No Script

حديث الأيام

الكرة في ملعب الفساد

تصغير
تكبير
آخر مرة «شوت» أو ركلت فيها الكرة كانت في القرن الماضي، وآخر هدف سجلته كان في مرمى فريقي، واعتبره الأصدقاء نيراناً صديقة، ومع ذلك احتفظ بي الرفاق ولكن على الخط، وبعد انهزام الأيام وانصرام الأعوام كثرت المشاغل وخليلتها المشاكل، واكتفيت بالتشجيع، وكنت من مشجعي المنتخب بعنف حتى وصموني بالنازية الكروية! واليوم تبخر المنتخب الكويتي لكرة القدم كما تتبخر الأحلام.

ولو تتبعنا تاريخ الكرة الكويتية لوجدناها تسير بشكل طبيعي ومتزامن مع الحياة السياسية في الكويت، ففي السبعينات وأوائل الثمانينات، عندما كانت الكويت في أوج مجدها السياسي، كانت الكرة كذلك، وعندما بدأت الحياة السياسية بالانحسار بدأ كل شيء بالانحدار، حتى وصلنا إلى مرحلة الغزو، ثم اعتدلنا سياسياً ورياضياً، ولكننا بعد ذلك انتكسنا في كل شيء كما نشاهد اليوم.


وتطور الرياضة بشكل عام أو حتى الحياة الثقافية في أي دولة، يرتبط باستقرار تلك الدولة سياسياً واقتصادياً، والأمثلة كثيرة فالكرة في إيران كانت متطورة في أيام الشاه ثم انحدرت أثناء الحرب العراقية-الإيرانية، ثم عادت بشكل معقول بعد الاستقرار النسبي الحالي في طهران، وكذلك الكرة العراقية مرت بنفس الظروف فمنتخب العراق في السبعينات لا يمت بصلة لمنتخب العراق اليوم، ولا أحد يعقد عليه آمالاً كبيرة والدولة في حال حرب، والكرة في لبنان أصبحت نكتة أيام الحرب اللبنانية، واليوم تتفوق على نفسها على الرغم من أن أنفاسها مازالت مقطوعة.

وبالنسبة لي الأمور واضحة فالكرة حالها حال مؤسسات الدولة الأخرى التي تآكلت بسبب الفساد، ولكن ما يؤلمني في الموضوع هو الحسرة التي نراها في عيون صغارنا الذين نشأوا على مرارة الهزائم، وهذا الشعور لا يحس به الكبار لأن الكرة ليست في سلم أولوياتهم، ولا في نهايته، ولأننا نعلم أن ما نحن فيه من تدهور أكبر من الكرة وأكبر من استاد جابر.

وفي كل الأحوال ما يجرى في الرياضة هو على مبدأ «أنت صلح وأنا أشوت»، وهو جزء من الفساد العام الذي يجري مجرى الدم في كل مفاصل الدولة.

ولا يقل أحد ان ما يحدث معقداً ولا يمكن علاجه، أو أنه صراع قانوني أو فكري أو لا سمح الله صراع من أجل مصلحة الرياضة، فما يحدث يمكن القضاء عليه بجرة قلم، لأنه أصلاً نشأ بجرة قلم، فالدولة هي من تصنع القوانين والدولة هي من تلغيها، ولا نحتاج إلى قضاء ولا محاكم، ولا بطولات ولاعنتريات، ولكن القائمين عليها لا يريدون لهذه المهزلة أن تنتهي لأنهم يخشون الإصلاح، وهذا منطقي لأن الإصلاح هو العدو الرئيسي لحبيبهم الفساد.

ولا غرابة في أن الكرة أصبحت في ملعب الفساد، لأن الفساد لا نهاية لجشعه، فهو يبدأ بالقضاء على الأحلام ولو كانت كروية، وينتهي بالقضاء على الدولة وربما على الكرة الأرضية إن لم يجد من يردعه.

fheadpost@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي