No Script

رأي مالي / أسعار الفائدة... وتأثيرها على جميع الكيانات

تصغير
تكبير
تعمد البنوك في العادة إلى إيداع السيولة النقدية الفائضة لدى البنوك المركزية بهدف الاستفادة من الفائدة، إلا أن المرحلة الحالية تشهد اعتماد بعض البنوك المركزية فائدة سلبية على تلك الودائع.

وتضم لائحة هذه البنوك المركزية كلاً من بنك اليابان المركزي، والبنك المركزي الأوروبي، والبنك المركزي السويسري، والبنك المركزي الدانماركي، والبنك المركزي السويدي، في الوقت الذي ألمح فيه البنك المركزي النرويجي إلى إمكانية اعتماد معدلات فائدة سلبية.


وتسعى البنوك المركزية من خلال هذه الخطوة إلى تشجيع البنوك على التخلص من السيولة النقدية التي تمتلكها، وزيادة حجم الإقراض أو الاستثمار في السندات الحكومية في سبيل إبقاء معدل العوائد منخفضاً.

ويأمل محافظو البنوك المركزية أن يؤدي اعتماد معدلات فائدة سلبية، إلى تعزيز اقتصاداتها المحلية عبر عدة طرق، إلا أننا نعتقد أن ذلك بعيد عن الواقع.

فمن الطبيعي أن تتوجه البنوك المركزية في الأوقات العادية إلى خفض أسعار الفائدة، في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد من الكثير من المشاكل، أو الذي يواصل فيه معدل التضخم التراجع.

ويأمل المسؤولون في البنوك المركزية من خلال هذه الخطوة إلى جعل الادخار أقل جاذبية والاقتراض مغرياً، الأمر الذي يؤدي إلى المساهمة في زيادة حجم الأموال التي يتم إنفاقها، وإطلاق صافرة البداية لمرحلة الانتعاش الاقتصادي، ولكن يبدو أننا لسنا في أوقات عادية، فمعدل التضخم مازال في تراجع والضعف الذي يعاني منه الاقتصاد العالمي مازال مستمراً.

وبدأ الهلع يصيب المدّخرين الذين أصبحوا يدّخرون أكثر بدلاً من الإنفاق، ومنذ تاريخ اعتماد بنك اليابان المركزي أسعار فائدة سلبية ارتفع معدل بيع الخزنات بشكل كبير، وبسبب استمرار معدل التضخم بالتراجع فإن المستهلكين يدفعون أقل مقابل السلع التي يشترونها والخدمات التي يحصلون عليها، ما يعني في الواقع أنهم يوفرون أكثر، إذ ان البنوك المركزية تعيش في الواقع في حلقة مفرغة.

وتعاني العديد من الاقتصادات الكبرى في المرحلة الحالية من الانكماش بحيث تنخفض الأسعار، وإذا أخذنا في الاعتبار معدلات التضخم بما في ذلك الغذاء والطاقة، فإن ذلك يقودنا إلى نتيجة واحدة وهي أننا مازلنا نعيش في انكماش.

ونحن لا نعتقد أنه من الواقعي تجاهل أسعار الغذاء والطاقة عند تحديد المعدل الفعلي للتضخم، فإذا واصل معدل التضخم انخفاضه فإن أسعار الفائدة الحقيقية سترتفع أكثر، ما يؤثر بشكل سلبي على الانتعاش الاقتصادي بدلاً من إعطائه دفعة.

وفي إطار خطوة يائسة لتجنب هذا الفخ، قررت المزيد من البنوك المركزية أكثر من أي وقت مضى اعتماد أسعار فائدة سلبية. ونشير هنا إلى أن حقيقة وجود أسعار فائدة سلبية هي أمر سيئ بالنسبة للجميع، ونحن نعتقد أن البنوك المركزية في حالة تخبط وتأمل ببدء اقتصاداتها المحلية بالانتعاش بسرعة، أو أن يبدأ التضخم بالارتفاع.

ونعتقد أن هذه سياسة خطرة جداً، بما أنه لا يمكن إجبار المستهلكين أو المدّخرين على الإنفاق أكثر من خلال اعتماد معدلات فائدة سلبية وهي سياسة سيكون لها بالتأكيد آثار سلبية، وإننا نرى أن ردة الفعل الأولى للمستهلكين، التي تعتبر ردة فعل طبيعية، ستكون إبقاء مدّخراتهم في البنوك والسعي للادّخار أكثر.

ومن المرجح أن يدّخروا نفس نسبة الفائدة السلبية إن لم يكن أكثر، وهو الأمر الذي لا ترغب به البنوك المركزية، إن هذا الأمر سيئ بالنسبة للبنوك لسبب بسيط يتمثل في أن سحب المدّخرين لأموالهم سيؤدي إلى نقص في السيولة لدى البنوك، وهو الأمر الذي سيدفع في نهاية المطاف بأسعار الفائدة للارتفاع، ونحن لا نرى فرصة لتحقق مثل هذا السيناريو.

وقد تؤدي معدلات الفائدة السلبية إلى حالة عدم استقرار مالي بطرق أخرى، فيما قد تعمد بعض البنوك إلى عدم تطبيق أسعار الفائدة السلبية على عملائها خوفاً من خسارة العملاء.

أما البنوك التي تتمحور خدماتها على تقديم خدمات الادخار والرهون العقارية للعملاء، فإن عملياتها التشغيلية والإقراض تعتمد بنسبة 100 في المئة على المدخرين، وهي تعتمد بشكل كبير على ودائع العملاء، ولذلك هي مترددة في خفض أسعار الفائدة على الودائع إلى ما دون الصفر.

وتضم لائحة أصول هذه البنوك بشكل رئيسي القروض أو الرهون العقارية التي تقوم على أسعار فائدة ثابتة، ما يعني أن عليهم خفض الفائدة للمقترضين، ولكن في الوقت نفسه يخشون من اعتماد معدلات فائدة سلبية على أموال المدّخرين.

ومن شأن معدلات الفائدة السلبية بالنسبة لهذا النوع من المؤسسات المالية والمشابهة لها أن تؤدي إلى انخفاض الأرباح، وإلى تآكل رأس المال.

وبناء على ذلك، إذا كانت معدلات الفائدة السلبية سيئة بالنسبة للمؤسسات المالية، فكيف يمكن لها أن تسهم في الانتعاش الاقتصادي الذي تأمل به أو تسعى وراءه البنوك المركزية.

ونحن نعتقد أن اعتماد بعض البنوك المركزية القوية على معدلات فائدة سلبية هي رهان غير مضمون أو خطة نحو المجهول، ويجب أن يكون لأسعار الفائدة السلبية تأثير كبير على أسواق الصرف الأجنبي.

وتراجعت قيمة اليورو ما يقرب من 20 في المئة مقابل الدولار الأميركي، منذ إعلان البنك المركزي الأوروبي عن اعتماد معدلات فائدة سلبية، وسيؤدي مثل هذا التراجع الكبير في قيمة العملة في الأوقات العادية إلى ارتفاع تكلفة الواردات، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع معدل التضخم.

وتكمن المشكلة في الوقت الحالي في أننا لسنا بأوقات عادية، إذ قامت معظم البنوك المركزية الأخرى بخفض قيمة عملتها الوطنية، الأمر الذي أدى إلى حرب عملات بين الدول وجميعها يعمل على تخفيض قيمة عملته الوطنية مقابل الدولار الأميركي.

وإذا انخفضت قيمة العملات بنسبة كافية فإن خطة معدلات الفائدة السلبية قد تنجح، على افتراض عدم تسبب استمرار انخفاض الأسعار في مختلف أنحاء العالم بدفع معدلات الفائدة أكثر إلى المناطق السلبية.

ويتم تخفيض قيمة معظم العملات العالمية مقابل الدولار الأميركي في العام الذي تشهد فيه الولايات المتحدة انتخابات رئاسية، ويبقى الخوف كل الخوف من تحول ما يحدث إلى كابوس حقيقي بالنسبة للجميع.

* شركة رساميل
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي