No Script

خواطر قلم

جريمة نيوزيلندا... وجه الإسلاموفوبيا القبيح!

تصغير
تكبير

يعاني المسلمون في الغرب - ومنذ فترة ليست بالقصيرة - من اعتداءات متكررة في أكثر من بلد غربي وأوروبي، ولم يسلم المسلمون ومساجدهم من الاعتداءات حتى في أكثر البلدان التزاما بالقانون وادعاءً بحفظ حقوق الإنسان كسويسرا وأميركا وكندا وغيرها.
اللافت هذه المرة في الجريمة الشنعاء - التي أودت بحياة نحو 50 مسلما آمنا في بيت من بيوت الله تعالى - أن القاتل ارتكب جريمته بعد تخطيط، ربما يكون طويلا استناداً إلى رحلاته المتعددة التي استلهم منها استذكار «الحروب الصليبية» ليكتب على أجزاء سلاح الجريمة ما اعتبره انتقاماً وثأراً لهزائم الصليبيين في تلك الحروب، التي خاضوها ضد المسلمين.
هذه الروح الثأرية الانتقامية لدى مرتكب الجريمة، لم تكن وليدة الصدفة، لكنها نتاج طبيعي لآلة الضخ الإعلامي لليمين المتطرف المعادي للإسلام والمسلمين، ولئن كانت الجريمة المروعة تدعو للعجب، فإن الأعجب من يبررها بوقاحة، كما فعل بعض ليبراليينا العرب أو بعض مدعي التدين إرضاءً لأجندات المعازيب، من دون اكتراث للدماء التي سالت أو احترام للأرواح التي أزهقت.


في المقابل كانت هناك وقاحة ولا مبالاة استعرضها اليميني المتطرف السيناتور الأسترالي، فرايزر مانينغ، وأثار ضجة كبيرة بعد إصداره بياناً برر فيه الهجوم على مسجدين في نيوزيلندا، ملقياً باللائمة على المسلمين المهاجرين وعلى الدين الإسلامي الذي وصفه بأنه «أصل أيديولوجية العنف».
وقال فرايزر في بيانه إن «السبب الحقيقي لإراقة الدماء في نيوزيلندا اليوم، هو برنامج الهجرة الذي سمح للمسلمين بالهجرة إلى نيوزيلندا بالأصل، لنكن واضحين، ربما يكون المسلمون اليوم ضحية، لكن في العادة هم المنفذون، على مستوى العالم يقوم المسلمون بقتل الناس بمستويات عالية باسم دينهم».
هذا الخطاب التأجيجي الممتلىء بالكراهية والحقد ضد المسلمين، الذي يُعد أحد أهم أسباب التطرف الديني المسيحي ومغذٍّ رئيسي للإرهاب الصليبي في أوروبا والغرب ضد المسلمين، لم يصدر من شاب مراهق أو طالب جامعي أو رجل شارع عادي، وإنما صدر - ومثله الكثير - من نائب في البرلمان اختاره ناخبون وأعون ليمثلهم ويوصل أصواتهم عبر أطروحاته البرلمانية.
اليمينيون المتطرفون هم في الحقيقة دواعش المسيحية الأوروبية، لكن الفرق بين دواعشنا ودواعشهم، اننا كأمة وقفنا في وجه داعش الشرق، وكشفنا زيغ منهجهم وضلال مسلكهم وقبح أفعالهم وأن ما يقومون به من جرائم وأفعال محرمة شرعا ومنبوذة اجتماعيا ومرفوضة عرفا، في حين أن دواعشهم قادرون على تأسيس أحزاب سياسية ولهم منصاتهم الإعلامية المرخصة، وقادرون على جمع التمويل اللازم لدعم إرهابهم الديني، بل ويصلون للحكم أحيانا كما حصل في الدنمارك وفي دول عدة.
الفرق بيننا وبينهم أننا نرفض الظلم ونأخذ على يد الظالم المتطرف، لكن الغرب المتحضر كما يزعمون يفتح الباب دون مواربة لليمين الديني العنصري المتطرف ليحكم حتى وصل الحال في بريطانيا إلى منع تداول مصطلح «الإسلاموفوبيا» في المؤتمرات العامة، ويُطلب من المشاركين المسلمين عدم استخدامه.
اليمين المتطرف يعلن الحرب على الإسلام صراحة، وهو أصل في أطروحات سياسييهم ودعاياتهم الانتخابية، وهذه الدعوات المريضة تلقى رواجاً واسعاً بين الناخبين الذين يسعون بقوة لإيصال المتطرفين إلى مواقع القرار السياسي في بلدانهم.
جريمة نيوزيلندا المروعة ستبقى وصمة عار في جبين سياسيي اليمين المتطرف، الذي يتغذى على بث روح الكراهية والأحقاد والاستطالة في الدماء والاعتداء على الأرواح.
العالم يا سادة لا تنقصه الكراهية بقدر ما هو محتاج للتسامح، الذي يحث عليه الإسلام.
ومما يؤسف له أن جريمة نيوزيلندا الإرهابية، عرّت حقيقة أولئك الذين يتشدقون بالحقوق الإنسانية وتكشف الوجه القبيح للإسلاموفوبيا التي يعاني منها المسلمون في أوروبا وأميركا وكندا وغيرها من الدول، كما أظهرت ليبراليينا على حقيقتهم اللاإنسانية وكشفت متاجرتهم الرخيصة بالمبادئ التي لا تتجزأ، كما أظهرت حجم النفاق الذي يتعامل به العالم أجمع، ففي الوقت الذي تنادى فيه زعماء مسلمون وعرب ليجتمعوا في باريس منددين بحادثة الاعتداء على موظفي شارلي إيبدو التي سخرت من الإسلام ونبيه ومقدساته، كان صوت أولئك الزعماء خافتاً أو متوارياً وغير موجود أصلاً في استنكار جريمة الاعتداء على مسلمي مسجد نيوزيلندا.
ولولا بعض المواقف اللافتة من الكويت التي عملت مشكورة على استصدار بيان من مجلس الأمن لشجب واستنكار هذا العمل الإجرامي، ورفعها علم نيوزيلندا على أبراج الكويت في خطوة رمزية تعكس التعاطف الكويتي مع مسلمي ذلك البلد، وموقف الرئيس التركي السيد رجب طيب أردوغان، الذي أوفد نائب الرئيس ووزير الخارجية التركي على رأس وفد لمتابعة التحقيقات ومواساة أسر الضحايا، واستنكار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز المجزرة المروعة في تغريدة له على مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، وكذلك فعل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ولكن تبقى ردود أفعال قياداتنا العربية والإسلامية دون طموح المواطن العادي، الذي نتمنى دوماً أن يكون لقيادته موقف يحفظ له كرامته بين أقرانه الأوروبيين والغربيين.
اللهم ارحم قتلى المسلمين في نيوزيلندا وتقبلهم في الشهداء، وأسبغ على ذويهم الصبر والسلوان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

@mh_awadi

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي