No Script

كسر الحلقة المقفلة في اليمن

تصغير
تكبير

قبل كلّ شيء، لا يمكن الّا الترحيب بأيّ اخبار إيجابية تأتي من اليمن. هناك حاجة الى تفادي مأساة إنسانية أكبر من تلك التي يتعرض لها اليمنيون منذ سنوات عدّة. يكفي اليمنيين ما عانوه منذ العام 2011 عندما اعتقد «الاخوان المسلمين» ان في استطاعتهم سرقة الانتفاضة الشعبية التي قامت في وجه النظام القائم وتجييرها في مصلحة الاستيلاء على السلطة غير آبهين بأمرين. الاوّل ان نظام علي عبدالله صالح، الذي اغتاله الحوثيون قبل عام تقريبا، لم يكن لقمة سائغة والآخر ان الحوثيين (انصار الله)، ومن خلفهم ايران، كانوا ينتظرون الفرصة المناسبة للانقضاض على صنعاء. هذا ما حصل في الواحد والعشرين من سبتمبر 2014.
المهمّ الآن ان يكون هناك أساس لحل سياسي يؤدي الى تجنب الكارثة الانسانية الأكبر. يكفي اليمنيين ما مرّوا به في السنوات القليلة الماضية في ظلّ انسداد كامل للمخارج السياسية وانتشار الجوع والمرض في كلّ مكان. لعلّ الوضع البائس لمدينة كبيرة مثل تعز، ذات التاريخ العريق، يعطي فكرة عن ان الجمود في اليمن ليس سوى الطريق الأقصر الى تفتيت البلد وتشظيه اكثر مما هي عليه الحال هذه الايّام.
هل بدأت تتوافر الشروط لحلّ سياسي بعدما ضغطت القوى الدولية في مقدّمها الولايات المتحدة وبريطانيا من اجل الوصول الى شبه هدنة في الحديدة تلاها اعلان الحوثيين عن وقف اطلاق الصواريخ وارسال طائرات من دون طيّار «في اتجاه السعودية والامارات»؟


يقول المنطق، المدعوم بتجارب الماضي القريب، إن لا مجال لأيّ مقارنة بين وقف الهجوم من أجل تحرير ميناء الحديدة، بما يمثله من أهمّية استراتيجية وإطلاق صواريخ في اتجاه المملكة، في حين أنّه مشكوك في أمر بلوغ هذه الصواريخ دولة الامارات. سيظل السؤال الأساسي الذي سيطرح نفسه عاجلا أم آجلا هل يمتلك الحوثيون حرّية قرارهم ويقبلون باستعادة حجمهم الطبيعي... أم يستمرون في مشروع لا أفق له من أي نوع كان باستثناء تعميق المأساة اليمنية وخلق مزيد من التخلّف؟
الأكيد أن ثمّة حاجة الى صحوة لدى الحوثيين. لكنّ الأكيد أيضا أن ثمّة حاجة أيضا الى إعادة تشكيل «الشرعية» كي تكون في مستوى الحدث وكي تتمكن من التعاطي مع أيّ حل سياسي يمكن أن يطرحه مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة مارتن غريفيث الذي لا يبدو أنّه يعرف الكثير عن اليمن وعن طموحات الحوثيين والذين يقفون خلفهم. الأسوأ من ذلك أنّه ينفّذ أجندة مرتبطة إلى حدّ كبير بأولويات أميركية وبريطانية لا تأخذ في الاعتبار ما سيترتب من ضرر على عدم الحاق هزيمة عسكرية بالحوثيين في الحديدة تحديدا.
من الصعب الرهان على صحوة لدى الحوثيين. من يراجع الخطب التي ألقاها زعيمهم عبدالملك الحوثي منذ السيطرة على صنعاء لا يتجرأ على ذلك. كلّ ما هناك هو سلسلة من المناورات تصبّ في عملية كسب للوقت ليس الّا. ليس لدى «انصار الله» ما يقدمونه لليمنيين غير العيش في الأوهام وفي ظلّ الشعارات الفارغة والخطب الطنانة التي لا توفر دواء ولا تطعم جائعا ولا تؤمن مدرسة او مستشفى. اخطر ما في الامر أن لا وجود لأي وعي حوثي من أي نوع للوضع الذي وصل إليه المواطن العادي. باختصار شديد، صار المواطن اليمني في الحضيض.
فوق ذلك، فقد المواطن أي أمل بمستقبل أفضل. لم يترك له «انصار الله» سوى خيار واحد هو الانتماء الى ثقافة الموت والبؤس. هذا لا يعني في طبيعة الحال أن الحوثيين لا يمثلون شيئا في اليمن. انهم جزء من الشعب اليمني ولا بدّ من اشراكهم في أي عملية سياسية ولكن من دون اعتبارهم المكون الوحيد في شمال اليمن.
على الصعيد العملي، لا مفرّ من اشراك الحوثيين في أي عملية سياسية تستهدف الوصول الى صيغة حلّ في مرحلة معيّنة. لكنّ كل تصرفات هؤلاء توحي بأنهم يريدون فرض صيغة تؤدي في نهاية المطاف الى قيام دولة خاصة بهم عاصمتها صنعاء. هل يجوز ترك أهل صنعاء بما يمتلكونه من صفات حضارية تحت رحمة مجموعة غازية جاءت من الكهوف تحمل شعار «الموت لاميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للاسلام»؟
الأكيد أن خطأ كبيرا سيرتكبه مبعوث الأمين للعام للأمم المتحدة في حال اعتقد أن في الإمكان التوصل الى حل سياسي في ظل موازين القوى القائمة. هذه ليست دعوة الى استئناف القتال في الحديدة، لكنها محاولة لتفادي مزيد من القتال في المستقبل. في ختام المطاف، ان بقاء «انصار الله» في الحديدة يعتبر الطريق الأقصر للوصول الى حائط مسدود سياسيا. بكلام أوضح، اذا حصرت المفاوضات المقرر ان تجري في استوكهولم بـ«انصار الله» و«الشرعية» لن تكون هناك أي نتائج إيجابية. لا مفرّ من كسر الحلقة المقفلة التي يدور فيها اليمن. ذلك لا يكون الّا بإخراج الحوثيين من الحديدة وبإعادة تشكيل «الشرعية» عن طريق توسيع قاعدتها. ليس طبيعيا الا تكون كلّ القوى المشاركة في مواجهة الحوثيين ممثلة في «الشرعية».
في حال لم يتحقّق هذان الشرطان، سيمارس «انصار الله» هوايتهم المفضلة. تتمثل هذه الهواية في كسب الوقت من أجل خلق واقع على الأرض. مثل هذا الامر سهل عليهم بسهولة اغتيال علي صالح. تعود هذه السهولة الى سبب في غاية البساطة يتمثل في عدم اكتراثهم بمستقبل الشاب اليمني العادي وحياته. مطلوب من الشاب اليمني ان يكون «مشروع شهيد» لا اكثر. مطلوب منه الا يفكر في الذهاب الى المدرسة ثمّ الى الجامعة. مطلوب منه ترديد شعارات لا تطعم خبزا... وان يقاتل من اجل انتصار المشروع التوسّعي الايراني في المنطقة.
هل هذا ما يريده مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة المدعوم اميركيا وبريطانيا، ام يريد بالفعل البحث عن حل سياسي متوازن يعيد الامل الى اليمنيين؟
مرّة أخرى، ليس مطلوبا الغاء الحوثيين، فلا احد يلغي أحدا في اليمن. ما يبدو مطلوبا اكثر من أي وقت هو البحث عن طريقة تؤمن مشاركة أكبر عدد من القوى السياسية في الشمال والجنوب والوسط في أي حوار وطني او أي مفاوضات، وذلك من اجل تحديد الهدف المنشود المتمثل بالحل السياسي.
الثابت الوحيد في اليمن في الوقت الحاضر ان لا عودة الى اليمن الواحد الذي تتحكّم به صنعاء، التي كانت تمثل في الماضي ما يسمّى بالمركز. اليمن الذي عرفناه صار جزءا من الماضي. لا مفرّ من صيغة فيديرالية او كونفيديرالية في غياب القدرة على العودة الى قيام دولتين منفصلتين كما كانت عليه الحال قبل العام 1990 تاريخ تحقيق الوحدة. لا امل في بلوغ مثل هذه الصيغة اذا لم تكسر الحلقة المغلقة...

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي