No Script

رأي مالي

الطلب العالمي على النفط ... في ذروته؟

 u062du064au062fu0631 u062au0648u0641u064au0642
حيدر توفيق
تصغير
تكبير
قد يكون وصول الطلب على النفط إلى أعلى مستوياته، وليس فقط مسألة العرض والطلب، هو السبب الذي يفسّر التراجع الكبير الذي شهدته أسعار النفط العالمية أخيراً.

كما أن افتراض تواصل ارتفاع الطلب على النفط في المستقبل قد يكون غير صحيح، ولكن ما يبدو مؤكداً بالفعل هو أن اعتماد العالم على النفط والطلب عليه سيبدأ بالانخفاض في مرحلة ما في المستقبل.

ولطالما سادت النظرية القائلة بأن النمو السكاني، وارتفاع حجم الطبقة المتوسطة في العالم يضمنان استقرار مستوى الطلب على النفط ومصادر الطاقة الأخرى، وهو الأمر الذي يساهم في ارتفاع الأسعار في المستقبل، وقد كانت هذه النظرية مقبولة لدى الجميع في مختلف أنحاء العالم، سواء كانوا مستثمرين أو حكومات أو قطاعات صناعية.

ومن المهم في هذه المرحلة أن نتساءل عن مدى صحة هذه النظرية من أجل محاولة فهم الأسباب التي تقف وراء تراجع أسعار النفط بشكل أفضل، ونحن نعتقد جازمين بأن الاقتصاد العالمي يمرُّ بعملية تغيير كبيرة فيما يتعلق باستهلاك النفط، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تغيير كبير في أنماط استخدام الطاقة في المستقبل القريب.

وقد عرف هذا التغيير نمطاً منتظماً، ونحن نرى أنه سيتسارع في السنوات المقبلة مع تأثير سلبي على معدلات الطلب على النفط.

ونجح القطاع الصناعي العالمي في الوصول إلى مستويات إنتاجية أكبر من أي وقت مضى، بالتزامن مع الثورة التكنولوجية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة، والتي ساهمت في تقليص حجم النفقات، ومستوى استخدام الطاقة على حدٍ سواء. وتتطلب عملية التنمية السريعة إلى جانب بناء المدن الحضرية وتطوير البنى التحتية اليوم، كميات أقل بكثير من الطاقة بالمقارنة مع السنوات والعقود الماضية، كما أن تزايد الاضطرابات السياسية في المناطق الرئيسية في العالم النامي، والرهانات الكبيرة في مجال الطاقة المتجددة هي من بين العديد من العوامل التي من شأنها المساهمة في إبطاء النمو السريع السابق للطلب على النفط.

لقد شهد العالم خلال العام الماضي إنفاق ما مقداره 265 مليار دولار على الطاقة المتجددة، وهو مبلغ كبير جداً بالمقارنة مع ما تم إنفاقه على الاستثمارات النفطية، ونحن نرى أن العالم يتغير بسرعة كبيرة، وأن الطلب العالمي على النفط سيصل إلى ذروته خلال العقدين المقبلين.

إن التداعيات الجيوسياسية والاقتصادية على وصول معدل الطلب على النفط العالمي إلى ذروته، ستكون كبيرة جداً بالنسبة لبعض البلدان المنتجة للنفط، وفي الوقت الذي سينفصل فيه النمو الاقتصادي بصورة متزايدة عن النفط، من المرجح أن يصبح التركيز أكبر على الموارد الشحيحة الأخرى التي هي أكثر أهمية للإنسان، مثل الغذاء والماء والسلع الطبيعية التي تساعد على توليد الطاقة.

ويستند المحللون الذي لا يتفقون مع نظرية وصول معدّل الطلب على النفط العالمي إلى ذروته، إلى النمو المتسارع والمتزايد للطبقة المتوسطة في بعض البلدان مثل الصين والهند واندونيسيا وبعض أجزاء من أفريقيا، إذ كان الترويج لمثل هذه الحجج يصب دائماً في مصلحة قطاع صناعة النفط.

ونحن ندرك جيداً أن تنامي حجم الطبقة المتوسطة يعني انتشار المزيد من السيارات على الطرق، وارتفاع حجم استهلاك الوقود، وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى ارتفاع الطلب على النفط بحلول عام 2040 ليصل إلى 104 ملايين برميل يومياً بالمقارنة مع 90 مليون برميل في عام 2013، على خلفية الطلب المتزايد في العالم النامي الذي يعوّض الانخفاض المتوقع لحجم الطلب في البلدان الصناعية.

ولكننا نعتقد أن هذه التوقعات تُغفل نقطة مهمة، وهي أن دول العالم المتقدم كانت فعّالة جداً في مسألة توفير الطاقة، وبناء على ذلك سيكون هناك سوء تقدير لحجم الطلب الفعلي على النفط من الاقتصاديات المتقدمة، مقابل مبالغة في تقدير الطلب المستقبلي على النفط من الاقتصاديات الناشئة.

لقد كانت الاقتصاديات المتقدمة في صدارة الدول، التي قامت باعتماد تدابير ساهمت في تحوّلها إلى اقتصاديات ومجتمعات أكثر فعالية في استخدام النفط أو الطاقة، ومن بين التدابير التي اعتمدتها معظم هذه الدول فرضُ ضرائب على استهلاك الطاقة وصلت مستوياتها في بعض البلدان إلى معدلات مرتفعة جداً تواصل الارتفاع بشكل سنوي في بعض البلدان.

لقد أدى التقدم التكنولوجي إلى وصول معدلات الطلب على النفط إلى ذروته في الاقتصاديات المتقدمة مثل اليابان، والولايات المتحدة وأوروبا.

وأظهرت أحدث دراسة حول استخدام النفط في أوروبا، أن استخدام دول القارة العجوز للنفط خلال العام الماضي وصل إلى أقل مستوى له منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي.

من جهتها أعلنت إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن عام 2007، شهد ذروة استهلاك النفط في الولايات المتحدة، مع توقعات بانخفاض الطلب بمعدل يتراوح بين 1.8 مليون و2.7 مليون برميل يومياً بحلول عام 2035 على أساس التحسّن في الفعالية الطاقية للسيارات والاتجاهات السكانية.

وهناك مؤشرات على تباطؤ الطلب على النفط في الصين، التي كانت أكبر مصدر لارتفاع النمو في الاستهلاك النفطي خلال العقد الماضي، إذ نجحت الصين بشكل كبير في جعل اقتصادها أقل اعتمادا على النفط، وبذلت جهوداً كبيرة في سبيل الترويج لاستخدام الطاقة المتجددة وتكنولوجيا السيارات المتقدمة الموجهة للسوق الداخلية وللتصدير.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية أنفقت الصين المليارات على تطوير المدن الجديدة التي تتميز بالفعالية الطاقية، وقامت بربط هذه المدن بشبكة ضخمة من القطارات فائقة السرعة التي تعمل على الكهرباء، وتتميز باستخدام الطاقة بكفاءة عالية جداً.

من المرجح أن يساهم هذا التوجه الجديد من التوسع العمراني الهائل في الحد من جدوى امتلاك السيارات الخاصة، وتبحث المدن القديمة والجديدة في مختلف أنحاء العالم عن تصاميم ذكية لأنظمة النقل، وعن تشديد القيود والصعوبات التي ترتبط بامتلاك السيارات الشخصية.

وبلغ عدد الأشخاص الذين يستخدمون القطارات بشكل يومي في المملكة المتحدة مستويات قياسية، أما كبار السن في الولايات المتحدة، واليابان، وأوروبا فإنهم يقودون السيارات بمعدل أقل بكثير بالمقارنة مع السنوات الماضية، ويستخدمون الحافلات والقطارات أكثر من أي وقت مضى.

وفي الوقت نفسه، يؤثر ارتفاع مستوى الاضطرابات الجيوسياسية، وانخفاض أسعار النفط بشكل سلبي على النشاط الاقتصادي في أجزاء من الدول المنتجة للنفط وفي أفريقيا، كما أن الدعم الحكومي لأسعار الوقود، الذي كان المحرك الرئيسي للطلب على النفط في العالم النامي، بدأ في التراجع بوتيرة متسارعة.

وتراجعت تكلفة إنتاج الطاقة المتجددة بشكل كبير على مدار السنوات القليلة الماضية، سواء كانت طاقة الرياح، أو الطاقة الشمسية أو الكهربائية، ويُتوقع لها الآن أكثر من ذي قبل مستقبلٌ أفضل بكثير.

إن التزام الصين ببرنامج صناعي يجعلها المصدر الرئيسي في العالم للألواح الشمسية والمركبات المتطورة، بما في ذلك إنتاج 5 ملايين سيارة كهربائية بشكل سنوي، هو سبب آخر يجعل أولئك الذين يتوقعون ارتفاع الطلب على النفط بشكل كبير إلى الأبد يتوخون الحذر.

من المؤكد أن كل ما سبق غير مضمون ولكن المؤشرات تدل على أنه أقرب ما يكون إلى الواقع، فقد يشهد العالم تطورات كثيرة في المستقبل، والتغييرات مقبلة لا محالة فالتطورات المستقبلية، وتغيير السياسات الاقتصادية والتطور التكنولوجي يمكن أن تغيّر بسهولة مستوى الطلب على النفط.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي