No Script

«البنتاغون»: فايز الكندري لم يعد يمثل تهديداً لأمن الولايات المتحدة يستوجب الحماية

«غوانتانامو» بلا كويتيين

تصغير
تكبير
• عين المعتقل 552 ستكتحل للمرة الأولى بأرض الكويت بعد 14 عاماً من الغياب

• المكالمات المرئية عبر الإنترنت كانت الطريقة الوحيدة للتواصل بين الكندري وذويه

• لم يتم الإفراج عن الكندري رغم إسقاط التهم المنسوبة إليه في 2012

• التفاؤل ظل ملازماً المعتقل الكويتي حتى أنه كان ينقل لمحاميه تأكده من إطلاق سراحه

• 775 معتقلاً في غوانتانامو تبقى منهم 105 وسط تطلعات باهتة لإغلاقه نهائياً
مع تنشق آخر معتقل كويتي في غوانتانامو نسمات الحرية بوصول فايز الكندري إلى الكويت، حيث يشم فيها عبق أحضان والديه ويلقي همومه التي صاحبته طيلة 14 سنة من الاعتقال وراء ظهره ليبدأ صفحة جديدة من عمره يتنسم فيها عبير الحرية، تغلق الكويت صفحة مريرة عانتها على مدى سنوات طوال ساعية إلى الإفراج عن أبنائها الذي كانوا معتقلين في غوانتانامو.

وخلال تلك السنوات العصيبة، لم يكن أمام الكندري سوى التواصل مع ذويه كل قرابة شهرين عبر الإنترنت (سكايب) بتنسيق من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ليتواصل من خلف أسوار «غوانتانامو» مع عائلته دون أن يهنأ بدفء الحوار المباشر مع والديه أو أن يشحذ عزيمته بلمسة حانية منهما.


وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ان «مراجعة أجرتها المخابرات الأميركية أظهرت أن فايز الكندري لم يعد يمثل تهديدا لأمن الولايات المتحدة يستوجب الحماية».و«غوانتانامو» ذلك السجن الرهيب الذي يقع في قاعدة عسكرية أميركية في كوبا استأجرتها واشنطن من الحكومة الكوبية منذ 1903 مقابل 4085 دولارا سنويا باتفاقية تأجير لا يمكن فسخها سوى باتفاق الطرفين، شهد في 11 يناير 2002 وصول أول فوج معتقلين من مختلف الجنسيات قادمين من أفغانستان وباكستان إلى معسكر «اكس ري».

الكندري الذي تم إلقاء القبض عليه دون أي مسوغ قانوني وسلمه الباكستانيون في 2002 للحكومة الأميركية لترسله بدورها إلى غوانتانامو، تم اسقاط التهم عنه في 2012 لكن هذا الإسقاط لم يسفر وقتها عن اطلاق سراحه، رغم أنه لم يتبق من المعتقلين الذين كانت تعج بهم أركان المعتقل سوى 105 من أصل 775 معتقلاً، ربما نسي جلهم أسماءهم بعد هذه السنوات الطويلة في المعتقل، لاسيما وأنهم على مدار الاعوام الـ14 لم يسمعوا اسماءهم، للاعتماد على أرقام حصل عليها كل منهم لدى دخوله، يناديهم الحراس بها عند التعامل معهم. وعند وصول الكندري إلى «غوانتانامو» حمل الرقم 552 لتبدأ بعدها رحلة من المعاناة ما بين آلام الرقبة والإضراب عن الطعام وسوء التغذية مروراً بآلام البعد عن الأهل والوطن، لكن الكندري احتفظ دائماً بتفاؤله وكان ينقل هذا التفاؤل إلى محاميه، مؤكداً لهم أنه على يقين من خروجه.

وداعبت الكثيرين تطلعات بإغلاق هذا المعتقل بعد ان وعد الرئيس الاميركي باراك أوباما بغلقه إلا أنه واجه عقبات إجرائية مع الكونغرس يجري التعامل معها.

وقفات تضامنية

من بين الوسائل التي كان لها أثر في جعل قضية المعتقلين الكويتيين في غوانتانامو حية تنظيم الوقفات التي كانت تشهد اقبالاً شعبياً كبيراً باعتبار هذه القضية إنسانية في المقام الأول وتهم كل شرائح المجتمع وشهدت حضور عدد من أعضاء مجلس الأمة خلال دوراته المتعاقبة.

أبٌ روحيٌّ... وبلسم الجروح

اقترن اسم رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن المعتقلين الكويتيين في «غوانتانامو» خالد العودة بتلك القضية منذ بدايتها، فتحركاته لم تهدأ ما بين التنسيق مع الجانبين الحكومي والشعبي وعقد المؤتمرات والندوات وتنظيم الوقفات أمام السفارة الأميركية وكان دائماً حاضراً بقوة مع كل دفعة معتقلين يتم الإفراج عنها.

أما فيما يتعلق بالمعتقلين فقد كان المركز التأهيلي من بين الاشتراطات الرئيسة التي حرص عليها الجانب الأميريكي وألح كثيراً للتأكد من توافرها، وتم انشاء المركز في أعقاب انشاء مركز مماثل في المملكة العربية السعودية بعد ان ثبت دوره وفعاليته في اعادة تأهيل المعتقلين السابقين في غوانتانامو والمساعدة في دمجهم في المجتمع.

ولعب المركز دوراً مهماً أيضاً في الإسراع بإقناع الجانب الأميركي بالموافقه على خروج المعتقلين الكويتيين، حيث يضم عددا من الأنشطة المتنوعة من بينها صالات للألعاب الرياضية ومكتبة ومصلى وعيادة طبية.

وقام عدد كبير من المسؤولين بزيارة هذا المركز الذي يخضع لإشراف وزارة الداخلية وكان من بينهم عدد من السفراء الأميركيين في الكويت خلال فترة عملهم في البلاد.

ويعد المركز المحطة الثانية للمعتقلين الكويتيين الذين يتوجهون مباشرة للمستشفى العسكري عند خروجهم من مطار الكويت ثم بعد ذلك إذا سمحت حالتهم الجسدية يتم خروجهم من المستشفى للتوجه إلى المركز.

صحبة المعتقل

فوزي العودة وفايز الكندري اسمان اقترنا معا بعد أن سبقهم عشرة من الكويتيين بالخروج من غوانتانامو، (قبل خروج فوزي) ليبقى الفائزان يتقاسمان كثيرا من الأتراح وقليلا من الأفراح طيلة هذه السنوات الصعبة. اشتركا معاً في عدد من الإضرابات عن الطعام احتجاجاً على المعاملة السيئة.

جهود متواصلة

إلى جانب الجهود الشعبية ودعوات الكويتيين، لعبت الجهود الرسمية دوراً كبيراً في إطلاق سراح المعتقل الكويتي في غوانتانامو فايز الكندري، وكان على رأس تلك الجهود وفي مقدمتها زيارات سمو الأمير إلى واشنطن وطرحه لتلك القضية خلال مباحثاته مع الرئيس أوباما ليعقبها جهد حكومي مكثف أسفر عن عودة فوزي وترقب وصول فايز.

مسكنات... وماء

خلال 14 عاماً التي قضاها الكندري في غوانتانامو، لازمته آلام الرقبة الناتجة عن ضربة كان قد تلقاها أثناء ترحيله إلى المعتقل وكانت الإجابة التي يتلقاها دائماً «تناول المسكنات واشرب الكثير من الماء فنحن لا نستطيع تقديم أكثر من ذلك». وتأتي حالة الكندري الطبية كملف سيتم متابعته بعد خروجه إذ طلب محاميه عبدالرحمن الهارون تسليم كافة الملفات الطبية المتعلقة به.

إمام للمعتقلين

من بين مقاطع الفيديو التي تم تسريبها كان مقطع لفايز الكندري وهو يؤم المصلين، في مشهد يدل على التزامه رغم الظروف الصعبة التي عاشها خلال تلك السنوات، كما كان حريصاً أيضاً على الصيام في شهر رمضان رغم حالته الصحية.

إضراب وآلام

دخل الكندري مع رفيق دربه فوزي مرات عدة في اضراب عن الطعام استمر في بعض الأحيان أسابيع عدة لا يدخل فمهما سوى الماء، ما جعل حراس المعتقل يلجأون إلى ما يسمى بالتغذية القسرية بوضع أنبوب في أنف المعتقل لتدخل من خلالها السوائل المغذية بشكل اجباري رغم الآلام.

الكندري... صديقي الذي لم أره

| كتب أحمد زكريا |

اتصال ليلي من رقم أميركي في وقت متقدم جعلني أسرع لأتبين مَنْ وراءه، الأمر الذي اضطرني لأزيح صغيري يوسف ذي الثلاثة أعوام وقتها عن حضني لأستقبل تلك المكالمة الآتية من بلاد العم سام.

كان على الطرف الآخر من الهاتف المقدم في البحرية الأميركية كيفين بوجوكي المعين من قبل البنتاغون للدفاع عن فايز الكندري. بوجوكي، الذي كانت تجمعني به بحكم تغطيتي لملف غوانتانامو معرفة سابقة، أخبرني وقتها بنبرة يغلب عليها الحزم والحزن بأنه قادم للكويت ويحمل معه رسالة لي من فايز الكندري.

بوجوكي كان من عشاق الكشري الذي يحلو له تناوله في سوق المباركية مع عدد كبير من استكانات الشاي دون ان يأبه بأي قواعد غذائية رغم انه كان وما زال من أولئك الضباط الذين تحتاج لوقت طويل لترفع رأسك كي تصل بناظريك إلى جبهته من فرط طوله ومتانة جسده الممشوق.

عند وصول بوجوكي للكويت عرضت عليه ان ننسى الكشري ودعوته لمطعم مصري فأجاب الدعوة وكان حاضراً كعادته قبل الموعد بخمس دقائق وما ان جلسنا حتى أبلغني انه يحمل رسالة شفهية لي من فايز الكندري الذي كان يتابع ما أكتبه عنه وعن رفيق دربه الذي سبقه للحرية فوزي العودة.

بدت رسالة فايز مفعمة بالامتنان ولكن الأهم فيها ما ظهر منها من احساس مرهف وتفاؤل رغم كل ما عاناه من متاعب وآلام لم تمنعه من اظهار فيض مشاعره على كل من يعرف ابتداء من والديه وأسرته ومروراً بفريق الدفاع عنه وكل من سانده ووصولاً لصحافي تابع ملف قضيته، وحينها تذكرت انزعاجي لإزاحتي يوسف عن حضني كي أجيب على الهاتف، في وقت غاب فيه فايز عن حضن والده 14 عاماً وقبل ان أتساءل عن سر تماسكه تذكرت قول الحق تبارك وتعالى «إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي