد، وقد يكون هناك أيضا شعور بالألم أو وتخمة المعدة في الجزء العلوي من البطن. كما قد يكون تضخم الكبد عن الاصابة ناجما عن الاصابة بسرطان الطحال.

الطحال... والاستئصال

عملية استئصال الطحال هي إجراء جراحي يلجأ إليه الأطباء في حالات معينة، ويتم بموجبه إزالة كل أو جزء من هذا العضو القابع أعلى المعدة مباشرة.
الدواعي... والطرق

ومن بين دواعي استئصال الطحال: بعض أمراض واضطرابات الدم (مثل: نقصان الصفائح الدموية المناعي، والثلاسيميا، والأنيميا الانحلالية، والأنيميا المنجلية، وبعض أنواع السرطانات (كالسرطان اللميفاوي، ومرض هودجكن، وسرطان الدم المعروف باسم «لوكيميا»)، وفرط نشاط الطحال.
وفي حال كان تضخم الطحال مصحوبا بـمشكلة «التوحُّش» التي أشرنا إليها آنفا، فعندها يكون ضروريا المسارعة إلى استئصاله جراحيا مع استمرار إجراء الفحوصات وإعطاء العلاجات الدوائية اللازمة لعلاج السبب الرئيسي.
ويلجأ الأطباء إلى خيار استئصال الطحال كليا أو جزئيا في ظل واحد أو أكثر من الحالات التالية:
• عندما يُصبح حجم الطحال كبيرا جداً بحيث يُصبح مدمراً للصفائح وكريات الدم الحمراء نتيجة أحد اضطراب المناعة الذاتية.
• تشخيص وجود أورام ليمفاوية.
• بعض حالات الطحال السائب.
• عندما يبدأ الطحال في تدمير الصفائح الدموية.
• نزيف أو تمزق الطحال نتيجة صدمات جسدية.
• العِلاج طويل الأجل لمرض البورفيريا، إذا تطور إلى فقر دم انحلالي.
• انتشار سرطان المعدة إلى أنسجة الطحال.
ويمكن إجراء عملية استئصال الطحال بالمنظار الجراحي، وهي عملية تحتاج الى عمل عدد من الفتحات الصغيرة في منطقة أعلى البطن ويستعمل الأطباء أدوات جراحية خاصة مزودة بكاميرا صغيرة لتبث لهم صور الطحال وما حوله على شاشة خارجية. لكن في الجراحات التقليدية التي لا تعتمد على استعمال المناظير، لا يحتاج الجراح سوى إلى عمل فتحة جراحية كبيرة واحدة يتم من خلالها استئصال الطحال ثم إعادة إغلاق الفتحة بإحدى طرق الخياطة الجراحية.
ما بعد الاستئصال

بعد استئصال الطحال، يستطيع الجسم أن يعيش من دونه، وذلك لأن أعضاء أخرى - كالكبد والعقد الليمفاوية – تقوم بتعوض وظائف الطحال جزئيا.
ولأن للطحال دورا مناعيا مهما للدفاع عن الجسم ضد أنواع كثيرة من البكتيريا والفيروسات، فإنه لابد في حال استئصاله من المواظبة قبل وبعد العملية على تطعيم المريض بتطعيمات ضد البكتيريا المستدمية النزلية التي تتسبب في التهاب رئوي والتهاب سحائي مميت، وضد البكتيريا المكورة الرئوية، وضد البكتيريا المكورة المسببة لالتهابات الأغشية السحائية، كما يتعين أن يتعاطى المريض تطعيما سنويا ضد الانفلونزا إلى جانب بعض المضادات الحيويةالأخرى للوقاية.
تأثيرات محتملة

بعد استئصال الطحال، قد تحدث زيادة في أعداد خلايا الدم البيضاء، وقد يرتفع عدد الصفائح الدموية إلى مستويات عالية بشكل غير طبيعي، وهو الأمر الذي قد يؤدي بدوره إلى زيادة خطر الإصابة بالجلطة. كما أن هناك توقعات قيد البحث مفادها أن المرضى الذين يخضعون لعملية استئصال الطحال يصبحون أكثر عُرضة لخطر الإصابة بداء السكري في وقت لاحق من حياتهم.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي